الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بين مؤيد ومعارض : رسامة المرأة قسيساً معركة إنجيلية




خرجت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية من موضوع رسامة المرأة قسيسة، وانتهى الأمر تماما بالنسبة لهما بشكل قاطع، حيث لم يطرح من الأساس وفى الوقت الذى كنا نظن أن القضية محسومة فى الكنيسة الإنجيلية لصالح المرأة التى تقبل رسامة المرأة قسيسا ككنيسة مصلحة فوجئنا بأن هناك معركة إنجيلية - إنجيلية، حيث يقبل بعض القساوسة ذلك ويرفض البعض والفريقان يستندان إلى أسانيد كتابية ولاهوتية وتستعد دار الثقافة بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الإنجيلية بنشر كتاب يحتوى على ستة عشر بحثًا ومداخلة حول رسامة المرأة قسًا بين مؤيد ومعارض، ومن المتوقع أن يثير الكتاب نقاشا واسعا حول القضية فى الكنيسة والمجتمع.
وقد حصلت صفحة «قضايا تنويرية» بروزاليوسف على أجزاء من ورقتين أحدهما لقس مؤيد لرسامة المرأة والثانية لقس رافضا. ننفرد بنشرهما حيث كتب القس عيد صلاح راعى الكنيسة الإنجيلية الثالثة بالمنيا ورئيس المجلس القضائيث والدستورى بسنودس النيل الإنجيلى تحت عنوان «الأسس اللاهوتية لرسامة المرأة فى الخدمة الدينية» وترجع أهمية دراسة هذا الأمر إلى محاولة الاستفادة من القدرات والإمكانيات بل الطاقات الهائلة لدى سيدات الكنائس وتفعيلا لحقوق الإنسان فى المساواة والعدل، الأمر الذى ينادى به الكتاب المقدس، فالمرأة ليست كمَّا مهملا داخل الكنيسة، ولكن لها حق طبيعى كالرجل تماما بما فيها تولى جميع الخدمات والوظائف الكنسية.
وأعطت الكنيسة الإنجيلية فى مصر من منطلق فهمها لكلمة الله مكانة كبيرة للمرأة، وبرز فى كل جيل نساء فضليات حملن مشاعل الخدمة ولا تخلو كنيسة محلية من هؤلاء اللواتى يقدمن نموذجا طيبا فى الخدمة والشهادة، تقول الكلمة المقدسة «الرب يعطى كلمة المبشرات بها جند كثير» (مزمور 11:68)، ولا يمكن لأحد أن يتجاهل نصف الجنس البشرى الذى أوصاه الله بأن يبشر فيخبرنا قائلا: «ويكون بعد ذلك أنى أسكب روحى على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلاما ويرى شبابكم رؤى وعلى العبيد أيضا وعلى الإماء أسكب روحى فى تلك الأيام» (يوئيل 2:28-29)
ونحن نتناول موضوع خدمة المرأة ورسامتها فى الوظائف الكنسية للمشاركة الفعالة فى الخدمة نصطدم بكل تأكيد بتشكيلة الخريطة الفكرية الموجودة فى مصر مثل التفكير الإسلامى حول المرأة والتفكير المسيحى التقليدى، وأصحاب الفكر التدبيرى والبعد الثقافى الذكورى المبنى على عادات وتقاليد راسخة فى نفوس البعض، كل هذه الاتجاهات الفكرية لا تعطى قيمة كبيرة للمرأة.
وجعلت الوظائف الكنسية للخدمة الدينية حكرًا على الرجال فقط دون النساء ونحن قد تأثرنا بها بصورة أو بأخرى، وهذا ما نلحظه عندما تطرح قضية أن تكون المرأة قاضية أو الكلام حول الولاية العامة للمرأة كرئيس للجمهورية مثلاً، ولا يمكن أن نتجاهل هذا المناخ الفكرى المطروح ونحن نفكر فى هذه القضية المهمة.
حيث توجد نظرة للمرأة فى المجتمع نتيجة للاتجاهات الفكرية التى ترسخت واستقرت فى وجدان المجتمع بصورة عامة والمجتمع الكنسى بصورة خاصة، ولكن الفكر المصلح الذى نفخر بالانتماء له أعطى قيمة كبيرة للإنسان «رجلاً كان أم إمرأة» وبالتالى الخدمات الكنسية ليست حكرًا على الرجال.. الآن ترسم المرأة شيخًا فى الكنيسة الانجيلية بأسيوط، وفى الكنيسة الانجيلية بالفيوم، وأخيرًا فى الكنيسة بالمصاص المنيا، وفى العطارين والإبراهيمية بالإسكندرية، ومن قبل ذلك فى عام 1971 فى كنيسة الملك الصالح بالقاهرة والمستقبل سيشهد رسامتها قسا وهذا يحتاج إلى تأهيل وإعداد مع تأصيل لاهوتى وفكرى للشعب المسيحى فى مصر عبر ندوات ودراسات وحوارات كنسية ومجتمعية عالية المستوى ونستمر ككنيسة فى الدور التنويرى المبنى على الكلمة المقدسة ويضيف القس عيد من الأساس الاهوتى.
