السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الغرب يجدد كراهيته للإسلام




عرض- إلهام رفعت

سيبقى تاريخ 11سبتمبر2001م علامة فارقة ليس فقط فى السياسة والعلاقات الدولية، بل فى سوق الكتب أيضًا من هذا التاريخ ينطلق الباحث معتز الخطيب فى دراسة تفسيرية لخلفيات العلاقة بين الإسلام والإرهاب فى الفكر الغربى، حيث نشرت وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية تحت إشراف د. خالد عزب وسكرتارية تحرير أمنية الجميل هذه الدراسة فى المرصد ويشير خلالها الباحث إلى أن الكتب الغربية بعد11سبتمبر 2001 شهدت نموًّا وتكاثرًا حول موضوعات: الإسلام والإرهاب وتنظيم القاعدة والحادى عشر من سبتمبر والعلاقة بين الإسلام والإرهاب.
فى المقابل ظهرت بعض الدراسات الساعية إلى تقديم الإرشادات لمؤسسات السلطة الأمريكية فى حربها على «الإرهاب» من خلال فرز التوجهات الإسلامية، وما يمكن أن يشكل عونًا وما يشكل خطرًا على مصالح الولايات المتحدة.
وكان من أوائل الكتب التى صدرت وتتحدث عن أحداث سبتمبر كتاب «ساعتان هزَّتا العالم» لفريد هاليدى أستاذ العلاقات الدولية فى كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية الذى جاء بعد نحو ثلاثة أشهر من وقوع الحدث، وهو مع ذلك كتاب أكاديمى رصين يقتصد فى إطلاق التعميمات التى وصل إليها كثيرون غيره ويحرص على بقاء الأسئلة مفتوحة لمزيد من البحث والتدقيق دون أن يسارع إلى حسم الأحكام.
يأتى ذلك فيما لا تزال الكتب تتوالى عن الإرهاب والعنف وغير ذلك حتى قال بعضهم: «إن ظاهرة الإرهاب سوف تشغل القرن الواحد والعشرين أو جزءًا كبيرًا منه».
استراتيجية عقلانية يعمل على تخليقها «الإرهابيون» بما يعنى مضاعفة الأثر وإحداث تغيير فى الاتجاه المطلوب بحسب الأجندة التى يتبناها هؤلاء كما ظهر تعبير «فرط الإرهاب» الذى استخدمته مؤسسة البحث الاستراتيجى برئاسة فرانسوا هايزبور والذين رأوا فى أحداث سبتمبر قطيعة مع «الإرهاب التقليدي» والانتقال إلى مرحلة «فرط الإرهاب». «فبتلاقى التدمير الشامل الذى أصبح ممكنًا بالنفاذ إلى التكنولوجيا المعاصرة والطبيعة الرهيبة لمنظمى الانفجارات، يتكون فرط الإرهاب الذى ظهر فى 11 سبتمبر». ويرى هؤلاء أن عزم الإرهابيين على ضرب أهداف عديدة وفى نفس الوقت وبقوة أدى إلى تمزيق الحدود المتعارف عليها بين مصطلحى الحرب والإرهاب، وعليه فإن «مفردة (فرط الإرهاب) يمكن أن تسمح بتجاوز هذه الصعوبة لفهم هذا الوضع الاستراتيجى الجديد» فهل تجاوزنا كل إشكالات مفهوم «الإرهاب» نفسه، ووضع تعريف له ومعايير أخلاقية واضحة، لنناقش مثل هذه التسميات الجديدة؟! تساؤل يطرحه الباحث ويجيب عنه موضحاً أن ذلك مرتبط بالنقاط التالية.
