الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«البرادعي».. المعادلة الصعبة في «حكم الإخوان»




ذهب د.محمد البرادعي في الثامنة مساء السبت الماضي إلي مقر وزارة الدفاع وتحديدًا إلي مكتب المشير طنطاوي الذي قام بدعوته واستقباله  هو والفريق سامي عنان.. واستمر اللقاء بين ثلاثتهم حوالي أربع ساعات تم خلالها مناقشة الوضع الداخلي لمصر وكيف يمكن عمل التوازن المجتمعي في السلطة ما بين رئيس من فصيل التيار الديني ورئيس حكومة من الشخصيات العامة المدنية.
وعلي الرغم من أن هذه المقابلة لم تكن الأولي فقد سبقها اثنتان علي الأقل من قبل كان فيهما عرض منصب رئيس الوزراء علي د.البرادعي قبل د.الجنزوري ولكن الإخوان لم يرحبوا بالبرادعي في هذا المنصب.. وبلغوا اعتراضهم للمجلس العسكري الذي نقل بدوره رأي الإخوان لـ«دالبرادعي»، وعليه ربما هذا الرأي السابق يكون عقبة أخري في المرحلة المقبلة إذا ما استقر رأي التيارات السياسية وتوافق ذلك مع رأي المجلس العسكري في أن يكون د.البرادعي هو رمانة الميزان لمرحلة حكم الإخوان.
علي جانب آخر كانت مليونية مدينة نصر تعبيرًا وافيًا عن خوف الشارع المصري من حكم الإخوان وأنهم يريدون قرارات تصون مدنية الدولة المصرية الديمقراطية الحديثة ورغم تواجد مؤيدين لشفيق ضمن هذه المليونية إلا أنها في الحقيقة مليونية من أجل حماية الدولة المدنية ودعم الإعلان الدستوري المكمل.
العريان والبرادعي
عرض عصام العريان في بداية عام 2010 علي مكتب الإرشاد ضرورة تقييم موقف د.البرادعي ود.حسن نافعة باعتبارهما أهم رموز في الجمعية الوطنية للتغيير حتي يمكن اتخاذ موقف إيجابي أو سلبي تجاههما.
وقرر مكتب الإرشاد تكليف القسم السياسي الذي يشرف عليه العريان بإنجاز هذا التقييم خلال أسبوعين علي أن يستعين القسم بمن شاء من الإخوان.
قام العريان بعقد سبعة اجتماعات ثلاثة منها لمناقشة وكتابة تقرير عن البرادعي ومثلها لـ«نافعة» والاجتماع الأخير جعله للصياغة النهائية للتقارير.
وفي الوقت نفسه وخلال الاجتماعات السابقة استعان العريان بأعضاء بارزين في الجماعة لأخذ رأيهم وتحليلهم ومشورتهم وكان علي رأسهم د.محمد مرسي ومعه سعدالحسيني ومحمد سعد الكتاتني ومحمد جمال حشمت وحسام أبوبكر ود.أحمد أبوبركة الذين أدلوا بدلوهم في التقارير التي قام بكتابتها وصياغتها كل من د.محمد عبدالغني مسئول القسم السياسي المعني بالتقارير والمكلف بكتابتها تحت إشراف رئيس القسم عصام العريان وأيضا المهندس محمد البشتلاوي أمين القسم والمهندس عاصم شلبي مسئول الإعلام وياسر عبده رئيس الوحدة الاقتصادية وخيري عمر مسئول لجنة التحليل السياسي ود.سعد عمارة مسئول قطاع شرق الدلتا وأحمد العجيزي مسئول قطاع وسط الدلتا والمهندس خالد حمزة مسئول موقع إخوان ويب وعلي عبدالفتاح عضو مجلس القسم ود.حسين راغب ومحمد السيسي أعضاء بالقسم السياسي.. وانتهت هذه اللجنة بإعداد التقريرين ولكننا هنا بصدد التقرير الخاص بـ«د.محمد البرادعي» الذي من المنتظر أن يعمل مع رئيس مصر من الإخوان ليصير رئيسًا للحكومة المقبلة.
هدف الإخوان
وضع تقرير المكتب السياسي لجماعة الإخوان عن البرادعي ثلاثة عناوين في الصفحة الأولي معبرة عن مضمون التقرير الذي يحلل شخصية البرادعي من واقع التوجهات الفكرية والمواقف السياسية - الرؤية الإصلاحية.
