الفرعون
عاطف بشاى
كتب : عاطف بشاى
يافرعون إيه فرعنك..؟!! قال ملقتش حد يردنى».. «واللى تقول عليه موسى يطلع فرعون.. هى امثلة شعبية شائعة تحمل معنى الاستبداد والدكتاتورية والتسلط..
- وإذا اضفنا إليهم بعض الاقوال المأثورة مثل قول (لورد اكتون) كل سلطة مفسدة.. والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة.. وقول (جون لوك) ليس للطفيان صورة واحدة فمتى استغلت السلطة لإرهاق الشعب وافقاره تحولت الى طغيان ايا كانت صورته.. وقول «جيمس الاول» ملك انجلترا: انما نحن الملوك نجلس على عرش الله على الارض.. ومثله ما ردده «المنصور» الخليفة العباس الثاني: «ايها الناس انما انا سلطان الله فى ارضه»..
واذا أضفنا اليهما «مين يقدر يقول للغول عنيك حمرا ياغول.. وهو المثل الذى يرى كاتبنا الكبير» احمد رجب «أنه من تأليف امرأة شأنه شأن كثير من الامثلة الشعبية التى تعبر عن حال النساء المقهورات فى مواجهة الازواج الطغاة نموذج «سى السيد».
هذه الامثلة وبالذات الخاصة بالفراعنة يكتب عنهم الكاتب الصحفى الناصرى الصديق «سليمان الحكيم».. الذى دأب فى الفترة الاخيرة على مواجهة الذين يرفضون بضراوة ان يحكم «مصر» رئيس ينتمى الى المؤسسة العسكرية.. بصرف النظر عن انه يرتدى الحلة العسكرية أو انه خلعها ووصل الى كرسى الرئاسة نتيجة انتخابات نزيهة.. وفى ظل دستور قوى يمنع الاستبداد بالسلطة.. يقول سليمان فى مقال اخير له بجريدة «الوطن»: إن الذين يضعون «موسى» المؤمن فى مواجهة فرعون الكافر يجهلون ان اخناتون – اول من وحد الله كان فرعوناً.. والذين يرمون الفراعنة بالعلو والاستكبار يجهلون انهم كانوا يظهرون الخضوع والتواضع امام إله حتى لو كان مجرد «خنفسة» ويؤكد ان الامثال التى تهدف للاساءة الى الفرعون لا تتسم غالبًا بالحكمة والموعظة الحسنة لأنها تطالبنا بالكف عن المبادرة.. والاستعانة والرضوخ للامر الواقع.. حتى لو ادى الامر الى «تلف سنة ولا تخطى قنا».
المقال رصين وذكى ويجابه وصمة التصاق صفة الدكتاتورية بالقائد العسكرى بسلاح قدرته الناجحة على البناء والتنمية الذى سيؤدى بالضرورة الى التقدم والارتقاء والازدهار الحضارى.. ويضرب امثلة من سجلات التاريخ تؤكد ذلك، فالفرعون هو القائد الذى شيد الاهرامات.. واقام المعابد والتماثيل وأنشأ حضارة عظيمة.. وغزا العالم شرقًا وغربًا ليقيم امبراطورية يحكمها من «منف» او «طيبة» او غيرهما من حواضر الامبراطورية العظمى.. وهكذا كانت «مصر» فى عهد الفراعنة العظام - ولم تكن فى عهد آخر - الدولة القائدة غير المنقادة.
المتبوعة وليست التابعة.. فما من فرعون جاء الى الحكم إلا وبدأ بتحقيق الوحدة الوطنية اولاً.. فجمع شتات الاقاليم المنقسمة اولًا فى ربوع مصر فى اقليم واحد وتحت راية واحدة.
وبالطبع فإن تحقيق الوحدة الوطنية يقودنا الى تجربة «عبد الناصر» فى الانتقال من توحد المصريين فى مشروع وطنى واحد تمثل فى طرد المستعمر الانجليزى لتحقيق حلم الاستقلال الوطنى والذى نتذكر جيدًا محاولة كسر.. وتحطيمه فى الاعتداء الثلاثى (1956).. ثم فى كارثة هزيمة (1967).
لكن المشير السيسى.. وبعد سنوات من الانقسام.. والتشرذم ودماء الشهداء.. وثورتان شعبيتان نجح فى كسر حائط التبعية الامريكية والغربية.. وجسد من جديد حلم الاستقلال الوطنى.. لذلك فليس من الغريب ان يكون مؤيدو المشير هم الذين يثقون فى قيمة هذا الانجاز الوطنى الكبير.. وهم الذين ينتمون الى البناء الناصرى ومنهم «سليمان الحكيم»
بالاضافة طبعا الى الهدف الذى ما زلت ارى انه الاسمى والاعلى شأنا وقيمة.. وهو تحقيق العدالة الاجتماعية التى ما زالت مفتقدة رغم انها الشعار الرئيسى للثورتين.. وجوهرها الحقيقي.. تلك العدالة التى سعى «جمال عبد الناصر» الى تحقيقها بمجرد قيام ثورة (23) يوليو (1952) ونجاحها.. فأصدر قانون الاصلاح الزراعى ووزع الاراضى على الفلاحين بعد شهور قليلة من قيام الثورة.. وسعى الى القضاء على الاقطاع والرأسمالية المستغلة.. فلقب بأمير الفقراء..
والعدالة الاجتماعية بالطبع تزداد فرص نموها بالمشاريع القومية الكبرى لذلك فإن مشروع القناة الجديدة يكتسب قيمته الاساسية من احتشاد المصريين حوله وتكاتفهم للعبور من الازمة الاقتصادية الطاحنة والقضاء على البطالة والسعى لتذويب الفوارق الطبقية الشاسعة انطلاقًا الى غد مختلف وحياة اكثر انسانية وعدلاً