مبدأ المساواة
يمكننا أن نرى فى هذه صورة للمساواة والعدل بين البشر «اسمعوا هذا يا جميع الشعوب أصغوا يا جميع سكان الدنيا عال ودون أغنياء وفقراء سواء» «مزمور 49: 1-2».
نرى فى الكتاب المقدس مبدأ المساواة ظاهرًا جليًا فى ثلاثة مواقف لاهوتية فى الكتاب المقدس: الخلق، الخطية، الفداء، فى هذه القضايا الثلاث نرى مساواة حقيقية بين الرجل والمرأة
المساواة فى الخلق:
فى قصة الخلق صورة المساواة واضحة فاللة خلق الإنسان ذكرًا وأنثى دون تمييز، والتكليف الحضارى لمسئولية الإنسان واحد سواء كان رجلاً أم امرأة فالسلطة منحت لهما معًا.
المساواة فى الخطية
الموقف الثانى هو موقف الخطية سقط الإنسان آدم وحواء ليس لأحد أفضلية على أحد الكل تساوى فى الخطية.
المساواة فى الفداء:
الموقف الثالث هو الفداء والخلاص مثله مثل الموقفين السابقين وهو المساواة فى الخلق دون تمييز والمساواة فى الخطية دون أفضلية والمساواة فى الفداء دون استحقاق ففى الفداء المقدم من الله للبشرية فى المسيح يتأكد لنا أن الرجل لم يخلص وحده من دون المرأة.
فى المسيح سقطت كل الحواجز الدينية أو العرفية الاجتماعية والجنسية Gender، كما أن دعوة الله للجميع بالتساوى فالخلق متساو والخطية أيضًا كذلك الفداء المقدم فى المسيح للجميع بالتساوى حتى المسئولية فى بناء الملكوت نجدها مشتركة ففى انجيل متى 13 نجد الرجل الذى زرع حبة الخردل «متى 13: 31-32» بجانب المرأة التى وضعت الخميرة فى الدقيق «متى 13: 33-35»، ومسئولية البحث والتفتيش عن الضال أيضا مشتركة فى لوقا 15 نجد قصة الراعى الذى فتش عن الخروف الضال حتى وجده «لوقا 15: 4-7» فى نفس الوقت مع المرأة التى فتشت عن الدرهم المفقود حتى وجدته «لوقا 15: 8-10» وكثيرًا ما نجد الإشارات الكتابية التى تؤكد خدمة المرأة أثناء أيام المسيح وفى القرن الأول.
والعيدة التى تميز ونادى بها الإصلاح الدينى هى عقيدة كهنوت جميع المؤمنين، وهى تحتل ركنا أساسيًا من أركان اللاهوت والفكر الإنجيلى المصلح، وكما يقول عنها د.ق مكرم نجيب: «إنها أحد الأسس المحورية فى الفكر الإنجيلى المصلح، والذى تنبع منه وتدور حوله العديد من المبادئ الأخرى».
 ويذكر ق.نجيب متى عن هذه العقيدة بالقول: «كان هذا هو الإعلام الأكيد فى عصر الإصلاح. تحريرًا من العبودية الرهيبة التى سادت على حياة وتفكير الملوك والعامة على السواء. إن اعتبار رجال الدين أنهم كهنة، ولهم وحدهم حق التقرب على الله. ولأنهم هم وحدهم خلفاء الرسل يمارسون الأسرار التى من شأنها تقديم الخلاص لهم حق الحرمان والحل وهذا أصاب الفكر بالشلل» هذه العقيدة «أصبحت مقياسًا للهوية الإنجيلية».
وعقيدة كهنوت جميع المؤمنين ليست عقيدة نظرية لكنها مرتبطة بالواقع العملى والإدارى والخدمة داخل الكنيسة، ويمكن أن تهمش هذه العقيدة نتيجة لطغيان بعض الأنظمة السلطوية أو الديكتاتورية، أو تندثر نتيجة فوضى النظام وضياع دور الفرد داخل الجماعة، وفقدان المعنى والمعايير الضابطة. ولعل المصطلح الأكثر قربًا الآن فى مصر ويوازى كهنوت جميع المؤمنين هو مصطلح «المواطنة» الذى ينادى بالمساواة بين أفراد الوطن الواحد دون فرق أو تمييز فى الدين أو الجنس أو اللون.