أولاً: ربط الإسلام بالإرهاب موضحاً «أن سؤال الإسلام سيكون المسألة الأساسية لحقبتنا فى الأعوام المقبلة، ويتمثل الشرط الأول فى معالجته بالحد الأدنى من التعقل: ألا نبدأ بإقحام الكراهية فيه». هذا ما قاله الفيلسوف الفرنسى ميشال فوكو مطلع سنة 1979م. فإلى أى مدى كان يستشرف المستقبل؟ أم أن المشهد الغربى عامة لا يزال يعيش فى مرحلة إرهاب الثورة الخُمينية التى ربما كانت المناسبة التى قال فيها فوكو ما قاله؟
صحيح أن صورة الإسلام فى الغرب ليست مثالية، وذلك لأسباب متعددة، لكنها لم تكن حاضرة بهذه القوة والفاعلية التى هى عليه بعد 11 سبتمبر الذى أنعشها وأمدّها بصورة حية قاهرة، فجنسية مرتكبيه المفترضين استنهضت المخزون الثقافى والصورة النمطية وحوّلت الاتهام إلى الدين نفسه، وفى أحسن الأحوال ثار التساؤل عن هذا الدين الذى يبيح لمعتنقيه مثل تلك الأفعال. وفى هذا كَتب إدوارد سعيد: «قد أتمنى أن أقول: إن الفهم العام للشرق الأوسط وللعرب وللإسلام فى أمريكا قد تحسن بعد 11/9، ولكن رفوف المكتبات الأمريكية بعد 11 سبتمبر امتلأت بكتب مليئة بعناوين مهلهلة صارخة عن الإسلام والإرهاب والتهديد العربى والخطر الإسلامى».
لسنا نريد العودة إلى «الحرب الصليبية» التى تحدث عنها بوش فيما اعتُبر زلة لسان، وما أثارته من جدل واسع فى العالم الإسلامي، بل التركيز تحديدًا على تلك التصريحات التى ألقت باللائمة على الإسلام الذى يبيح تلك الأفعال أو يشكل مرجعية هؤلاء المنفذين للهجوم. فى حين باهى برنارد لويس فى مقدمة كتابه «أزمة الإسلام» بأنه قد «بذل الرئيس بوش والسياسيون الغربيون الآخرون جهوداً عظيمة ليوضحوا أن الحرب التى ننهمك فيها هى حرب ضد الإرهاب وليست حرباً ضد العرب، ولا ضد المسلمين. وأن رسالة أسامة بن لادن هى رسالة مضادة. فبالنسبة لبن لادن وهؤلاء الذين يتبعونه، فإن هذه حرب دينية، حرب فى سبيل الإسلام ضد الكفار، ولذلك فهى بشكل حتمي، ضد الولايات المتحدة، القوة العظمى فى عالم الكفار».
وكذلك شاريل بينارد التى قالت: «بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001م مباشرة بدأ السياسيون وصناع القرار فى الغرب بالإدلاء بتصريحات تؤكد قناعاتهم بأن الإسلام ليس ملومًا فيما حدث، ذلك لأن الإسلام قوة إيجابية فى العالم، وكان دينًا للسلام والتسامح، حيث تحدثوا فى المساجد وعقدوا اجتماعات واسعة مع علماء مسلمين، وقاموا بدعوة الشخصيات الدينية الإسلامية البارزة فى افتتاح المناسبات العامة كما استشهدوا بسور قرآنية فى خطاباتهم». واعتبرت أن الصيغة النموذجية لهذا الخطاب الذى يبرئ ساحة الإسلام: خطاب بوش 2002م الذى قال فيه: «إن الإسلام دين يوفر الرفاهية لمليار من البشر حول العالم... لقد آخى الإسلام بين مختلف الأعراق فهو دين قائم على الحب لا على الكراهية». وأضافت بينارد: إن هذا النهج لم يكن مقصورا على الولايات المتحدة بل كان سائدًا فى أوروبا أيضًا، وقد «انضم المجتمع الأكاديمى بسرعة إلى هذه الجهود».
