الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عمالة الأطفال.. والموت البطىء




تحقيق - طه النجار وهاجر كمال

كرم الله الإنسان فخلقه فى أحسن صورة وجعله مستأنسا للطبيعة سيدا على المخلوقات جميعا وحمله الأمانة وحتى يستطيع الوفاء بمسئولياتها هيأ له الأسباب فجاء به فى إطار أسرة ومجتمع يولد طفلا يحتاج إلى الرعاية والتعليم حتى يصبح قادرا على تحمل أعباء الحياة وما كلفه الله به ولذلك أكدت الأديان السماوية على حسن تربية الطفل وتأهيله حتى إنها لم تكلف الطفل بأوامرها إلا بعد وصوله إلى سن الرشد ومع تطور المجتمعات البشرية وتحضرها تزداد قيمة الطفل وأهمية الاعتناء به وتأهيله وكلما تردى حال المجتمع اقتصاديا وثقافيا ازدادت الانتهاكات بحق  الطفل  ولأن مجتمعنا مازال يقبع فى تصنيفات العالم النامى أو إذا أردنا الدقة «المتخلف» ولذلك يتعرض الاطفال لانتهاكات عديدة أبرزها العمالة المبكرة والتى تؤدى إلى عدم مراعاة الطفولة وحقوقها وضرورات التنشئة والتعليم مما يؤدى إلى تعرضهم لمتاعب عديدة أهمها الاصابة بالأمراض المزمنة أو ما يعرف بالموت البطىء بالإضافة إلى عدم تأهيلهم لأداء دورهم فى الحياة بشكل مرضٍ فتنتشر البطالة والفقر والأمية ومع تلاحم العالم الحديث وتواصل المجتمعات مع نتيجة للتأثير المتبادل سواء كانت دولا متقدمة أو متخلفة بالإضافة إلى ظهور حركات وتنظيمات تعمل على نشر القيم الإنسانية ومن بينها حقوق الطفل مما أدى إلى ظهور اهتمام عالمى بالظواهر السلبية ومن بينها عمالة الاطفال المبكرة ويأتى فى إطار ذلك تزايد اهتمام المراكز الحقوقية المختلفة فى الدفاع عن حق الطفل المصرى فى الحياة ومنعه من النزول الى العمل حفاظا على طفولته وحقا له فى التمتع بحياته.


كما أكدت العديد من الاتفاقيات على عدم نزول الاطفال للعمل، حيث تترك ظاهرة عمالة الأطفال آثارا سلبية تنعكس على المجتمع بشكل عام وعلى الأطفال بشكل خاص، واعتبرت المنظمات الحقوقية أن نزول الاطفال للعمل جريمة واستغلالا لانهم غير مؤهلين جسديا ونفسيا للقيام بأى أعمال.
كما أن العديد من الاتفاقيات الدولية قد جرمت الاستغلال الاقتصادى للأطفال وأقرت بحق الطفل فى الحماية من الاستغلال الاقتصادى ومن أداء أى عمل يرجح أن يكون مضرا أو أن يمثل إعاقة لأن يتعلم الطفل أو أن يكون ضارا بصحة الطفل أو بنموه البدنى والعقلى والروحى والمعنوى والاجتماعى.
وعن الظاهرة وأسبابها ونتائجها أكدت «أمانى شنودة» مستتشار جمعية بلان بالقاهرة، أنه يصعب القضاء جذريا على عمالة الاطفال، وأن الفقر والتسرب التعليمى بسبب الانتهاكات التى تحدث فى المدارس تمثل 25% من أسباب نزول الاطفال للعمل، ويمكن تدارك ذلك من خلال توعية الاسر بمخاطر نزول الاطفال للاعمال التى قد تودى بحياتهم أو تتسبب لهم فى الاعاقة الجسدية، والعمل على توفير أعمال اخرى آمنة يمكن للاطفال أن يعملوا بها كصناعة السجاد أو الاكسسوارات بالنسبة للبنات، وبذلك نكون وضعنا أيدينا على حل يرضى جميع الاطراف دون النيل من حق الطفل أو حرمانه من حقه فى أن يعيش طفولته، وأشارت شنودة الى أن هناك العديد من البرامج التى تعمل على توعية الأسر كبرنامج الادخار الذى تلتحق به الامهات وبرامج اخرى لتوعية الشباب.