وذكر التقرير أن الهدف من الورقة هو التعرف بدرجة أكثر عمقا علي التوجهات الفكرية والمواقف السياسية والرؤية الإصلاحية للدكتور محمد البرادعي وذلك من خلال النظر في أحاديثه ومقالاته وتصريحاته في الفترة الأخيرة وبخاصة بعد إعلانه نيته خوض معركة الإصلاح السياسي في مصر وذلك بهدف الإلمام بأحد العناصر المؤثرة في احتمالات تعاون الجماعة معه في عملية الإصلاح خلال المرحلة المقبلة.. وسيتم هذا التعرف من خلال تناول العناصر التالية أولا التوجهات الفكرية: فهم الإسلام - أولوية القيم الأخلاقية - الانتماء للعولمة.
ثانيا: المواقف السياسية وتتضمن الموقف من الولايات المتحدة الأمريكية - من الكيان الصهيوني - من النظام المصري - من جماعة الإخوان - من تجربة الأحزاب في مصر.
فهم الإسلام
لا يوجد فيما يطرحه د.البرادعي ما يشير إلي وجود خصومة مع الإسلام فهو يتحدث عن والده نقيب المحامين الأسبق رحمه الله الذي يعتز به بدرجة عالية ويراه في أحد أحاديثه بطلا في معركة الحريات إبان العهد الناصري الذي كان رجلا متدنيا يصلي ويصوم، الإسلام كان بالنسبة لنا في البيت محبة وتسامح وقدوة، وعندما أراد لفت النظر لأهمية القراءة والتدبر والتفكير في ضرورة الإصلاح ذكر الآية الكريمة اقرأ باسم ربك الذي خلق.. إلا أنه مع ذلك فإن مجمل ما يطرحه الدكتور البرادعي يشير إلي عمق تأثره بما استقر لدي المجتمعات الغربية من تهميش دور الدين في الحياة العامة وهو ما سنعرض له من خلال الأمثلة التالية.
1- يلوم علي مجتمعاتنا أنها أصبحت تتكلم بلغة القرون الوسطي عندما تتحدث عن شيعة وسنة ومسلمين وأقباط، هذه  مسائل انتهي منها العالم العربي منها منذ قرون قبل أن تحدث ردة ولو أنه كان يتحدث عن التعصب لكان الأمر مفهوما ولكن عباراته تتجاوز ذلك للاستهانة بمطلق الشعور بالانتماء للعقيدة.
2- تثني علي تجربة الهند في تولية رجل من السيخ لمنصب رئيس الوزراء هناك رغم أن نسبتهم لا تتجاوز 2٪ من السكان بينما نحن مازلنا نتحدث عن السنة والشيعة ويتفق مع هذا المنطق أنه حين يتحدث عن ضرورة وضع دستور جديد للبلاد يكفل تحقيق السلام الاجتماعي لطوائف المجتمع المختلفة يعدد من بينهم البهائيين بجانب المسلمين والأقباط.
3- تكرر في أحاديثه ملاحظته التناقض بين ما تضمنته المادة الثانية من الدستور من النص علي أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع وبين حظر الأحزاب ذات المرجعية الدينية.. مما يقتضي إلغاء الحظر علي قيام هذه الأحزاب إلا أن ذلك لم يمنعه عند سؤاله عن رأيه في إمكانية إزالة هذا التناقض عن طريق إلغاء المادة الثانية من الدستور ذاتها فكان رده هي مسألة عايزة تفكير.. الإسلام حولناه إلي طقوس وليس جوهر.. ما هو الإسلام هل اجتهدنا في تفسير الإسلام خلال الـ4 -5 قرون الأخيرة، الغرب فيه أحزاب مسيحية وهي تعبر عن أفكار وقيم معينة.. هل الأفضل أن يكون هذا محظورًا أو تكون الدولة ليس لها دين، الدولة كمؤسسة ليس لها الدين، والمسلمون هم الأفراد يجب أن نناقش هذه النقاط دون حساسية ودون أن نخون أو نفكر من يناقشها.
4- من الملاحظ عند حديثه عن أسس النهضة المرجوة تكراره لمصطلحات مثل التفكير العقلاني - الحداثة - المجتمع المصري، ورغم أن هذه المصطلحات لا تحمل دلالة قاطعة في حد ذاتها علي التوجه الفكري لقائلها إلا أن السياق الذي يستخدمها في إطاره يجعلها غير منفكة عن التوجه العلماني حتي أن لم يذكره صراحة.
