الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الشعب يريد إسقاط «سعد زغلول»!




أظن أن مذكرات الزعيم «سعد زغلول» التى صدر منها حتى الآن عشرة أجزاء هى أصدق مذكرات كتبها زعيم أو مسئول مصرى، فقد كتبها الرجل لنفسه لا لينشرها، وكان صريحا وواضحا فى كل ما كتبه عن شخصيات عصره البارزة، وسوف تندهش من اعترافه باليأس الذى كان ينتابه فى لحظات عديدة، وإدمانه للعب القمار مع كبار ذلك الزمن، وخيبة أمله فى زعماء وساسة ذلك الوقت.
لا أكتب عن مذكرات «سعد زغلول» الآن لكننى أكتب عن مذكرات رجل آخر ظلمته السياسة كثيرا وهو د.محمد حسين هيكل باشا صاحب أهم كتاب معاصر وهو «حياة محمد» وهو أيضا صاحب رواية «زينب» المأخوذ عنها الفيلم الشهير وهو أيضا رئيس تحرير جريدة «السياسة» لسان حال حزب الأحرار الدستوريين خصم الوفد وسعد زغلول.
لم يكن د.حسين هيكل  باشا من دراويش «سعد زغلول» زعيم الأمة ونبى الوطنية المرسل من قبل السماء كما كان يشيع أنصاره ودراويشه، وبحكم الضرورة السياسية كان حزب الأحرار الدستوريين يكلف «هيكل باشا» بالتردد على «سعد زغلول» للحديث معه فى أمور عديدة ويقول «هيكل باشا»: «لم تكن لى بالرجل ـ أى سعد زغلول ـ صلة شخصية فلما التقينا فى المرات الأولى أعجبت بما عليه الرجل من مقدرة وذكاء، لقد تحدث الناس عنه خطيبا لا نظير له فى مصر، ولم يكن بذى بال عندى! فقد طالما ناقشت فى «السياسة» خطبه ونقدتها مر النقد.. لكننى ألفيته محدثا بارعا غاية البراعة.
كنت أذهب إليه فى أمور لا يستغرق الحديث فيها بضع دقائق، فإذا خرجت من عنده أجدنى قضيت ساعة أو نحوها أستمتع بأحاديث لا علاقة لها بشئوننا الحزبية، وهى أكثر الأمور أحاديث عن الماضى يسبغ عليها الرجل من طلاوة العبارة ما يجعلها فنا جميلا يسلك سبيله إلى النفس فيملؤها مسرة به واستزادة منه!
وكنت أشعر فى حديثه بعطف لا أدرى  مصدره من نفسى، لكننى  كنت أسمع الذين يلقونه ينقلون عنه تقديرا لى أغتبط به فلما تكررت مقابلاتنا كنا نتناول بالحديث شئونا يختلف رأينا فيها ثم تنتهى إلى اتفاق أو تمسك كل منا برأيه!
تحدث إلى يوما عن عدد الأعضاء فى مجلس النواب وكان يومئذ أربعة عشرة ومائتين «214» فذكر لى أنه عدد ضخم لا يسهل معه اختيار العناصر الصالحة لتمثيل الأمة تمثيلا حسنا، وذكر لى أنه سيعرض  على البرلمان لأول ما يجتمع تعديلا للدستور يحدد عدد النواب بمائة وخمسين تحديدا لا يغير منه زيادة السكان!!
وأجبته بأننى على رأيه فى ضخامة العدد ولكننى أرجوه ألا يفتح باب تعديل الدستور فهو باب إن فتحه «سعد زغلول» لمصلحة الحياة النيابية فتحه غيره لغرض آخر!! وللتدليل على رأيى أعدت على مسامعه ما حدث من تعديل فى مشروع لجنة الدستور «1923» حد من سلطة الأمة فى غير موضع!
وأردفت أن التعديل الذى يفكر دولته فيه سيجد معارضة فى البرلمان حتى من أنصاره لأن معناه خروج أربعة وستين من أعضائه هم لا ريب أحرص على مقاعدهم منهم على كل اعتبار آخر!
وينهى «هيكل» باشا ما جرى بقوله: واقتنع الرجل فلم يعد إلى هذا الحديث  ولم يفكر فى تنفيذ فكرته من بعد!
انتهت القصة وتبقى دلالتها، ولو فعلها «سعد زغلول» زعيم الأمة وبطل ثورة 1919 وقتها لخرج النشطاء ـ نشطاء موديل سنة 1924 - وكذلك نخبجية النصب فى كل مكان وزمان ودعوا الملايين للتظاهر وربما هتفوا:
- الشعب يريد إسقاط سعد زغلول!!