الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

رئيس التحرير يرفض نشر مقال صاحب الجريدة!




لا نهاية لحكايات ودروس د.محمد حسين هيكل باشا الذى لا يعرف الناس عنه إلا أنه صاحب كتاب «حياة محمد» وصاحب رواية «زينب» المأخوذ عنها الفيلم السينمائى الشهير.
لا يعرف الناس وربما النشطاء ونجوم الفضائيات والتوك شو أنه حصل على الدكتوراه فى الحقوق  من جامعة السوربون عام 1912 وعمل بالمحاماة أكثر من عشر سنوات، وزوال التدريس بالجامعة المصرية وشارك فى إعداد وكتابة دستور سنة 1923 وأصبح رئيسا لتحرير جريدة «السياسة» لسان حال حزب الأحرار الدستوريين، ووزيرا للمعارف أكثر من مرة ثم رئاسة الحزب نفسه وكذلك رئاسة مجلس الشيوخ خمس سنوات كاملة!
هكذا كانت نخبة الزمن الماضى، لم تكن نخبة التطبيل والتهجيص والهمبكة، كانت نخبة محترمة تحترم نفسها ومن ثم تحترم وطنها وشعب هذا الوطن.
ومن بين مئات الحكايات ذات الدلالة أتوقف أمام هذه الحكاية التى تعود إلى ما بعد أسابيع قليلة من وفاة زعيم الأمة «سعد زغلول» أغسطس 1927 حيث الكلام عن ضرورة استمرار الائتلاف بين الأحزاب وكتب «هيكل» باشا رئيس تحرير جريدة السياسة مقالا عنوانه «نريد ائتلافا خالصا وأساس الائتلاف الخالص الصراحة» وأحدث المقال ضجة فى الأوساط السياسية.
وفى مساء نفس اليوم ذهب إلى مكتب د.هيكل باشا أحد رجال الحزب «محمد بك عبدالجليل أبوسمرة» حاملا كلمة بتوقيع «محمد باشا محمود» وكيل الحزب يطلب نشرها تقول إن المقال الذى نشره د.هيكل باشا لا يعبر عن رأى الحزب!!
ورفض هيكل باشا نشر الكلمة وقال: إننى أعبر عن رأى الحزب كل يوم فإذا كان مقالى هذا لا يعبر فى نظر «محمد باشا محمود» عن رأى الحزب فليجتمع مجلس الإدارة وليصدر قراراً بما يراه، ومتى صدر القرار تصرفت بما أرى!!
وطالت المناقشة وصمم د.هيكل على عدم نشر المقال، وقيل له إذا لم تنشر الكلمة فى «السياسة» فسوف تنشر فى الأهرام رد بحسم: فيلكن ولتنشر فى الأهرام وان كانت نصيحتى ألا يحدث من ذلك شىء محافظة على تضامننا وعلى مكانة الباشا منا!!
وعند منتصف الليل ذهب «محمد محمود باشا» بنفسه لمقابلة هيكل باشا وقال له: أنا أريد أن تنشر هذه الكلمة؟! فقال هيكل باشا: أرجوك يا باشا أن تعيد النظر وألا تنشر فى السياسة ولا فى الأهرام شيئا، وأن تجمع مجلس إدارة الحزب وتعرض عليه الأمر ولكنى أخاطبك أملا أن تقتنع برأيى!! قال الباشا: ألا تنشر كلمتى وأنا رئيس شركة السياسة؟!!
يقول هيكل باشا تعليقا على ما سمعه: وأحسست لسماع هذه الكلمة بأن ممثل رأس المال يخاطب من يتقاضى راتبا، فقلت محتفظا بكل هدوء: إذا كان رئيس شركة السياسة هو الذى يطلب النشر فأنا مستعد له على شرط، وهو أن أنشر مع كلمة معاليكم استقالتى من رياسة تحرير «السياسة» وأننى قطعت كل صلة لى بها!
فأجاب: كلا يا سيدى لا تنشر كلمتى ولا تستقيل، سأنشرها فى الأهرام!!
وبالفعل نشر «محمد محمود باشا» وكيل الحزب كلمته فى الأهرام، وفى اليوم التالى كتب «هيكل باشا» فى جريدة «السياسة» كلمة يشرح فيها مبررات رفضه لنشر كلمة رئيس الشركة التى تصدر الجريدة!!
ودلالة القصة بكاملها لا تخفى على أحد وأظنها لا تحدث هذه الأيام، وربما لا يجرؤ رئيس تحرير صحيفة خاصة على نشر كلمة أو مقال لصاحب المطبوعة، لكن فى زمن ما كان ذلك يحدث دون أن تقوم الدنيا ولا تقعد!! إنه الخلاف فى الرأى الذى لا يفسد للود قضية!! لكنه الآن يفسد بل يدمر هذا الود!!