أولوية القيم الأخلاقية
في إحدي الندوات التي تحدث فيها الدكتور البرادعي بعد فوزه بجائزة نوبل في أمريكا الموجودة علي اليوتيوب.. يلفت النظر أنه بعد صعوده إلي المسرح عند بداية الندوة يقوم بشكل تلقائي بتحية مقدمة الحفل وتقبيلها.. وفي أحاديثه المتعددة كثيرًا ما يعبر عن اهتماماته الفنية وبخاصة الفن التجريدي.. جزء مهم من هواياتي وأيضا من اهتماماتي الموسيقي الكلاسيكية وموسيقي الجاز، الفن يعبر عن طموح الإنسان وما يريده وتحفل متعلقات الدكتور البرادعي الموجودة علي شبكة الإنترنت بإضافات عديدة تؤكد مدي تأثره بل وانغماسة في النموذج الغربي للحياة ونمط المعيشة في هذه المجتمعات.
ومن المهم هنا أن نفرق بين هذا التأثير الذي هو حقيقة واقعة وبين الترخص الأخلاقي الذي اعتدنا في مجتمعاتنا الإسلامية أن يكون سمة هؤلاء المتغربين.. فالقيم الأخلاقية وإعلاء شأن الضمير والصدق مع النفس مكون أصيل من مكونات شخصية د.البرادعي فحديثه عن مهمة الإصلاح التي ندب نفسه إليها ترتبط في نظره بالواجب والضمير ..انظر وهو يقول ضميري يحتم علي أن استمر في الحديث عن التغيير.. تحقق هذا بعد سنة أم اثنتين أم خمس أم لم يتحقق هذه مسألة ضمير لا يمكن أن أكون قد وصلت لهذا المنصب وهذا التعليم وأخذل شعباً ولا أقول له علي مشكلة وعندي حلها.. المسألة مسألة قيم وليست مسألة سياسية وبصفة عامة فإن المطلع لطروحات د.البرادعي يلاحظ الحس الأخلاقي العالي وفق النموذج الغربي حيث يدعو للالتزام بالصدق مع النفس.. احترام المبادئ.. الانشغال بالهم العام.. وهو يؤكد علي حاجتنا دائما ليس فقط لأن نعرف عملنا جيد بالنسبة لنا علي الأجل القصير ولكن لنعرف أيضا أنه صحيح من الوجهة الأخلاقية.. لكن المعضلة أنه حريص في الوقت ذاته علي التأكيد : أنني عندما أتحدث عن الأخلاق لا أتحدث عن الدين ولكن أتحدث عن قواعد الأخلاق وعن القيم الأخلاقية وأظن أنها تلزمنا جميعا أن نكون صادقين وأن نكون عادلين ومع التقدير للقيم الأخلاقية التي يركز عليها د.البرادعي ومع إدراك مدي حاجتنا للالتزام بها إلا أن حرصه علي الابتعاد بها عن الدين يعزز التساؤل عن طبيعة المفهوم الذي يحمله لديننا الإسلامي.
الانتماء للعولمة
إن اعتبار الانتماء للعولمة بند مستقل ونحن نناقش التوجهات الفكرية للدكتور البرادعي لا يرجع لحقيقة أنه كان موظفا دوليا ومواطنا عالميا علي مدي ما يزيد علي الـ40 عاما.. ولكن يتعدي ذلك إلي أن هذه الحقيقة قد أثرت في تكوينه الفكري وفي تناوله لمعضلات الواقع من خلال المدخل العولمي إن صح التعبير:
أ- فهو يحدد منطلقه ابتداء: «أنا منطلقي أننا أسرة واحدة من 6 مليار إنسان» وهو يري أن المجتمع الدولي ينضوي تحت منظومة عالمية لا يمكن أن تخرج عنها وأن أي مشكلة لا يمكن التعامل معها دون المشاركة مع باقي دول العالم.. ولابد أن يكون لدينا نظرة شمولية ولا منطلق من منطلق أقليمي ضيق».