ليس لدينا كهنوت خاص، وبالتالى ليس لدينا رتبا كهنوتية، وفكرة الرسامة ليست تسليماً كما يعتقد البعض ولكن تخصيص لخدمة ما. نؤمن بكهنوت جميع المؤمنين والمؤمنات «الرجل والمرأة معًا»، الكهنوت هو مساواة فى القيمة والمكانة بين الرجل والمرأة وشركة أيضًا فى المسئولية. فجميع المؤمنين كما قال الرسول بطرس: «وما أنتم فجنس مختار، وكهنوت ملوكى، أمة مقدسة، شعب اقتناء، لكى تخبروا بفضائل الذى دعاكم من الظلمة إلى نوره لا العجيب. الذين قبلا لم تكونوا شعبا، وأما الآن فأنتم شعب الله. الذين كنتم غير مرحومين، وأما الآن فمرحمون». (1 بطرس2: 9 10) «كونوا أنتم أيضًا مبنيين كحجارة حية، بيتا روحيا، كهنوتا مقدسا، لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح». (1 بطرس 2:5) «فلنقدم به فى كل حين لله ذبيحة التسبيح، أى ثمر شفاه معترفة باسمه» (عبرانيين 13 : 15)
الرافض أم الورقة الثانية للقس البرت لويس راعى الكنيسة الانجيلية بطما بسوهاج حيث رفض رسامة المرأة قسيسا من منطلق كتابى فيقول رسامة المرأة ليس أمرًا وظيفيًا يتحقق من خلاله المساواة بين الرجل والمرأة، فالموضوع مرتبط بالعقيدة، وعقيدتنا المشيخية فى مصر مأخوذة من الكتاب المقدس المعصوم من الخطأ وهو الفيصل والقاطع لقضايانا العقائدية، ومنه نستلهم عقائدنا ونرفض استحسان البشر (كولوسى 2 : 16 23)
فنبدأ الموضوع من الأول:
من الخليفة: (تك 2 : 4 و5) (هذه مبادئ السماوات والأرض حين خلقت، يوم عمل الرب الإله الأرض والسماوات، كل شجر البرية لم يكن بعد فى الأرض وكل عشب الأرض لم ينبت بعد لأن الرب الإله له يكن قد أمطر على الأرض، ولا كان إنسان ليعمل الأرض).
«تك 1: 26 و27» «قال الله: نعمل الإنسان على صورتنا، كشبنها،......27- فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقة، ذكروا وأنثى خلقهم»
«تك 2: 7 و8 » وجبل الرب الإله آدم «الرجل» ترابًا من الأرض ونفخ فى أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفسًا حية» وفى «تك 2: 21 22» خلق الرب الإله حواء «المرأة» من «آدم»
-السؤال الذى يفرض نفسه الآن: لماذا خلق الله آدم «الرحيل» أولًا؟
أ)- الترتيب الإلهى يبدأ بخلق الرجل أولًا ليكون المسئول الأول الملتزم بالوصية «تك2 :16»
ب)- خلق الرب الإله آدم أولًا لكى يكون هو الرأس «انظر الترتيب الإلهى بأن يكون الله رأسًا للمسيح، والمسيح رأس للرجل، «1كو 11 :3» و«أف 5: 22» عرفنا بولس فى «1 كو 11: 3» أن السلطان الذى للرجل على المرأة يترتب عليه خضوع من جانب الرجل للمسيح وفى «أف 5: 23» يزيد على كون الرجل متسلطًا على المرأة أنه مصدر ومنبع وأصل حياتها وضابطًا لكيانها وحارسًا على أعضائها هذا لأن من الترتيب الإلهى أن يكون الجسد خاضعًا للرأس.
والسؤال الذى نريد عنه إجابة هل هذا الترتيب الإلهى أنقص أوقلل من كيان وشأن المرأة؟
كما نرى أن المجتمعات الحديثة التى ترتب للعلاقة التى بين الرجل والمرأة فى حال الزواج موضوعًا حساسًا!! لكن عندما نفهم قصد الله وترتيبه فى تلك العلاقة التى تؤكد الوظيفة والترتيب داخل منظومة ما «الزواج مثلًا» فكل شراكة بترتيب من الله يجب أن يكون له رأس.
