الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الديمقراطية ونظام الحكم فى الإسلام




خلق الله الإنسان خليفة له فى الأرض وجعله سيدا على باقى مخلوقاته لا يعلوه أحد غير خالقه ولا يعبد أحدا غيره وأنزل الله شرعائه وأحكامه لتحقيق الكرامة للإنسان ومن بينها حريته فى الاختيار حتى إنه رغم التأكيد على حق الله المطلق فى العبادة إلا أنه أعطاه حق اختيار عقيدته حتى لو كان الكفر وفى الشريعة الإسلامية تم التأكيد على حق المسلم أن يعبر عن رأيه فى شئونه وأن يكون أمر المسلمين شورى بينهم و جاءت التجارب الإنسانية نحو الحضارة لتضع اشكالا مختلفة من نظم الحكم ومنها ما سعى الى تحقيق كرامة الانسان فاتفق مع فطرة الله وذلك كمنحه حريته وحقه فى إدارة شئونه الخاصة والعامة ومن هذه النظم الديمقراطية الحكم القائم على حكم الشعب واختيار ممثليه عن طريق صناديق الاقتراع وهناك من رأى من فقهاء الاسلام أن الديمقراطية هى الشورى بالشكل الحديث وتتفق مع ما أراده الله من كرامة للانسان ومنهم من رأى أن الديمقراطية تتعارض مع الشورى القائمة على حكم أهل الحل والعقد وتنفيذ شرع وأحكام الله، وعن الديمقراطية والشورى ونظام الحكم فى الاسلام يحدثنا عدد من رجال الدين حيث يقول: محمد الاباصيرى – داعية سلفى لـ«روزاليوسف» أن الديمقراطية تقوم على مبدأ سيادة الشعب وتمثله الأغلبية؛ أى أن أغلبية الشعب أو نوابه هم وحدهم الذين يقررون مصلحة الجماعـة وما هو مفسدة، فما قضت به الأغلبية بأنه مصلحة يجب مراعاته، وما قضـت أنه مفسدة يجـب تركه، معنى ذلك أن العقل المرجع فى تحديد ما هو مصلحة وما هو مفسدة.
مما لا خلاف فيه بين العلماء أن الحاكم هو الله سبحانه وتعالى، إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وأنه لا بيان بعد بيان الشرع، ولا معقب على بيان الشرع، فما قرر الشرع أنه مصلحة، فهو المصلحة، وما قرر أنه مفسدة، فهو المفسدة، ولا مجال للعقل بعد بيان الشرع، وإلا جعلنا للعقل التعقيب على الشرع، وإن الحق سبحانه وتعالى يجيب عن ذلك بقوله «يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَاب فهذه الآية تضمنت بيان السلطات الثلاث فقول الله إنا جعلناك خليفة هذه السلطة التنفيذية الخليفة رأسها، فاحكم هذه السلطة القضائية بالحق وهذا القانون المطبق أى السلطة التشريعية.
ويقول سبحانه وتعالى لنبيه وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ويقول سبحانه وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْك تحت أية مسميات أو مبررات، ويقول «إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ..» تحذير من الإعراض عن بعض ما أنزل الله.
وقال إن الشورى هى اساس الاسلام الصحيح الذى انزله الله على عباده حيث قال النبى امرهم شورى بينهم.
على جانب آخر أكد الدكتور سعد الدين هلالى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن الديمقراطية بمفهومها الإسلامى لا تتعارض مع الإسلام.
وأضاف انه إذا كان المقصود بالديمقراطية حكم الشعب للشعب فهو عين الإسلام لأنه أمر الفقهاء أن يكونوا على علم بدعوة الإسلام لاقناع الناس بها ولكن لم يحدد الإسلام أشخاصا ليستولوا على السلطة، مشيرا إلى أن الديمقراطية بمفهومها الإسلامى لا تتعارض مع الإسلام، وإن تعارضت فلن تكون ديمقراطية بل هى الفكر المنحرف الذى لا يريد رابطا ولا ضابطا فى أفعاله.
وأضاف أن المقصود بالديمقراطية حكم الشعب للشعب فهو عين الإسلام لأن الإسلام أمر الفقهاء أن يكونوا على علم بدعوة الإسلام لإقناع الناس به.
