الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الغرب والتحالف مع الأعداء لمواجهة داعش




وجدت الادارة الامريكية نفسها ومعها حلفاؤها الغربيون وقد انحشروا جميعا فى مربع خيارات «أحلاها مر» فى مواجهة تنظيم «داعش» الذى بات يتمدد فى كل اتجاه، اقل هذه الخيارات ضررا هو «التعاون» مع نظام طهران وأكثر هذه الخيارات «بشاعة» هو الوقوف الى جانب نظام الرئيس بشار الاسد فى الخندق المواجه لـ«داعش».

الكثير من الاصوات لا ترى بديلا من التعاون مع «الشخص السئ» فى سوريا للتخلص من «الشخص الاكثر سوءا».
ورغم استبعاد البعض مقايضة «التعاون» الايرانى مع الغرب بـ«الملف النووى» أو مقايضة الغرب دعم نظام الاسد مقابل اعادة الشرعية لهذا النظام وحكمه الا أن بعض الاصوات فى الولايات المتحدة والعواصم العربية باتت لاترى بديلا عن التعاون مع «الشيطان الاكبر» من أجل القضاء على «الوحش الاخطر».
وعلى عكس ما تفكر فيه المؤسسات الرسمية فى واشنطن ولندن وباريس، التى ترفض قطعيا اعادة تأهيل الاسد.
ففيما يخص ايران كتب ستافريديس جيم القائد الاعلى السابق لحلف شمال الاطلسى منذ عام 2009 الى عام 2013 مقالا فى صحيفة «هافينجتون بوست» الامريكية قال فيه إن الوقت قد حان لاعادة النظر فى علاقات الغرب مع إيران وينبغى حل كل المشاكل التى تؤثر سلبا على العلاقات مع ايران للتوافق على القضايا التى تشكل أرقا للطرفين.
بينما عبر رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون بصراحة عن استعداد بريطانيا للتعاون مع ايران من أجل صد خطر داعش الارهابى وطى عقود من الخلافات للانخراط معا فى الجهد الدولى الرامى لمكافحة خطر داعش حسبما نقلت صحيفة «الجارديان» البريطانية.
فى السياق نفسه وفيما يخص التعاون مع الاسد من عدمه اهتمت صحيفتا الجارديان والاندبندنت البريطانية بملف الضغوط المتزايدة الى تواجهها الحكومات الغربية للتعامل مع داعش التى تحقق مكاسب واسعة فى كل من العراق وسوريا ومحاولة القضاء عليها نهائيا.
وعلى الرغم من تعارض الصحيفتين فى تناولهما للقضية فالجارديان ترى أن الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا لايزالان يرفضان فكرة التعاون مع نظام بشار الاسد فى مواجهة العدو المشترك وتؤكد أن هذه الضغوط لم تتبلور بعد منطورا جديدا للتدخل الغربى فى مواجهة داعش بينما ترى «الاندبندنت» عكس ذلك تماما مدللة رأيها بالعديد من الظواهر.
فبدأت صحيفة الجارديان البريطانية مقالها بوصف داعش بالظاهرة المتفشية وبأنها القوة العسكرية الاكثر قوة فى الشرق الاوسط الآن بعد إسرائيل.
وأضافت الجارديان ان واشنطن تفكر جديا فى توسيع غاراتها الجوية على مواقع الدولة الاسلامية فى سوريا لكنها بحاجة الى وجود قوة على الارض لتحقيق تقدم سريع واستفادة اكبر من هذه الغارات وهو ما يدفعها للتفكير فى دعم فصائل أخرى ولو بالتدريب لتعمل كقوات تقاتل بالوكالة عنها داخل الاراضى السورية.
أما فى المملكة المتحدة فكانت هناك دعوات متزايدة لنهج اكثر قوة حيث دعا وزير الخارجية السابق السير مالكولو ريفكيند ووزير الدفاع السابق السير جيرالد هوارث بلادهم للانضمام الى الولايات المحدة والقضاء على داعش تماما.