ب- ومع ذلك فإن لهذه النظرة مردودها الإيجابي من المنظور الإسلامي.. فهو يئس من أن العالم العربي أصبح في حالة تشرذم وأصبحنا نسمع أصواتا تقول لا يوجد شيء أسمه العالم العربي ونجد دول الاتحاد الأوروبي به 12 لغة مختلفة وعادات وتقاليد مختلفة وتفهموا أن الاتحاد قوة وأنه لا يمكن لدولة أن تعمل بمفردها.. واليوم أين العلاقة الوثيقة بين مصر وإيران وتركيا وإندونيسيا وباكستان.. كل واحد يعمل بمفرده ولا يثق في جيرانه وليس لدينا رؤية مشتركة.. دولة تسقط وبعدها أخري وسنستمر كذلك ما لم نعد النظر بالكامل في ماهيتنا وقوميتنا.. يجب أن نجد لأنفسنا فضاء نواجه به الفضائيات الكبيرة المختلفة..  .. هناك فضاء يجمع دول أمريكيا الشمالية.. وهناك فضاء يجمع دول أمريكا اللاتينية وفضاء يجمع دول جنوب شرق آسيا.. وهناك حلف الناتو الذي يضم 26 دولة.. المنطقة الوحيدة التي تخلو من فضاء يجمعها هي المجموعة العربية.. ليس هناك فضاء يقوم علي الانتماء العربي والثقافة الإسلامية.. هذه الدول التي ذكرتها كدول إسلامية لها ثقافات وإمكانات.. لو أقمنا هذا الفضاء سينظر إلينا العالم نظرة مختلفة.
الموقف من الولايات المتحدة الأمريكية
تمثل العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية إحدي علامات الاستفهام التي تحيط بالتحول الأخير للدكتور البرادعي وتبنيه قضية الإصلاح السياسي في مصر.. وقد تكرر الوقوف عندها سواء من بعض الناشطين في تبني ذات القضية أو من كتبة النظام المصري المتوجس من هذا التحول في مسيرة د. البرادعي.. وإدراكا منه لموضوعية هذا التساؤل فقد حرص د. البرادعي في أحاديثه علي توضيح الإطار الذي يحيط بعلاقته مع القطب الأمريكي وذلك كما يلي:
أ- يستشهد د. البرادعي بالصحف الأجنبية التي وصفت حصوله علي جائزة نوبل بأنها ركلة في ساق بوش لأنه تحداه في أزمة العراق.. وكذلك أنا أتصور أنني منعت الحرب في إيران لأن أمريكا حين أعلنت أن إيران لها برنامج نووي قلت حينئذ نحن لا نملك الوثائق التي ثبت ذلك.. ويشرح د.البرادعي مواجهته مع إدارة بوش بشكل أكثر تفصيلا بالطبع كانت هناك نية مبيته لضرب العراق بعد الهجمات الإرهابية في سبتمر1 200 ولجأوا إلي الأمم المتحدة إلا أن عمليات التفتيش لم تسعفهم وبالتالي لم يجدوا أمامهم إلا الاستخدام الأحادي للقوة بدون أن يأخذوا تصريحاً من مجلس الأمن.. وأخذنا جائزة نوبل لموقفنا في العراق.. وذكرت لجنة الجائزة أنني كنت مدافعا لايهاب لأنني وقفت أمام الولايات المتحدة الأمريكية.
ب- مع تكرار انتقاد د.البرادعي لأمريكا باعتبارها الدولة الوحيدة التي اعترضت علي ترشيحه لقيادة وكالة الطاقة النووية للمرة الثالثة لموقفه من أزمتي العراق وإيران.. إلا أنه يلقي العبء علي ذلك الموقف السلبي تجاهه علي إدارة الرئيس بوش.. بينما يلاحظ أن الرئيس أوباما يتكلم في كلام أعتقد فيه عن الحرية أو عن التواصل مع العالم.. ولكن هناك ما أتفق عليه وما اختلفت عليه مع السياسة الأمريكية.
ت- ومن المفيد أن نورد رد الدكتور البرادعي علي استفسار عما إذا كانت الجرأة التي يتحدث بها مؤخرا ترجع لأنه أخذ ضوءاً أخضر من قوي كبري.. فرد قائلا: هذا جزء من عدم الثقة في أنفسنا والعيش بنظرية المؤامرة.. أي لابد من أن أجد ما سيحدد لنا مصيرنا.. وهذا يمثل مهانة لنا كدولة وكشعب.
الموقف من الكيان الصهيوني
علي المستوي الشخص فإن الدكتور البرادعي يعتبر أنه من المسلمات أن الكيان الصهيوني يمثل له خصومة كبيرة لأسباب موضوعية.. إسرائيل لم تقف معي عند تجديد ترشيحي للوكالة لأكثر من سبب.. فحين ضربت سوريا أنا الوحيد الذي قال إن هذا مخالف للقانون الدولي.. ولم يتكلم أحد ولا حتي مصر في ذلك الوقت.. نفس الشيء في حالة إيران والكيان الصهيوني كانت تريد أن أقول إن إيران لديها برنامج نووي بينما كنت أكرر انتقادي أن هناك عدم توازن في المنطقة العربية طالما أن الكيان الصهيوني خارج المعاهدات.. كل هذا لم يكن ليسر الكيان الصهيوني.