يقول «أحمد حافظ» أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن تسرب الاطفال من التعليم واتجاههم لسوق العمل فى سن مبكرة يرجع الى عدم تحقيق العدالة الاجتماعية فى مصر وحاجة الاسر الفقيرة الى الدخل الذى يدره الابناء، نتيجة نزولهم للعمل بالاضافة الى غياب الرقابة الأمنية والمجتمعية على هذه الظاهرة الخطيرة مما يؤدى الى استمرار هذه الظاهرة وتزايدها مع مرور الوقت، مؤكدا على ضرورة وقف حالات الموت اليومى التى يتعرض لها الأطفال العاملون، فلابد من أن توضع قضايا وانتهاكات حقوق الطفل المصرى على رأس الأولويات، مشيرا الى أنه تم صدور تحذيرات دولية وإقليمية عديدة من تزايد عدد الأطفال الذين يعملون وتنتزع منهم طفولتهم دون أدنى وجه حق لمجرد حاجات مادية واقتصادية.
ومن جانبه أكد «أحمد حجازى» أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة القاهرة، على أن خروج الطفل إلى بيئة العمل فى سن مبكرة وتسربه من التعليم يساعد على تشكل عصابات وبيئات إجرامية، مشيرا إلى ضرورة الانتهاء من الاستحقاقات السياسية خلال عام 2014، للتفرغ إلى حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الملحة، فالناس على حد قوله لا تأكل سياسة ولابد من الانتباه إلى حاجاتهم الطبيعية والأساسية.
وتابعت «نجوى خليل» وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية السابقة، أن الحل لظاهرة عمالة الاطفال وتسربهم من التعليم لايأتى من خلال الاتفاقيات والندوات، ولكن لابد من التعاون بين الحكومة والمجتمع للقضاء على هذه الظاهرة وحماية اطفالنا، فهناك عوامل عديدة تؤثر على الطفولة فى مصر، تبدأ من الاعتناء بصحة الطفل من قبل الأمهات أثناء الحمل، مشيرة إلى أن دراسة علمية أجريت عام 2008، أثبتت أن 29% من أطفال مصر فى مرحلة التقزم، وهو أمر خطير ومقلق ويضاف إلى المشكلة التى تخص عمالة الأطفال.
ومن جانبه يقول «موهاب» 15سنة، يعمل فى محل لبيع الالبان، إن نزوله الى العمل جاء لمساعدة والدته فى الانفاق على إخوته وهذا لايمنع أن يواصل التعليم، ولكن دون أن يذهب الى المدرسة فبعد الانتهاء من العمل يذهب الى البيت ويقوم بالدراسة مع أخوه الذى يصغره وبذلك يكون ساهم فى مصروف البيت وفى نفس الوقت اشبع حقه فى التعليم مثل باقى الاطفال.
ويروى «أحمد» 13سنة، يعمل فى محل صغير لكى الملابس والتنظيف الجاف، أن يوم العمل مدته 12 ساعة لا تتغير حيث يقوم بمهام شتى خارج المحل، ويقوم بتوصيل الملابس للزبائن فى الموعد المحدد، ويسرد قصته من البداية فيقول: «أستيقظ فى الصباح وأسرع إلى عملى وبعد الظهر أجمع الملابس من الزبائن واصطحبها للمحل لكيها ثم أعيدها إليهم بعد ذلك».
ويقول «سامى» صاحب محل أدوات منزلية إن عمل الاطفال يساعدهم فى الاعتماد على انفسهم كما أنه يعود عليهم بالنفع فى المستقبل وفى المقابل إذا تعلموا ففى النهاية سيتخرجون وينخرطون فى سوق العمل والنتيجة واحدة كما هناك أن مهنا لاتحتاج الى تعليم لممارستها فلماذا يضيع الوقت فى التعليم بلا فائدة، مشيرا الى أنه يعلم أن الحد الأدنى لسن العمل القانونية فى مصر 14 عاما، ولذا فإن تعلم مهارة كالبيع والشراء يعد أفضل للاطفال وخاصة اليتامى الذين لايجدون من ينفق عليهم فى مراحل التعليم وفى كل الأحوال من الممكن الذهاب لفصول محو الامية لتعلم القراءة والكتابة الامر ليس بالصعب.