فيما حذرت الصحيفة من أن الانخراط فى سوريا محفوف بالصعوبات والمخاطر لاسباب عديدة ابرزها ان شن حربا على داعش فى سوريا سيبدو وكأنه تعاون مع نظام الاسد فى حين انه وقبل عام واحد فقط كان الاسد هو المستهدف من الهجمات الغربية على سوريا وليس المستفيد وهذه المفارقة السياسية مكمن الحرج لموقف المجتمع الغربى.
إلا أن فيليب هاموند وزير خارجية بريطانيا دافع عن ذلك مؤكدا أن الانخراط فى حوار مع نظام الاسد من شأنه ان يخدم قضية تخدم العالم بأسره وتريحه من شر داعش، مشيرا إلى أنهم ينحازون فقط ضد عدو مشترك لكن هذا لايعنى اننا نثق به.
ومن الجدير بالذكر أن هاموند من المؤيدين لفكرة تكوين تحالف دولى مع الحكومة العراقية تقوده واشنطن، مشددا على وجوب معالجة المشكلة أولا فى العراق.
فيما نقلت الصحيفة تصريح مالكولم ريفكيند رئيس لجنة المخابرات والامن فى البرلمان البريطانى وهو وزير سابق للخارجية انه احيانا تضطر للاتفاق مع شخص بغيض للتعامل مع اناس أكثر بغضا، مضيفا اذا كان الامريكيون جادين فى قولهم انهم يريدون القضاء على الدولة الاسلامية فى سوريا وكذلك فى العراق فلن يمكن تحقيق ذلك بالضربات الجوية وحدها بل يتطلب الامر قوات على الأرض.
أما صحيفة «الاندبندنت» البريطانية فقالت إن الغرب يستعد للتآلف مع قوات الرئيس السورى بشار الاسد للتصدى لتنظيم الدولة الاسلامية فى العراق والشام، وذلك حسبما أكد الكاتب البريطانى «باتريك كوكبرن».
وأشار كوكبرن الى أن التقدم الكبير الذى أحرزه مقاتلو داعش فى غرب سوريا بعد تحول تركيزهم من العراق بسبب الغارات الجوية الامريكية جاء لينصب اهتمامهم بشكل أكبر فى الأراضى السورية.
وأضاف كوكبرن انه فى حالة تمكن داعش من فرض سيطرتها على حلب او أجزاء منها وفرض  هيمنتها على جميع أماكن المتمردين المناهضين للاسد سيدفع الولايات المتحدة للتحالف مع الاسد سرا أو علنا لوقف تقدم العناصر الداعشية.
وأكد الكاتب البريطانى ان الولايات المتحدة أمدت نظام الاسد بمعلومات استخباراتية عن أماكن تواجد بعض القادة الجهاديين من خلال استخدام تقنية ألمانية الصنع، مشيرا إلى أن هذا يفسر التساؤل: لماذا كانت الطائرات والمدفعية السورية قادرة فى بعض الاحيان على استهداف مقر قادة المتمردين بدقة؟
ولفت كوكبرن الانتباه الى أن داعش شنت معارك على قاعدة جوية فى محافظة الرقة التى تعتبر اخر معاقل نظام الاسد مضيفا انه اذا سقطت فسينفتح الطريق أمام مقاتلى داعش للوصول الى حماة رابع أكبر مدن سوريا فضلا عن تمكنهم من السيطرة على عدة مناطق مهمة شمال غرب  البلاد وبالتالى ستتسبب فى قطع طرق امداد فصائل المعارضة الاخرى فى حلب عبر الحدود التركية.
ونقل كوكبرن عن شاس فريمان، السفير الأمريكى السابق لدى المملكة العربية السعودية، الذى أكد أن الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة فى واشنطن، قال «لا يمكن للولايات المتحدة أن تهزم داعش دون معالجة تواجد داعش فى سوريا، لأن «داعش» ستبقى إذا وجدت ملاذا آمنا فى سوريا.