يأتى ذلك بينما أكد الدكتور محمد السيد اسماعيل رئيس المركز الاسلامى لعلماء من اجل الصحوة أن هناك ستة عشر تعارضا بين الإسلام والديمقراطية حيث يوجد بين النظام الديمقراطى ونظام الإسلام تعارض كبير فى الأساس والأصول والفروع. وإذا كان هناك من تشابه فى بعض الأمور فهذا ليس مبرراً للخلط بينهما.
وأضاف إسماعيل من هذه التشابهات كون الإسلام يقول باختيار الخليفة عن طريق الانتخاب والبيعة، والديمقراطية تقول باختيار الحاكم عن طريق الانتخاب. وكذلك ممثلو الشعب يجرى اختيارهم عن طريق صناديق الإقتراع فى الإسلام وفى الديمقراطية كذلك. وفى الإسلام الأمة تحاسب الحاكم وفى الديمقراطية كذلك. مما جعل قصيرى النظر يتوهمون أن الديمقراطية من الإسلام، أو أن الإسلام ديمقراطي.
وأشار إسماعيل أن الديمقراطية هى تعبير واصطلاح غربى يطلق على: (حكم الشعب للشعب بتشريع الشعب). والديمقراطية نظام حكم وضعه البشر، انبثق من عقيدة فصل الدين عن الحياة ( العلمانية )، من أجل التخلص من ظلم الحكّام وحكمهم بالناس باسم الدين لذا يقولون: « دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله «. فالديمقراطية إذاً نظام مصدره البشر، ولا علاقة له بوحى أو دين. وعليه فمن غير الواقعى وصف الديمقراطية بأنها مجرد أسلوب أو آلية لاعلاقة لها بالعقائد والأفكار وحالها حال أنظمة المرور والأنظمة الإدارية؛ لأن الديمقراطية على أرض الواقع نظام انبثق عن عقيدة فصل الدين عن الحياة، بل أوصل بعض المفكرين الغربيين الديمقراطية إلى مرتبة وجهة النظر فى الحياة. أما الإسلام فهوالدين الذى أنزله الله على سيدنا محمد بتنظيم علاقة الإنسان بخالقه، وبنفسه، وبغيره من بنى الإنسان. وعلاقة الإنسان بخالقه تشمل العقائد والعبادات، وعلاقته بنفسه تشمل الأخلاق وحاجاته الطبيعية، وعلاقته بغيره من بنى الإنسان تشمل المعاملات والعقوبات.
وتابع إسماعيل أن الإسلام مبدأ لشئون الحياة جميعاً. ونظام الإسلام مصدره الوحى وليس البشر، ويقوم على العقيدة الإسلامية التى لاتفصل بين الدين والدولة ولا بين الدين والحياة. مصدر الأفكار والأحكام والقوانين الديمقراطية لاتهتم بالمصدر الذى يجب أن تؤخذ منه الأفكار المتعلقة بالعقيدة، ولا الأفكار المتعلقة بالحضارة ولا الأحكام، ولا القوانين. ولكن الديمقراطيه تجعل الحاكمية ابتداءً فى يد البشر، وتمنحهم صلاحية التشريع من دون الله فلا تعتبر التشريع حقاً لله وحده بلا شريك أما الإسلام فيُلزم معتنقيه بأن يأخذوا كل ما جاء به الرسول الكريم كمصدر للعقيدة وللحضارة وللأحكام الشرعية والقوانين.
وأكد أن السعادة عند أهل الديمقراطية وفى الحضارة الغربية، هى الحصول على اكبر قدر ممكن من المتع واللذات فى الحياة الدنيا. أما عند أهل الإسلام وفى الحضارة الإسلامية ينظر إلى السعادة بأنها الفوز برضوان الله وكما أن الديمقراطية ولا تقيم وزناً لغير القيم المادية النفعية، فما كان فيه منفعة ومصلحة فعلوه، وإلا تركوه، بغض النظر عن واقع الفعل نفسه، لذلك فميزان العمل عندهم مقياس المنفعة والمصلحة وما مقياس الأعمال فى الإسلام (الحلال والحرام).