ج)- خلق الله الرجل أولًا لتكون المرأة منه، والترتيب الإلهى ينص على أن المرأة خلقت من أجل وليس العكس صحيح «1 كو11: 8 و9»
وبالرغم أن المرأة منشأة لحياة الإنسان «تك 3: 20» والرجل لا يصلح أن يكون إناء لإنشاء حياة إنسان آخر فهل أنقص من شأن الرجل؟ أو قلل هذا الأمر من شأن الرجل؟ بالطبع لا لأن الطبيعة التى أرادها الله للبشر هكذا تكون، كم نرى أن الترتيب الإلهى للبشرية أن الذرية التى تأتى من المرأة تنتسب لاسم رجلها وليس العكس صحيح، بمعنى عندما تلد المرأة مولودًا سواء ذكرًا أو أنثى فاسمه يرتبط باسم أبيه لا باسم أمة، حتى أن الغرب دعاة رسامة المرأة قسا لتحقيق المساواة الكاملة بحسب ظنهم فعندما ترتبط المرأة بالرجل فينسب اسمها باسم زوجها فهل هذا قلل من شأن المرأة فى شئ أم أنه ترتيب من الله رتبه للإنسان فيكون الأمر طبيعيا لأن الله رتب هذا لخليقته أن يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته وليس العكس صحيحًا «تك2: 24»
فعندما سمح الله بحال الزواج فى العصور ما بعد الخليقة أن يتروج الرجل بأكثر من زوجة، لكنه لم يسمح بزواج الزوجة بأكثر من زوج فى آن واحد بل حرمه، فهل كان هذا السماح للرجل وتحريمه على المرأة تقليل من شأن المرأة؟ وهل تعمد الله بعدم المساواة بينهما؟ حاشا أن نقول ذلك.
أذن فلنعد إلى موضوع رسامة المرأة قسا، علينا أن نفرق بين أمرين، الأمر الأول ما هى الوظيفة والأمر الثانى قانونية الوظيفة، من جهة الوظيفة فإن كان من حق الرجل أن يعلم ويعظ ويقود ويكرز.. إلخ فهكذا من حق المرأة أن تعلم وتعظ وتكون قاضية ورئيسة وملكة «لم نجد فى الكتاب المقدس حالة واحدة طلب فيها الله مسح المرأة ملكًا أؤ نبية»..  إلخ وهذا الحق لكل المؤمنين من الرجال والنساء، أما عن قانونية الوظيفة فهى من حق المدعو من الله لهذه الوظيفة، والترتيب الإلهى لقانونية هذه الوظيفة تكون للذكور دون النساء حيث أن هذا الحق ليس لجميع الذكور بل للذين قبلوا الدعوة ونذروا وخصصوا أنفسهم بحسب الشروط الكتابية وبحسب الترتيب الإلهى فى «1 تى 3: 1- 7» «صادقة هى الكلمة إن ابتغى أحد الأسقفية فيشتهى عملًا صالحًا فيجب أن يكون الأسقف بلا لوم بعل امرأة واحدة..» فإذا كانت قانونية هذه الوظيفة للمرأة للذكر بولس «إن ابتغت إحداهن الأسقفية.. فيجب أن تكون بلا لوم زوجة لرجل واحد»
- إذا ما هى قانونية الوظيفة التى رتبها الله؟ قانونية الوظيفة يطلق عليها طقوس أو مراسم السيامة أو الرسامة بوضع أيدى المشيخة «1 تى4: 14» كما أمن ممارسة هذه المراسيم لا يجب أن تمارس بعجلة «1تى5 :22»
- لاحظ عندما أراد الله أن يقيم عهدًا مع الإنسان أقامه مع الذكور بمراسيم الختان «تك 34 :15 و22 و24» فهل لم يقم الله عهده بالختان مع المرأة كان هذا تقليل من شأنها أو عدم المساواة بينهما؟
-وعندما أراد الله أن تقدم الذبائح نيابة عن الإنسان فأقام مراسيم الذبائح على الذكور فقط وبشروط أيضًا «خر 12 :5»
-ومن ذلك المنطق نرى أن الله رتب أمر التكريس والفداء بالذكور وليس للإناث وسن تشريعًا نجده فى «لو 2: 23»
«كما هو مكتوب فى ناموس الرب: أن كل ذكر فاتح رحم يدعى قدوسًا للرب» لاحظوا أنه لم يقل... كل بكر فاتح رحم.... لأن كلمة بكر تحتمل الذكور والإناث على حد سواء ولكن مزيدًا من التأكيد فى حالة الدعوة للتكريس كان القول كل ذكر فاتح رحم يدعى قدوسًا للرب.