وكان فريد هاليدى قد خصص فصلاً كاملاً لعداء الغرب للمسلمين رافضًا مقولة «الإسلاموفوبيا» والتى تعنى خوف أو عداء الغربيين للإسلام، فهو يرى أنه ليس هناك عداء للإسلام كدين فى الغرب، بالمعنى الصليبى للكلمة، رغم وجود بعض تسربات الإرث التاريخى والتصورات المتوارثة، لكن الأهم والسائد فى رأيه هو موجات العداء للمسلمين كناس وليس للإسلام كدين ونظرية، وهو عداء ذو جذر سياسى واجتماعى وليس ثقافيًّا دينيًّا، وأغلب العداء مرتبط بالمهاجرين والظروف الاقتصادية، وإلى حد ما هنالك الجهل والتجهيل الذى أثارته نظرية «الإسلام الخطر البديل عن الشيوعية» بحسب رأى هاليدى.
لكن بالمقابل لا يمكن تجاهل مواقف بعض قيادات اليمين الأمريكى المتدين تجاه الإسلام، والتى قال عنها ديفيد فروم - أحد كتّاب خطابات بوش سابقًا: «إن قيادات اليمين الأمريكى المتدين الذين يمثلون أقوى القواعد الجماهيرية المساندة لبوش شعروا بغضب شديد تجاه موقف بوش من الإسلام والمسلمين فى أعقاب أحداث سبتمبر لأن بوش وصف الإسلام بأنه دين سلام» وما يؤكد كلام ديفيد فروم تلك التصريحات التى صدرت عن بعض هؤلاء، والتى كانت بمثابة رد على كلام بوش، فقد رفض فرانكلين جراهام المستشار الدينى للرئيس بوش وصف الإسلام بأنه «دين مسالم»، ووصف جيرى فالويل الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه «إرهابي»، وقال بات روبرتسون: «إن الإرهابيين لا يحرفون الإسلام، إنهم يطبقون ما فى الإسلام»!
فى الواقع، بعيدًا عن كل هذه التصريحات والتصرفات هنالك جو عام فى أمريكا مشحون ضد الإسلام، فدانيال بايبس نفسه يذكر فى افتتاح مقال له ما نصه: «(الإسلام شرّ). كانت هذه هى العبارة التى تركها بشكل مخالف للقانون أحد رجال المخابرات الأمريكية على روزنامة صلاة إسلامية، بعد مداهمته فى الثامن عشر من يوليو لبيتِ واحدٍ يُشتبه بأنه من عملاء القاعدة، فى ديربورن ميشيغان. تلك الكتابة الفجّة تعكسُ وجهةَ نظرٍ أصبحت تلقى رواجًا فى الولايات المتحدة منذ الحادى عشر من أيلول» وتقول جويس ديفس: «إن كلاًّ من صناع القرار والمواطنين الأمريكيين العاديين لديهم صورة مشوهة عن الإسلام والعالم الإسلامي، وإنه لمن الصعب تغيير هذه الصورة النمطية السلبية، ومن الأصعب تجسير هذه الفجوة المعرفية بين الغرب والإسلام، خصوصًا أن غالبية الأمريكيين يحملون أفكارًا مسبقة معادية للإسلام والمسلمين، لا تجد أى أساس معرفى لها»، وترى أن على الولايات المتحدة أن تحاول الحد من تكرار الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين التى تجعل من المسلمين إرهابيين.
الأمر نفسه يؤكده أكبر أحمد، عالم الأنثروبولوجيا الذى يرى أن الإسلام «تحت الحصار»، وهو حصار تفرضه رؤى سياسية واستراتيجية وإعلامية وأيديولوجيا عامة معادية للإسلام، ويعيب على دارسى الإسلام خاصة بعد 11 سبتمبر نزعتهم الانتقائية فى قراءة الإسلام، وخاصة فى حقل الإعلام، ويقول: «إن خبراء الإعلام الجاهزين على الفور كلهم مذنبون فى مثل هذا الاستخدام الانتقائى للإسلام عمومًا وللقرآن الكريم لتدعيم وجهات نظرهم الجاهزة» ويؤكد كذلك أن الرؤية العامة للإسلام تتسم برؤية تبسيطية تحصر الإسلام بالعنف والإرهاب. بل إن الأنثربولوجى إيمانويل تود قال: «إن الإسلام المحافظ شُفِّر باللغة الدارجة بمفهوم الإرهاب الذى يرغب كثيرون فى أن يروه شاملاً جميع العالم».