وتابع إسماعيل الحديث قائلا إن الديمقراطية ليست الشورى باعتبار الاولى طريقة حكم لها كليات وجزئيات، وهى تسيير شئون الحياة كلها حسب وجهة نظر معينة، وهى ليست نابعة من الشرع فهى ليست حكماً شرعياً على عكس الشورى التي لاتعتبر طريقة حكم لها كليات وجزئيات، وبل ليست أصلاً من أصول الحكم، إنما هى أخذ الرأي، وأخذ الرأى يكون ملزماً فى حالات، ولا يكون ملزماً فى حالات أخرى. والشورى حكم شرعى وليست من وضع البشر كالديمقراطية وقواعد: الحكم الديمقراطى يقوم على فكرتى السيادة للشعب والشعب مصدر السلطات، أما الحكم فى الإسلام فيقوم على السيادة للشرع وليست للشعب والسلطان للأمة، وهى تُنيب عنها من يطبق الشرع وينفذه.
ويضيف محمد إسماعيل أنه خلال الديمقراطية الحكم يكون للأكثرية، حتى ولو كانت الأكثرية على باطل. والأكثرية قد تكون أكثرية الشعب باستفتاء عام وأكثرية النواب فى التصويت على مشروع قانون. وأكثرية الوزراء فى وضع مشروع قانون أو تنفيذ سياسة معينة. وأكثرية نقابية أو جمعية. وأكثرية لمنح الثقة للوزارة أو حجبها عنها. و جميع قرارات المجالس النيابية والوزارية يلزمها أكثرية لتنفذ. أما فى الإسلام فإن الحكم يكون للشرع، حتى ولو وقفت معه الأقلية مهما صغر حجمها.
الدكتور على الازهرى استاذ علم الحديث يقول إن تنفيذ وتطبيق الحكم الشرعى لايرجع فيه لرأى الأكثرية مثل الرأى الفني، أو رأى أهل الاختصاص والخبرة لا يلزمه أكثرية. و هناك حالة واحدة يؤخذ فيها برأى الأكثرية وهى معرفة الرأى فى الإقدام على عمل مباح أو عدم الإقدام عليه، مثل نزول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عند رأى الأكثرية للخروج من المدينة لملاقاة الكفار فى معركة أُحد. وشكل الحكم: شكل الحكم فى الديمقراطية هو: جمهورى أو ملكي. ويجوز التحول من الملكى إلى الجمهورى أو العكس. أما شكل الحكم فى الإسلام: فهو ليس ملكياً، ولا جمهورياً، ولا إمبراطورياً، ولا اتحادياً، بل هو شكل فريد متميز يختلف عن جميع أنظمة الحكم الموجودة فى العالم، وهو الخلافة التى هى رئاسة عامة للمسلمين جميعا فى الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، وحمل الدعوة الإسلامية للعالم كله. أى أن تسمية الدولة الإسلامية باسم الخلافة ليس خاصاً بحقبة معينة أو بأناس مخصوصين بل نظام الحكم فى الإسلام يطلق عليه اسم الخلافة. وهو نظام ليس فيه وراثة. ولا يجوز التحول من الخلافة إلى النظام الجمهورى أو الملكي، أو غير ذلك.
وتابع الازهرى أن جهاز الحكم فى الديمقراطية يتكون من ثلاث سلطات السلطة التنفيذية (الوزارة). والسلطة التشريعية (البرلمان). والسلطة القضائية (القضاء) ويساند هذه السلطات مؤسسات أخرى كالجيش والأمن العام والأمن الداخلي، وأجهزة أخرى. أما جهاز الحكم فى الإسلام فهو الخليفة. معاون التفويض. معاون التنفيذ. وإمارة الجهاد ( وتشرف على شئون الجيش، والداخلية والخارجية والصناعة) الولاة والقضاء ومصالح الدولة ومجلس الأمة.