ويؤيدة «علاء» صاحب محل منظفات أن تواجد الاطفال فى سوق العمل يساعدهم على تنمية مهاراتهم ويسهم فى زيادة دخلهم خاصة الذين فى حاجة للماديات ولا يعتبر نزول الاطفال للعمل إهانة، ولكنه يؤكد أن العمل عبادة وطالما الطفل قادر على الاستمرار فلا داعى لتكبير الامر.
أما من ناحية الجانب العملى فإن الكثير من عمالة الأطفال تدور فى المهن اليدوية والخطرة والمتعلقة بإصلاح السيارات أو العمل فى مجال المعمار والبناء أو الإنشاءات أو أعمال الحقل الشاقة أو المحاجر التى يرتادها معظم الأطفال فى الصعيد بسبب ارتفاع الأجرة اليومية التى تقدم لهم، وعن هذا.. تقول «منى صادق» الباحثة بالمركز القومى للبحوث التربوية، إنه يوجد اختلاف بين الأرقام الصادرة عن الجهات الحكومية والمنظمات الدولية، خاصة فى المجالات التى لا تتيح الرصد والتوثيق، كما هو الحال فى قضية عمالة الأطفال، حيث يعمل أغلب الأطفال فى مجالات غير قابلة لتوثيق بياناتهم، مضيفة أن مصر لا تتبع منهج شفافية المعلومات الأمر الذى يترتب عليه إخلال بالمواثيق والاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها مصر.
وتضيف الحقوقية «امل سامى» إن الهدف من اى اتفاقية هو ضمان توقف هؤلاء الأطفال عن العمل وعودتهم إلى المدارس والتمتع بالطفولة التى يحظى بها معظم الأطفال الآخرين، ولا توجد شواهد يؤخذ بها على أن التقدم نحوالقضاء على عمالة الأطفال فى مصر سينتهى فى اسرع وقت ولكن لابد أن تتضافر الجهود المجتمعية لحل هذه الازمة وأن يبدأ الافراد بشكل تطوعى للقضاء على عمالة الاطفال وعلى اصحاب المحلات عدم استغلال حاجة الاطفال للعمل وإلحاقهم بالاعمال.
وفى نفس السياق جاء «مشروع مناهضة عمالة الاطفال» فى اطار الجهود التى تقوم بها المنظمات الحقوقية للقضاء على ظاهرة عمالة الاطفال التى باتت تتفشى فى الدول المتقدمة قبل الدول النامية واستغرقت المرحلة الأولى والثانية للمشروع نحو عامين على ضرورة توسيع الحماية التشريعية للأطفال العاملين لتشمل القطاعات الأكبر فى عمالة الأطفال، وذلك كمرحلة لتوفير حماية تأمينية لهؤلاء الأطفال والحد منها، لحين الوصول إلى الهدف الاستراتيجى وهو القضاء على عمالة الأطفال بكافة صورها، فضلا عن خلق آليات فعالة لرصد الظاهرة والوقوف على حجمها الحقيقى، وتفعيل دور منظمات المجتمع المدنى كشريك أساسى فى عملية الرقابة على المؤسسات التى يعمل بها أطفال، حيث اكد المشروع على ضرورة الاستماع إلى الأطفال العاملين واشراكهم عند التخطيط للحد من الظاهرة ورفع وعى المجتمع تجاه مخاطر عمل الأطفال وتأثيرها على نمو الطفل، بجانب اقرار حق الطفل العامل فى التمتع بجميع صلاحيات وحقوق العضوية النقابية، وتوسيع المظلة التأمينية لتشمل جميع الأطفال العاملين دون التقيد بالسن، فضلا عن تطوير العملية التعليمية للحد من التسرب التعليمى والتى تمثل أحد الأسباب الرئيسية وراء نمو الظاهرة، والتوسع فى التعليم المهنى وربطه بسوق العمل.
ومن جانبها قالت الدكتورة جاسنت، مدير دعم البرامج للشراكات الاستراتيجية، إن الفقر يعد أحد الأسباب الرئيسية وراء عمالة الطفل والذى يمثل ما نسبته 45,70% من أسباب نزول الطفل إلى العمل لمساعدة الأسر مادياً، فضلاً عن سوء جودة التعليم والعنف فى المدارس وقلة الوعى والاهتمام المتدنى من جانب الأسر بالتعليم. وأشارت جاسنت إلى أهمية تضافر الجهود بين الدولة والمؤسسات من أجل إيجاد حلول بديلة لعمل الأطفال الذى يؤدى لأضرار جسدية ونفسية تدوم مدى الحياة بالنسبة للطفل والمجتمع، وتقلل من فرصته فى حياة أفضل، وتزيد من معدلات الفقر والأمية والبطالة، منوهة إلى أهمية وجود برامج من شأنها توفير بدائل لوقف عمل الأطفال، وضمان حصولهم على حقهم فى الصحة، والتعليم، وإتاحة الفرصة لأسرهم للحصول على دخول مناسبة، والتمتع بالأمن الاقتصادى والاجتماعى والثقافى.