لكن كيف نفهم هذا المشهد الأمريكي؟
يقول أوليفيه روا: «إن الأمريكيين لا يريدون قصر مكافحة الإرهاب على الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، فالأمر بالنسبة إليهم يتعلق بإطار عام للسياسة الدولية وبرؤية شمولية لمشكلات الأمن وبإعطاء تعريف للإرهاب لا يرتبط على نحو خاص بالإسلام بل يكون قابلاً للتأقلم مع أى تسمية أخرى «المقابل لا يمكن إبعاد شبهة السياسة عن تلك التصرفات والتصريحات السياسية حول الإسلام وهذا الأمر لم تخفه دراسة مؤسسة راند، والتى جاء فيها: «إن هذا القبول الواضح للإسلام من قبل قيادات الفكر والسياسيين له أساس منطقى على الصعيد الداخلى، ذلك أن القيادات الغربية كانت تسعى إلى منع التردى الذى ربما أدى إلى تحريض العنف والأعمال العدائية ضد الأقليات المسلمة فى مجتمعاتهم. بالإضافة إلى ذلك كان هناك دافعان للسياسة الخارجية: أحدهما قصير المدى والآخر طويل المدى حيث كان الهدف على المدى القصير تسهيل الأمر على الحكومات المسلمة لدعم جهودها ضد الإرهاب، وذلك عن طريق فصل موضوع الإرهاب عن الإسلام، أما على المدى الطويل فقد كانت القيادات الغربية تحاول أن تخلق صورة أو رؤية تساعد على تكامل الفعاليات والدول السياسية الإسلامية مع النظام العالمى الجديد».
ويضيف أوليفيه: إن الذى يمكن تأكيده بعد هذا كله أن هناك جدلاً قويًّا فى الأوساط الأمريكية تجاه الإسلام وعلاقته بالإرهاب وهذا الجدل يكاد يكون محصورًا فى الأوساط الفكرية، أما الأوساط الشعبية والإعلامية بل والسياسية فكما سبق، تسودها صور نمطية سلبية عن الإسلام والمسلمين وعلاقته بالعنف.
جزء من ذاك الجدل يتسم بالعقلانية إلى حد ما ولنأخذ مثلاً عليه تلك المناقشة التى كتبها دانيال بايبس فى مقال له بعنوان «الإسلام ليس المشكلة» يقول فيه: «إنه لمن الخطأ أن يلام الإسلام (ديانة عمرها أربعة عشر قرنًا من الزمن) على الشر الذى يجب أن يُنسب إلى التطرف الإسلامى (أيديولوجية استبدادية لا يتجاوز عمرها مائتى سنة)، فإرهاب القاعدة، وحماس، والحكومة الإيرانية وإسلاميون آخرون، هم ثمرة أفكار متطرفين معاصرين مثل أسامة بن لادن وليس من القرآن لكن أحدًا ما قد يجيب على هذا بقوله: إن مصدر أفكار بن لادن والخمينى هو القرآن وهكذا فإنّهما يتبعان نهجًا عدوانيًّا إسلاميًّا يعود تاريخه إلى قرون عديدة ماضية ليس الأمر كذلك تمامًا تعالوا نلقِ نظرة فاحصة على وجهتى النظر وهما:
الإسلام العدوانى: القرآن وغيره من الكتب الإسلامية الأخرى المعتمدة، يحوى حقًّا تحريضاتٍ ضد غير المسلمين، المؤرخ البارز پول جونسون مثلاً، يستشهد بآيتين قرآنيتين: «لتجدنَّ أشدَّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا» (آية 85 من سورة المائدة) وأيضاً، «فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد» (آية 5 من سورة التوبة).
