السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

خسائر «المترو» والخدمة غير المدفوعة




تحقيق - محمود ضاحى

يعتبر المترو مؤسسة خدمية ضخمة تساعد فى نقل المواطنين بين ربوع القاهرة ولاستمرار أداء الخدمة تحتاج الوسيلة للصيانة والتجديد فى كل جنباتها بالإضافة لتعديل عملية إدارة التسيير من دفع أجور عمالة وأمن وتوفير لوازم التشغيل وكل ذلك يعتمد على تذكرة المترو التى يدفعها المواطن ورغم احتياجات جهاز المترو وأعبائه الكثيرة إلا أن تذكرته محددة بجنيه واحد مما يعتبرونه أرخص وسيلة للمواصلات ومع ذلك يتهرب الكثيرون من مستخدميه من دفع ثمن التذكرة بوسائل مختلفة مستغلين رداءة ماكينات المترو وعدم جدية الأمن


ويؤكد مسئولو تشغيل المترو والعاملون أن الظاهرة تسبب خسائر كبيرة للمترو مما يهدد بكارثة تطال جهاز المترو وتؤدى إلى أضرار جسيمة كما يرفض العديد من ركاب المترو هذه الظاهرة ويعتبرها علماء الدين حراماً شرعًا ومحرماً دينيًا.
وعن الظاهرة ونتائجها وطبيعتها ووسائل مواجهتها سلطنا مع عدد من المختصين حيث قال المهندس على فضالى رئيس جهاز مترو الأنفاق، إن من أهم أولوياته خلال الفترة المقبلة القضاء على ظاهرة تهرب الركاب من دفع التذاكر التى تتسبب فى خسارة 40٪ من إيرادات المترو، من خلال خطة محكمة سيبدأ تنفيذها خلال الأشهر القادمة.
وأكد فضالى عدم وجود نية لدى إدارة جهاز تشغيل المترو لرفع قيمة تعريفة تذكرة الركوب فى الفترة الحالية، موضحاً أنه سيتم تركيب 750 بوابة جديدة بتكلفة 75 مليون جنيه تعمل بنظام «dual» تخدم التذاكر الورقية، والكارت الذكى سيتم  توزيعها حسب كثافة الركاب على خطوط المترو الثلاثة خلال 24 شهرًا، إضافة إلى إحلال وتجديد 350  بوابة عبور تعمل بنظام الكارت الذكى ستدخل الخدمة خلال 3  أشهر.
وفى السياق نفسه قال محمد شحاتة رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للنقل إن تهرب المواطنين من دفع تذاكر المترو ظاهرة سلوكية سلبية أدت لخسائر مهولة للمترو وبالتالى للاقتصاد القومى حيث بلغت خسائر الشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو الانفاق نحو مليون جنيه يوميًا بسبب التهرب من التذاكر بما يساوى نحو 465 مليون جنيه فى العام.
وطالب رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للنقل بالعمل على تبنى خطط حقيقية وهادفة للقضاء على ظاهرة الهروب من دفع تذاكر المترو منها التشديد على شركة الأمن، موضحًا أن هناك إجراءات أخرى لابد من العمل على تبنيها للحد من الظاهرة تشمل العمل على تعديل وإصلاح ماكينات التذاكر الإلكترونية والعمل على سرعة طرح الماكينات الجديدة الخاصة بالكارت الذكى وتشديد العقوبة على الهاربين من دفع التذاكر.
وتعمل الشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو الأنفاق، على حملة لمواجهة المتهربين من التذاكر لكشف الذين يستقلون المترو دون التذكرة، وضبط الباعة الجائلين والمتسولين، وكذلك الرجال الذين يستقلون العربات المخصصة للسيدات، والتصدى لظاهرة عبور المواطنين للقضبان.
ويوضح على السيد، أحد المفتشين فى محطة المترو أن سلوك المتهرب من دفع التذكرة أمر غير أخلاقي، وإهدار للمال العام، فى وسيلة مواصلات تعتبر الأرخص بين وسائل المواصلات الآخر.. مناشدًا جميع المواطنين بمراعاة ضمائرهم أولًا قبل فعل هذا السلوك الذى يهدر أموال الدولة، مشيرًا إلى أن الفاقد فى الإيراد الناتج عن تهرب الركاب من شراء التذاكر، يمثل أكثر من 30٪ من الإيرادات اليومية للشركة.
أما رفعت عرفات رئيس النقابة المستقلة، فأكد أن عملية تبديل ماكينات المترو كلفت الدولة نحو 83 مليون جنيه، دون دراسة جدوى حقيقية لواقع كثافة الركاب فى الدخول والخروج، الأمر الذى رفع الزحام أمام البوابات، فانكشف عيب الماكينات الحديثة، مما دفع الركاب لوضع التذكرة فى البرميل «الذكى» على حد وصفه، كما سهل الأمر على المتسربين، فزاد عددهم وسط حالة من عدم قدرة أفراد شركة الأمن على التحكم فى منافذ الدخول والخروج.