وتابع محمد تاج الدين، منسق برنامج القضاء تدريجياعلى عمالة الطفل، أنه خلال العامين الماضيين قامت منظمة بلان مع جميع الأطراف العاملة على مشروع «مناهضة عمالة الأطفال» إلى تكوين شبكة مكونة من عدد 10 جمعيات مهتمة بقضايا عمالة الأطفال فى مناطق خير الله والبساتين والمرج، والعمل على بناء قدراتها فى كيفية تبنى قضايا الأطفال العاملين وإدارة المشروع، بالإضافة إلى إقامة حملات توعية تحت شعار «مدرستى خالية من العنف» شارك فيها عدد 400 طفل من 8 مدارس ابتدائية و200 من أولياء الأمور و80 من الممثلين الحكومية.
وأضاف أنه تم فتح فصلين مجتمع بالتعاون مع الإدارات التعليمية والجمعيات الشريكة وقسم التعليم المجتمعى بالوزارة والمساعدة فى تكوين 4 مراكز تدريب حرفى تحويلى للأطفال وأسرهم مما يضمن استمرارية النشاط داخل الجمعيات الشريكة، فضلاً عن تفعيل دور لجان الحماية من أجل تبنى قضايا الأطفال بشكل عام والانتهاكات التى يتعرض لها الطفل العامل بشكل خاص.
ويذكر أنه تم إنجاز أهداف مشروع «مناهضة عمالة الأطفال» من خلال خفض معدلات التسرب من المدارس فى 8 مدارس بمناطق خير الله والبساتين والمرج خلال عمر المشروع لعدد 800 طفل منهم480 ذكرا و320 أنثى بالإضافة إلى زيادة الوعى لجعل المدارس خالية من العنف وخلق بيئة تعليمية توفر الحماية للأطفال، والعمل على بناء قدرات الجمعيات الشريكة للحد من عمالة الأطفال ومنع ذلك، ووضع آلية لمراقبة التسرب من التعليم، وتعمل مؤسسة بلان الدولية فى مجال تنمية الأطفال فى العالم وتأسست منذ خمسة وسبعين عاما وتعمل فى ثمانٍ وأربعين دولة نامية فى أفريقيا وآسيا والأمريكيتين وتدعمها عشرون دولة مانحة ويوجد المركز الرئيسى لبلان فى المملكة المتحدة، وهى منظمة مستقلة وليس لها أى انتماءات دينية أو سياسية أو حكومية، وتعمل فى مصر منذ أكثر من ثلاثين سنة وتخدم أكثر من واحد ونص مليون طفل وأسرهم فى سبع محافظات تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعى، وتقوم بالعمل مع أكثر من خمس وأربعين جمعية من جمعيات تنمية المجتمع ومع مختلف الشركاء من المجتمع المدنى والحكومة والقطاع الخاص.
وتقول سمية الألفى، ناشطة فى مجال حقوق الطفل، إن عمل الاطفال   يعرضهم لخطورة كبيرة وأن الاسر من المحافظات الفقيرة هى التى تساعد على نزول الاطفال للعمل ومن ثم السماح باستغلالهم أسوأ استغلال نتيجة لانخفاض سعر يومية الطفل، فالبالغ لن يقبل بمبلغ مثل الذى يتقاضاه الطفل، بجانب أن الطفل ليس لديه أى مطالب، بمعنى أنه لا يعرف حقوقه فى حالة أن صاحب العمل لم يعطه يوميته أو عاقبه بخصم نصف راتبه، وتابعت لا بد من ضمان العدالة الاجتماعية وحل المشاكل الاقتصادية وتحسين المستوى الاقتصادى للأسر الفقيرة، وتوفير فرص عمل كريمة لأرباب الأسر مما يضمن ألا تضطر تلك الأسر لدفع أطفالها إلى سوق العمل.