والمسلمون العدوانيون: خلال أربعة عشر قرنًا من تاريخ الإسلام، انخرط المسلمون لفترة طويلة بحروب جهاد لتوسيع مناطق نفوذ الإسلام، بدءًا بفتوحات الخلفاء وانتهاءً بالحقبة التى يطلق عليها صامويل هينتنجتون اليوم تعريف «الحدود الدموية». نعم، وجهات النظر هذه صحيحة ولكنها لا تحكى إلا جانبًا واحدًا من القصة.
ويضيف دانيا أما الإسلام المعتدل: حيث إن القرآن شأنه شأن كل الكتب المقدسة يمكن أن يكون مصدرًا غنيًّا بالأقوال التى تدعم وجهات النظر المتعارضة وفى هذه الحالة تقتطف الكاتبة كارن أرمسترونغ المعروفة بدفاعها عن الإسلام آيتين من القرآن أكثر اعتدالاً: «لا إكراهَ فى الدين» (آية 256 من سورة البقرة) و«يأيها الناسُ إنّا خلقناكم من ذكَرٍ وأنثى وجعلناكمْ شعوبا وقبائلَ لِتَعارفوا.» (آية 13 من سورة الحجرات).
المسلمون المعتدلون: كان هناك حقبٌ أبدى المسلمون خلالها اعتدالاً وتسامحًا كما كان الأمر عليه فى الماضى البعيد فى صقلية وفى إسبانيا، ويضرب الكاتب مارك كوهن مثلاً واحدًا على ذلك بقوله: إنّ «اليهود فى عالم الإسلام، وخصوصًا خلال القرون الأولى والتى تلتها (حتى القرن الثالث عشر)، قد عانوا اضطهادًا أقل من ذاك الذى سبق وأن عاناه يهود العالم المسيحى» بعبارة أخرى يمكن القول: إنّ إسلام الكتابات المقدسة والتاريخ يُظهِر انحرافًا.
حاليًّا لا مفر من الاعتراف بأنه من الصعوبة بمكانٍ أن يتذكر المرء ذلك الجانب الإيجابى بينما يغلب طابع التخلّف والاستياء والتطرف والعنف على أكثر أرجاء العالم الإسلامى، لكنّ هذا الحاضرَ ليس صورة نموذجية لتاريخ الإسلام الطويل؛ لا بل، ربما يكون هذا الحاضر أسوأ حقبة فى ذلك التاريخ.
ومثل هذه المحاججة نجدها عند تورى مونتى الكاتب البريطانى الذى عرض وجهة النظر التى تلقى اللوم على الإسلام وما يقابلها من دفاعات يطرحها الباحث فى النماذج التفسيرية للإرهاب ويقدم جون اسبوزيتو محاججة تبدو مستهجنة فى مضمونها لبداهتها لكنها تغدو مفهومة الآن بعد ما قدمناه من أجواء أمريكية سائدة فيؤكد اسبوزيتو فى مواضع كثيرة أن المسلمين ليسوا جميعًا إرهابيين أو من أنصار العنف إذ أن فيهم المسالمين والجديرين بالاحترام وفى هذه الحالة لا يشكل الإسلام أداة مفيدة لتصنيف مثل أولئك الأفراد» فهل المطلوب من القارئ أن يعتقد بأننا فى الغرب كيان متجانس فى حين أن المسلمين ليسوا كذلك بسبب استحالة وضع كل هذا العدد الكبير من الشعوب ضمن تصنيف واحد؟ إذا كان الأمر كذلك فإن من حق المرء أن يتساءل عما إذا كنا نحن الغربيين جميعًا أمريكيين» وهو فى بحث آخر يستغرب أن الكثيرين من القائلين بالتهديد الإسلامى وبالخطر الأخضر الجديد يدللون على هذا التهديد بالعودة إلى التاريخ إلى أربعة عشر قرنًا من الجهاد الإسلامى وبالطبع لا يشير من يقول بهذا التهديد التاريخى من الغربيين إلى من بدأ بالعداء تجاه الآخر فبمجرد أن يقال أربعة عشر قرنًا من الجهاد وبمجرد أن تقرأ هذه العبارة تنتقل إليك فكرة أن الجهاد قد يأتى من جانب المسلمين وأن المسلمين كانوا دائمًا هم المعتدين طوال الأربعة عشر قرنًا الماضية وأن الغرب كان دائمًا فى موقف دفاعى وهذا ليس صحيحًا على الإطلاق كما يقول اسبوزيتو هذا الجدل الذى عرضناه لا يقتصر على المجال الأمريكى فقد نبه إمبرتو إيكو الإيطالى حين رسم «سيناريوهات قيامية للحرب الشاملة» إلى أنه «يمكن لاستفحال العمليات الإرهابية أن يبلغ درجة لا تُحتمل، تدفع بجموع الغربيين إلى اعتبار الإسلام برمته عدوًّا بعد ذلك تكون المواجهة الفاصلة والمعركة القيامية الحاسمة والحرب النهائية بين قوى الخير وقوى الشر (وكل من الطرفين يعتبر الشر الطرف المقابل) ليس ذلك بالسيناريو المستحيل».
وحين اعتبر جان بودريار الفيلسوف الفرنسى ما حدث أنه رعب مقابل رعب وليس أيديولوجيا إسلامية أو غيرها رد عليه الاقتصادى آلان مينك قائلاً «ولفرط نزوعه إلى الشعوذة يمحو – بشارة من سحر عصاه – كل السجال حول الإسلام: لا وعد بالجنة ولا فتوى ولا تكفير» هذا السجال الفرنسى الذى ينهض مينك فى الدفاع عنه يغدو مفهومًا مع استحضار قول أوليفيه روا «غالبًا ما يُنسب العنف فى بعض الضواحى الفرنسية إلى الإسلام ولا سيما إذا ما تزامن مع أنشطة مناهضة للسامية غير أن الحركات الإسلامية الفرنسية لم تشارك قط فى أعمال العنف هذه التى نفذها شبان مهمشين لا يمتان إلى الإسلام بصلة» ما يعنى أن الثقافة الفرنسية مؤهلة لهذا الربط بين العنف والإسلام مسبقًا.
وكتب داق هيربيورنسريد كاتب نرويجى قائلاً: «رغم مرور ثلاثة أعوام على هجمات 11 سبتمبر فإن نوبة الخوف من الإسلام تنتشر فى أوروبا والولايات المتحدة انتشار النار فى الهشيم وأصبح ذكر الإسلام والمسلمين مقترنًا إلى حد بعيد بمصطلحات من قبيل الإرهاب والعنف وما شاكلهما». ويضيف: «نحتاج إلى التخلص من الكثير من الأساطير إزاء المسلمين والتى يصوغها مع الأسف الأكاديميون وأصحاب الرأى النرويجيون».
وفى شهر تموز2005م هاجم المحامى راؤول فيلدر شخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، مضيفًا: «هذا (الإسلام) دين كراهية هذا دين قتل» وذلك أثناء حلقة من برنامج حوارى وما كان من جاكى مايسون المذيع فى شبكة «وستوود وان» أكبر شبكات الإذاعة الأمريكية إلا أن أيده قائلاً: «هذه معلومات مثيرة لا يعرفها أحد تقريبًا الجميع يعتقدون أن (الإسلام) دين مشروع ينادى بالحب والأخوة الحقيقة هى أن الإرهابيين يعكسون دينهم ويتبعون دينهم، إنهم يتبعون أوامر الدين مباشرة من القرآن» وأضاف «كل الدين الإسلامى يدعو إلى الكراهية والإرهاب والقتل ولا أحد يعلم ذلك وقد حان الوقت لأن يعلموا ذلك عن (الإسلام) القرآن يعبر بخمسين أسلوبًا عن الكراهية والحقد والعداء والقتل، (القرآن) موهوب للإرهاب».