وأوضح رفعت عرفات رئيس النقابة المستقلة للعاملين بالمترو أن المتهربين من سداد التذاكر لا يقل عددهم عن مليون و200 ألف راكب يوميًا مما يهدر على المترو هذا المبلغ بشكل يومي.
وشدد عرفات على أن بوابات الدخول والخروج لتذاكر المترو  بحالة مزرية، منوهًا إلى آخر إحصائية رسمية من الشركة تشير إلى أن عطل تلك البوابات يتسبب فى إهدار أكثر من 43٪ من قيمة الإيراد السنوى بما يساوى 530 مليون جنيه سنويًا.
وكشف تقرير رقابى لجهاز مترو الأنفاق بأن 350 ألف راكب يهربون يوميًا من دفع تذكرة المترو، بالخطين الأول والثانى المرج حلوان وشبرا الخيمة - المنيب.
وحذر التقرير بأن أعداد المزوغين من تذاكر المترو زادت فى السنوات الثلاث الماضية بسبب الانفلات الأمنى وغياب الرقابة داخل مترو  الأنفاق، وخاصة بالخط الأول المرج - حلوان حيث كشف التقرير أن 40٪ من الركاب يتنقلون عبر خطوط المترو بأحمال ثقيلة مثل الكراتين والأقفاص ومعدات ثقيلة، مما أدى إلى تحول عربات المترو إلى قطار بضاعة.
ومن الناحية الشرعية حول الهروب من دفع تذكرة المترو قال الشيخ همام المناصرى منسق ائتلاف أحفاد الصحابة وآل البيت، إن الهروب من دفع تذاكر المترو حرام شرعًا، ومما يدل على تحريم الامتناع عن دفع تذاكر المترو أن ذلك يعتبر إخلالاً بالشرط بين الجهة مقدمة الخدمة وبين المنتفع بها وهو الراكب، وقدصح فى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم قد قال: «المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً» رواه أبو داود والترمذى مضيفاً أن شيخ الإسلام ابن تيمية قال إن الوفاء بها أى بالالتزامات التى التزم بها الإنسان من الواجبات التى اتفقت عليها الملل بل العقلاء جميعاً».
وأضاف المناصرى: يعتبر كل من هرب من دفع تذكرة آكلاً لأموال الناس بالباطل، وهو من المحرمات المتفق على تحريمها، قال الله تعالى: ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل»، مضيفاً أن التوقف عن دفع ثمن بعض الخدمات التى يحصل عليها المواطن، والتى تقدمها مرافق عامة مملوكة لجماعة الإخوان المسلمين، والخوض فى مخصصات المالية على النحو يتضمن شبهة السرقة من الجماعة وماله العام ، وتشوبه شبهة الغلول والانتهازية، وهو الأمر الذى لا يليق بالمسلم، ويغرر بمصداقية العمل العام، ويضفى عليه مسحة الانتهازية، وتوظيف المواقف السياسية لتحقيق مآرب شخصية فلا يشرع.
بينما الشيخ محمد الأباصيرى الداعية السلفى فأكد أن الهروب من دفع تذكرة المترو أمر محرم بشدة بلا شك ويدخل تحت أبواب شتى من المحرمات منها خيانة الأمانة ومعصية ولى الأمر، وأكل المال العام وهو أمر أعظـم من أكل المال الخاص، بالإضافة لكونه إضعافًا للاقتصاد وتخريبًا له وهو ما تقبله الشريعة أبدًا ولا ترضاه.
وأضاف أن المسلم بحق عليه أن يلتزم بكل ما تفرضه الدولة عليه من أوامر أو رسوم أو أجرة للمواصلات أو ما شابه ذلك مادام ليس فى ذلك معصية لله، وهو أمر داخل فى الدين وهو من لوازم تقوى الله عز وجل، ومن لم يلتزم فليس بمتق لله فى الحقيقة.
وأشار إلى أن الشريعة السمحة نهت عن كل ما فيه ضرر أو ضرار، وكل ما من شأنه التأثير على اقتصاد الدولة بالسلب فهو من أعظم الضرر وإثمه أكبر من إثم الضرر الفردى لأن ضرر الدولة يضر بكل مواطنيها، كما أن نهب المال العام هو نهب لكل المواطنين.
وعليه من لا يلتزم بدفع أجرته فى المواصلات العامة فهو إنسان خائن لدينه ولوطنه مخالف لشريعة ربه، قد عصى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وعرض نفسه للعقاب من الله سبحانه وتعالي.
ويوضح الشيخ عبد العزيز النجار مدير شئون الدعوة بمجمع البحوث الإسلامية أنه لا يجوز شرعًا أن يتهرب أى مواطن من دفع مقابل  انتقال من مكان لمكان سواء كان فى المترو أو المواصلات العامة معتبرًا ذلك نوعًا من أنواع التخريب فى المؤسسات الحكومية.