وتابع فريمان: أن سياسة واشنطن وبريطانيا وحلفاءها على مدى السنوات الماضية، كانت تدعم المعارضة المعتدلة ولكن الجيش السورى الحر المدعوم من الغرب ضعيف ومهمش ولن يتمكنوا من وقف تقدم داعش والجماعات الجهادية الأخرى وحدهم.
ويختتم الكاتب البريطانى تصريحاته بالتأكيد على أن موقف المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران ودول الخليخ فى الوقوف ضد تنظيم «داعش» ليس كافيا لردعها ، مضيفا أن دور واشنطن فى الشرق الأوسط يجب أن يشهد تغييرًا ملحوظًا خلال الفترة المقبلة.
واختتمت الجريدة مقالها موضحة أن الغارات الجوية التى تشنها الطائرات الأمريكية ليست الوسيلة الوحيدة التى يمكن أن يتدخل الغرب من خلالها لعزل «الدولة الاسلامية» وإضعافها لكن يجب أن يتم حرمانها من تدفق المتطوعين الأجانب إليها الذى يتم عبر الحدود التركية بشكل رئيسي.
أوروبيا، يواجه زعماء أوروبا دعوات لاتخاذ إجراء مباشر ضد «داعش» يشمل أيضا عناصر التنظيم فى سوريا إلا أن السياسيين يحجمون عن أخذ زمام المبادرة بعد أخطاء سابقة فى المنطقة.
وأظهر استطلاع للرأى أجرته مؤسسة «يوجوف» ونشر فى بريطانيا أن تأييد المشاركة فى الضربات الجوية الأمريكية التى تستهدف مقاتلى الجماعة فى العراق ارتفع ست نقاط إلى 43%، فيما أوضح استطلاع آخر للرأى أجرته مؤسسة (آي.إف.أو.بي) أن غالبية الشعب الفرنسى (52%) يؤيدون تسليح القوات الكردية العراقية للتعامل مع «داعش».
ومن المتوقع أن يواجه الزعماء الأوروبيون ضغوطا أكبر أثناء اجتماع لحلف شمال الأطلسى الشهر القادم، للتعاون مع الرئيس السورى بشار الأسد حيث وجود قاعدة قوية ومنظمة بالرغم من إدانة نظامه.
يذكر أن الولايات المتحدة وبريطانيا تراجعتا العام الماضى عن توجيه ضربات جوية ضد قوات الأسد قبل بضع ساعات من استعداد طائرات فرنسية للإقلاع. ومن ثم تريد باريس أن تتأكد من التزام التحالف بالتحرك قبل أن تلقى بثقلها وراءه.
أما موقف فرنسا ، فهى ترى أن مواجهة «داعش» لابد أن تتم فى العراق وليس سوريا، إلا أن الأمريكيين خرجوا ليؤكدوا بقوة إنه لا يمكن حل مشكلة الدولة الإسلامية إلا بالتعامل معها فى سوريا، مشددين على أن البديل ليس الأسد ولا الدولة الإسلامية.
وفى هولندا، فقد أكد وزير خارجيتها فرانس تيمرمانز، فى تصريح يبرز التوافق الأوروبى المتزايد، إن محاربة متشددى الدولة الإسلامية لا يمكن أن يؤتى ثماره إلا إذا امتدت مواجهة المتشددين إلى سوريا بجانب العراق، مضيفا لن تدوم الحلول فى العراق إذا لم نجد حلا لسوريا.
بينما أسقطت الحكومة الألمانية حظرا فرضته على نفسها بعد الحرب العالمية الثانية يقضى بعدم إرسال أسلحة إلى مناطق الصراع بقرارها مشاركة بريطانيا وفرنسا فى تسليح القوات الكردية رغم أنه لم يتضح بعد شكل المساهمة الألمانية.
وتنأى ألمانيا بنفسها عن المشاركة المباشرة فى الصراعات العسكرية منذ الحرب العالمية الثانية ، فقد أشار استطلاع للرأى إلى أن ثلثى الناخبين الألمان يعارضون هذه الخطوة.