اختيار الحاكم فإن الديمقراطية تجيز لجميع أفراد الشعب التسابق والتنافس للوصول لمنصب الحاكم، بغض النظر عن مؤهلاته أو صفاته الشخصية أو التزامه الديني، بل حتى لو كان ممثلاً. الحاكم فى النظام الديمقراطى أجير. الشعب ينتخب الحاكم لكى يطبق عليهم النظام الديمقراطى. ويختار الحاكم لمدة حكم مؤقتة من 4- 6 سنوات. فى الإسلام يشترط فيمن يتقدم لهذا المنصب أن يكون رجلا وليس امرأة، مسلماً وليس كافراً، بالغاً وليس صبياً، عاقلاً وليس مجنوناً، حراً وليس عبداً أو مسيطراً عليه بما يشبه العبودية، عدلاً وليس فاسقاً، وهناك شروط أفضلية كأن يكون مجتهداً وغير ذلك.
وقال الدكتور نصر فريد واصل مفتى الديار الاسبق أن الحكم الإسلامى معناه الحكم بالشورى، وتحقيق العدالة الاجتماعية وأن يكون الحاكم منتخبًا من الشعب وأن يكون الحاكم خادمًا للشعب، وأن يختاره الشعب، ويعزله إذا ثبت تعديه على دستور البلاد، أو غير ذلك، أن يكون هناك فصل بين السلطات وكل هذا من المبادئ الإسلامية، وبالتالى هذا هو الحكم الإسلامي.
وأضاف أنه لا يجب التدليس باسم الدين للوصول إلى الحكم، فالحكم فى الإسلام مدنى وليس دينيا، وكذلك النظام السياسى مدنى وليس دينيا». واشاران الرئيس ليس خليفة، فالحكم مدنى وليس خلافة دينية»
أما الدكتور أحمد كريمة استاذ الشريعة الاسلامية بجامعة الازهر، فأشار إلى أن الشورى اصل اصيل فى الاسلام وان الله تعالى اسمى سورة من سور القرآن الكريم «الشوري» وأمر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالشورى التى هى فى الاسلام من الامور النظرية والعملية معا، الا أن الاسلام قيدها لتكون منضبطة فجعل لها مايسمى باهل الحل والعقد، اى الذين عندهم الخبرة فى فهم الاشياء.
وأوضح انه من خصائص التشريع الاسلامى الجمع بين الثبات والمرونة، فالشورى من الثوابت الاسلامية، لكنها لاتتجمد فى قالب معين، فاذا حصلت مستحدثات تتناسب ومتغيرات العصر، وكانت تدور مع المصالح والمباديء والقواعد العامة للشريعة الاسلامية، فلا بأس «فحيثما كانت المصلحة فثم شرع الله.
ويرى الدكتور محمد كمال امام استاذ الشريعة الاسلامية. أن الديمقراطية اذا كانت تعنى حكم الشعب للشعب، فإن مفهوم الشورى يختلف عن مفهوم الديمقراطية لان الشورى انهما تقوم اصلا على وجود صفوة عالمة تتمتع بمزيد من العلم والقدرات التى تجعلها خبرات متخصصة كل فى ميدانه، وبالتالى فإن اهل الشورى هم اهل الاختيار الذين يناط بهم اختيار من يتولون السلطات ومن يعرضون على الامة لتبايعهم لتولى الامامة او الخلافة او رئاسة الدولة، والشورى ليست مفهوما سياسيا فحسب كالديمقراطية، ولكن الشورى فى الاسرة وفى القضاء وفى العلاقات الانسانية المختلفة لان المقصود بها اضاءة المواقف وتنوير المجتمع ليقرر على ضوء معرفة حقيقية بمصالحه ومشروعية هذه المصالح.
إذا نظرنا الى غايات الديمقراطية على الاقل من الناحية النظرية وغايات الشورى نجد أنهما قد يلتقيان فى محاولة الوصول الى افضل العناصر وافضل الآراء التى ينبغى أن يلتزم بها الناس فى المجتمع وقد اصبح سائدا فى الفقه السياسى المعاصر أن الديمقراطية تعبير عن رؤية سياسية عقلية وان الشورى تعبر عن رؤية ذات مرجعية دينية. اما الديمقراطية المعاصرة، فليس لها من جمعية الا اجتهادات الاحزاب وافكار القيادات التى تقود هذا الحزب او ذاك دون عصمة او وحي، ومن هنا فان الشورى فى الاسلام تعنى الديمقراطية وزيادة عليها بهذه المرجعية الدينية فى الكتاب والسنة الموحى بهما.