الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

نبوءة توفيق الحكيم وثورة 30 يونيو!




لم يتردد الكاتب الكبير «أحمد بهاء الدين» الشاب وقتها 27 سنة أن يكتب مقدمة كتاب الأستاذ الكبير «توفيق الحكيم» 56 سنة وقتها - ولم يمنعه ذلك من مناقشة آراء ورؤى «الحكيم» أن يختلف معه، بل وينتقد هذه الآراء فى أدب جم واحترام كبير وتقدير لقيمة وقامة توفيق الحكيم الفكرية.
والأجمل أن ينشر «الحكيم» هذه المقدمة فى صدر كتابه «تأملات فى السياسة» الذى صدر فى أغسطس سنة 1954 فى سلسلة كتاب روزاليوسف.
لقد لفت انتباهى ما كتبه الأستاذ «بهاء» عن رائعة توفيق الحكيم «عودة الروح» وقوله ان عودة الروح هى أروع وثيقة فنية عن ثورة 1919 وهى الثورة التى عاشها توفيق الحكيم وفهمها وسجن فيها وسجلها بقلمه، وفى هذا الكتاب نراه  بعد أن يتأمل الحياة السياسية الراهنة (بين عامى 1941 - 1946) يطالب أو يتمنى أن تعود أيام ثورة 1919 وأن تعود مثلها وأخلاقياتها رغم التغييرات الكثيرة التى طرأت على المجتمع المصرى وظروفه ومطالبه خلال هذه الفترة فهو لا يريد ثورة جديدة بل يريد تكرار ثورة 1919 وهو ما يمكن ان يعتبر انفصالًا عن حركة التاريخ!!
فى رواية «عودة الروح» كتب الحكيم  يقول:
«ان هذا الشعب الذى نحسبه جاهلًا، يعلم أشياء كثيرة ولكنه يعلمها بقلبه لا بعقله» إن الحكمة العليا فى دمه ولا يعلم، والقوة فى نفسه ولا يعلم  هذا شعب قديم، جئ بفلاح من هؤلاء وأخرج قلبه تجد فيه رواسب عشرة آلاف سنة من تجاريب ومعرفة رسب فوقها فوق بعض، وهو لا يدرى نعم وهو  يجهل ذلك، ولكن هناك لحظات حرجة تخرج فيها هذه المعرفة وهذا التجاريب فتسعفه وهو لا يعلم من أين جاءته!
هذا يفسر لنا تلك اللحظات من التاريخ التى ترى فيها مصر تطفر طفرة مدهشة فى قليل من الوقت وتأتى بالأعاجيب فى طرفة  عين».
ويعلق الحكيم على كلماته بقوله: ما كان أحد منا يدرك وقتئذ مدى القوى فى داخل نفوسنا»، كان ذلك منذ ثلاثين سنة؟ أما اليوم فهنالك من يتساءل: هل احتفظنا بتلك الروح أم انها ذهبت كما يذهب الريح؟!
هكذا تساءل الحكيم فى مقاله المنشور فى نوفمبر 1948 وعنوانه «هل ذهبت الروح؟!» وهو نفس السؤال الذي نسأله الآن: أين ذهبت روح نصر أكتوبر 1973  أكمل وأشمل وأعظم  انتصار عربي؟! وأين ذهبت روح ثورة 25 يناير 2011 فى أيامها الأولى وتوحد الكل فى واحد؟!
إجابة توفيق الحكيم تجيب عن التساءل فيقول: كثير ممن عاصروا الثورة القديمة  ثورة 1919 يهزون رءوسهم أسفًا ويقولون أعجوبة ظهرت مرة ولن تعود، أما الشباب الذى لم يعاصر تلك الثورة فيسمع ذلك ويهز رأسه عجبًا ويقول: نحن اليوم أيضاً نثور ونضرب ونتظاهر ونخرب فما الفرق بين ثورتنا وثورة السابقين؟! الفرق في رأيي هو أن كل طائفة اليوم لها ثورتها، شباب الجامعة يثورون لما يهمهم، والعمال يثورون لمطالبهم والموظفون يثورون لمصالحهم، ثورات كثيرة حقًا لكنها مختلفة الهدف متعددة الأسباب!
روح مصر الحقيقية لم تذهب ولن تخمد هذا إيمانى الذى لن يزول، ولكن روح مصر تنام أحياناً عندما ينساها أهلها فلا يوقظونها، وتتبدد أحيانًا وتحار أحياناً عندما يتعدد الزعماء فيقودونها كل فى طريق، وهى تظل هكذا في نومها أو تبددها أو حيرتها إلي أن تتيح لها القدر بين فترة وفترة من الظروف والرجال والأحداث ما يدفعها إلى وحدة الغاية والسبيل والقيادة عند ذلك يرى العالم العجب ويصيح الناس ويهمس  التاريخ: انظروا لقد تكررت المعجزة وعادت الروح!!
وأظن - وليس كل الظن إثمًا - ان توفيق الحكيم ببصيرته الذكية النافذة وكأنه كان يتحدث عن شعب ثلاثين يونيو سنة 2013، ذلك الشعب الذى أراد الحياة  فاستجاب له القدر.
أدعوكم لقراءة «توفيق الحكيم» بعين معاصرة ولن تندموا أبدًا»