ويضيف النجار أن المبالغ البسيطة التى يدفعها المواطن تستخدمها الدولة فى دفع الرواتب والصيانة وتركيب المركبات وإصلاحها وبالتالى لا يمتنع بطريقة أو بأخرى عن دفع هذا المقابل، لأنه بامتناعه عن دفع مقابل الخدمة فهو بذلك يساهم بطريقة غير مباشرة فى ضعف موارد الدولة مؤكدًا من يفعل هذا الأمر فهو آثم وعليه أن يتوب ويدفع ما فاته من أيام استطاع فيها أن يتحايل وألا يدفع للدولة حقوقها.
الشيخ جمعة محمد على خطيب التحرير أوضح أن خدمات المترو تعود على الشعب المصرى عامة، وعندما يسرق هذا الحق يسرق من الشعب وليس الدولة لأنه مال الشعب، كما أن الحاكم يأمر الشعب بما يرضى الله وإذا خالفه الشعب فهى معصية.
وأضاف أن طاعة ولى الأمر فى القرآن فقال تعالي: قل اطيعوا الله واطيعوا الرسول.. معتبرًا أن عدم دفع تذكرة المترو حرمانية وسلب من حقوق الشعب، مشيرًا  إلى أن المال العام يعود فى بناء مستشفيات ومدارس، وإذا تكررت هذه العادة الخاطئة ستخسر ميزانية الدولة.
أما محمود طاهر أحد ركاب المترو خط الجيزة، قال إن هروب المواطنين من دفع تذكرة المترو لن يستمر طويلًا لكنه سيؤثر وقتيًا فقط على الاقتصاد الوطني.
وأضاف أنه إذا استمرت الظاهرة مع خلل أمن المترو وتواطؤهم قد يشكل كارثة اقتصادية، وتراجعًا للعمالة، وسينعش وسائل المواصلات الخاصة وسيتسبب ذلك باختناق شوارع القاهرة، مشيرًا إلى أن هذا الأمر قد يزيد من عبء أى حكومة قادمة لحل مشاكل اختناق الشوارع، وبالتالى سيؤثر ذلك سلبًا على أداء الموظفين فى الدوائر الحكومية والقطاعات الخاصة.
بينما يوضح أحمد محمد هنداوى أحد ركاب المترو خط اتجاه شبرا قائلًا: ده مش هيأثر على الاقتصاد ده هيأثر عليا أنا كمواطن مصري، لأنه يهمنعنى من سماع موسيقى هادئة فى محطات المترو وكمان سيجعل إدارة محطات المترو فى مأزق وسيجعلها تخسر الكثير.
وأضاف هنداوي: عاوزين عربيات أكتر، عاوزين تكييفات تشتغل محتاجين صيانة فى ماكينات التذاكر  ومحتاجين نطور الخط الأول، لأنه هيأثر على المترو ومش على الاقتصاد ككل فقط  ولكن هيترتب عليه بعد كده أن المترو سيصبح خردة.
سارة سعد - أبدت رأيها عن الهاربين من دفع تذاكر المترو:  «دى سفالة وقالة أدب ازاى يعنى بتهربوا ده جنيه واحد بس يعنى جت عليه خليهم يدفعوه، كمان هما لما هيتمسكوا من الأمن بدل ما كانوا يدفعوا الجنيه هيدفعوا 10 جنيه غرامة، طب وليه يعرضوا نفسهم لكده.
أحمد عبد الظاهر أبدى رأيه قائلًا «أرى ان اللى بيتهرب من تذكرة المترو حاجة من اتنين إذا كان فقيراً ولا يملك أنه يدفع تمن التذكرة، فأنا من رأيى أن الدولة والمجتمع تنظر ليه نظرة عطف، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها أما إذا كان متعمدًا فهذا شيء حرام لأن ده فلوس عام وملك كل الناس.
محمد سعيد مواطن، أوضح أن بعض المواطنين يهربون من دفع رسوم المترو ونظرًا لسوء حالتهم الاقتصادية، وهذا انعكاس واضح للأزمة الاقتصادية التى تشهدها مصر، ولكنى لا أبرر هروبهم من دفع الرسوم ولكن قبل ان نوجه اللوم عليهم يجب أن نوجه اللوم على الدولة والحكومات السابقة، وأيضًا السلطة الحالية لأنه من المفترض على الدولة أن توفر فرص عمل وترفع من الدخل الشهرى لكل فرد يعلم فى القطاع العام أو الخاص مع توفير حياة كريمة بعيدًا عن إهدار كرامة المواطن المصرى البسيط، وقمعه وانتهاك حقوقه، لأن المواطن إذا لم يحصل على حقوقه فى وطنه، لا يستطيع أن يؤدى وجباته نحو الوطن وبالتالى يجب توفير الحقوق أولا للمواطنين.