إما إذا انتقلنا من الموقف الشخصي إلي القضية برمتها فإن موقفه يمكن تلخيصه فيما يلي:
أ- يري د. البرادعي أن علاقة العالم العربي بإسرائيل علاقة معقدة ومرتبكة.. وبالطبع لابد أن يكون هناك سلام في نهاية المطاف وشروط السلام محددة في قرارات  مجلس الأمن المتعلقة بالقضية.
ب- يتبني د.البرادعي الحوار المباشر لمعالجة القضية الفلسطينية والقضايا المماثلة عندما نختلف مع دول لابد أن نتحدث معها.. أنا أري أنه لا بد أن يكون هناك حوار لحل أي مشكلة.. الحوار ليس علامة ضعف ولكنه قوة.. يجب أن يكون هناك حوار عربي إسرائيلي لحل جميع المشاكل باعتبار اهتمامه الخاص بالأسلحة النووية فإنه يري إسرائيل لن تتخلي طواعية عن برنامجها النووي ما لم تشعر أنها غير مقبولة في المنطقة وهذا لن يتم فقط عن طريق الضغوط ولكن عن طريق حوار كامل شامل لعملية السلام في الشرق الأوسط ويجب ألا نكتفي بما تقوم به أمريكا والغرب.. الدبلوماسية ليست عبارة عن حوافز فقط ولكن ضغوط أيضا يجب أن نأخذ زمام المبادرة.
ت- اتساقا مع هذه الرؤية فإن د. البرادعي يتذكر باعتزاز أنه إبان عمله كمساعد لإسماعيل فهمي وزير الخارجية.. فقد كان مؤيدا لقراره بالاستقالة عندما قرر السادات زيارة القدس ليس لأننا نعارض السلام ولكن لأنه كان من الشروط أن ندفع بالكامل قبل أن نأخذ أي شيء ولم يكن هذا أسلوبا سليما كما يتذكر باعتزاز كذلك أنه كتب مذكرة عند بحث فكرة انضمام مصر لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية في السبعينيات عارض فيها هذا الانضمام لأنه ليس في مصلحتنا أن ندخل إذا لم تنضم إسرائيل.. ورغم ذلك انضمت مصر وجميع الدول العربية للاتفاقية وبعد ذلك بدأنا نصرخ.
يعتبر د.البرادعي أن قيام مصر بإبرام صلح منفرد مع إسرائيل من الأخطاء الكبري.. لأنه أدي إلي انعزالها عن محيطها العربي طيلة عشر سنوات.. وكان لابد أن نفهم أنه لن يكون هناك سلام في المنطقة بدون سلام شامل ويستغرب د.البرادعي كيف وقعنا اتفاقيات السلام دون اشتراط دخول إسرائيل في اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية لإخلاء المنطقة من هذه الأسلحة.
ج- وأخيرا كنموذج لطريقة تفكيره يعلق د.البرادعي علي الموقف المصري من المحنة التي يعيشها قطاع غزة من حق أي دولة أن تدافع عن أمنها القومي ولكن بدون تجاوز لمسئوليتها نحو المجتمع الإنساني وفي رأيي أنه إذا كانت الانفاق تستخدم في تهريب المخدرات والجماعات المتطرفة فلا أجد تعارضا بين حماية مصر لأمنها القومي وأن تنهض بمسئوليتها في تقديم المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني.. إذا قبلنا الاتفاق فلنفتح المعابر لماذا لا نيقيم منطقة حرة في رفح يأتي إليها الفلسطينيون لشراء حاجاتهم ثم يعودون مرة أخري وربما كان أكثر أقواله تعبيرًا عن رؤيته هو ما صرح به لمجلة الفورن دبولس الأمريكية من أنه يتفق مع الرأي الذي يعتبر أن مليوناً ونصف المليون مدني بريء يعاقبون بسبب تصرفات عدد من أعضاء حماس وردًا علي منتقديه فإن د.البرادعي يتحفظ علي أن كونه عبر عن تعاطفه مع 6 ملايين يهودي أبيدوا علي يد النازيين لا يعني أنه متفق علي أن يعاملوا الفلسطينيين بهذه الطريقة.

محمد مرسى