وفى ذات السياق قارن الكاتب الأمريكى مايكل جيرسون، بين تصريحى الرئيس باراك أوباما، ووزير الخارجية جون كيري، ردا على إعلان تنظيم الدولة الإسلامية ذبح الصحفى الأمريكى جيمس فولي، مشيرا إلى قول أوباما «أناس كهؤلاء ينتهون إلى الفشل» وقول كيرى «يجب القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية وما يمثله من شر».
وبينما وصف «جيرسون»، فى مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» قول كيرى بالوعيد، رأى أن قول أوباما لا يزال ينطلق من زاوية المتابع الفصيح للأحداث فى العراق وسوريا، المتابع الذى لا يرغب فى المشاركة على الأرض معتقدا محدودية النفوذ الأمريكى بالمنطقة.
ورجّح رغبة «أوباما»، فى الحفاظ على الغموض الإستراتيجى محورا للسياسة الأمريكية، فيما يبدو وكأنه متخوف من أن يُغرى الوضوح والحزم كلا من الشركاء والحلفاء بالانتفاع المجانى على حساب أمريكا، على هذا الأساس ينهض تكتيك «القيادة من الخلف».
لكن تهديد تنظيم الدولة الإسلامية، والرغبة المعلنة فى تكرار حادث الذبح المروع هذا على نطاق عالمي، قد نما وترعرع فى تربة الغموض الأمريكى الخصبة.
ونوّه الكاتب عن أنه حينما استولى التنظيم على شرق سوريا لم تحرك أمريكا ساكنا، وعندما استولى على الفلوجة فى يناير الماضى لم تفعل أمريكا شيئا ذا بال، وعندما استولى على الموصل فى يونيو وصادر عُملة صعبة وأسلحة أمريكية وغيّر اسمه وأعلن قيام الخلافة حثت أمريكا العراقيين على عمل إصلاح سياسي، كان لابد أن يُشكل التنظيم خطرا عسكريا مباشرا على اربيل وبغداد ويهدد بإبادة جماعية للطائفة الإيزيدية حتى تبدأ أمريكا فى شن ضربات جوية محدودة ضد التنظيم.
ورأى صاحب المقال أن التاريخ الحديث يؤكد أنه ما لم تتول أمريكا قيادة الحرب العالمية على الإرهاب، فإن هذه الحرب لن تبدأ.
وأكد «جيرسون»، أن الأحداث تجُّر «أوباما»، جَرّا إلى التدخل، إلا إنه لا يزال رافضا توسيع تصوره للدور الأمريكى فى منطقة الشرق الأوسط.
ونوه الكاتب عن حرص «أوباما»، دائما على مدى السنوات الثلاث الماضية على تفادى التدخل على الأرض بالمنطقة، عبر اختزال أهدافه قدر المستطاع مثل التخلص من كيماوى نظام الأسد، والدفاع عن الأمريكيين فى أربيل، والحيلولة دون وقوع إبادة جماعية على جبل سنجار، لكن اختزال الأهداف لا يختزل المشاكل، كما أن الانكار والتأجيل قد يؤديان إلى مزيد من التعقيد فى الأمور.
ونبّه «جيرسون»، إلى إغفال أوباما للجوانب الاستراتيجية والأيديولوجية لمشكلة الإرهاب، وقال إن الملاذات الآمنة تربة خصبة تنمو بها التهديدات، ومن الحكمة التصدى للتهديدات بحزم وفى عُقر دارها بدلا من انتظار مجيئها.
وأضاف الكاتب، أنه إذا كان الهدف هو القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية على نحو استراتيجى وليس مجرد الرد على الإرهاب على نحو تقني، عندئذ يتعين حشد الحلفاء صوب مهام صعبة طويلة المدى، كما يتعين الكشف للأمريكيين عن حجم المخاطر والتأهب لها.
واختتم «جيرسون»، بالقول: إن المشكلة الرئيسية فى السياسية الخارجية الأمريكية فى الوقت الراهن تكمن فى التفاوت بين حجم المخاطر العالمية وبين ثقة الرئيس أوباما فى نفسه.