الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«انحراف حاد» رواية تراوغ قراءها




بينما لا تزال آثار روايته «منافى الرب» ماثلة فى الأذهان، وطاغية على مشهده الإبداعى الخاص، وربما مفرداته الأدبية والحياتية، صدرت للكاتب أشرف الخمايسى رواية «انحراف حاد» عن الدار المصرية اللبنانية، وهى تحمل الرقم ثلاثة فى مسيرته الروائية، وتأتى فى سياق طرحه لفكرة الموت، ومدى قدرة الإنسان على دحره والانتصار عليه، مدفوعًا بغواية البقاء وفتنة الخلود.
وتحرص الرواية على مراوغة قرائها من خلال تقاطعات الشخصيات التى تبدو بعيدة تمامًا عن بعضها بعضًا، رغم أنها جميعًا ترتبط بخيوط الحياة، سواء تلك التى تنتمى إلى ماضٍ قريبٍ، أو حاضرٍ مُعاش؛ كما تستدرج الرواية القارئ إلى عالمٍ يعجُّ بالمتناقضات والانحرافات الحادة، عبر رحلة فى سيارة «ميكروباص»، هى فى حقيقة الأمر ليست سوى تجسيدٍ للدنيا بغرورها وتنوعها، وتشخيصٍ للحياة بأفراحها وأتراحها؛ ليصل راكبوها إلى نهاية الرحلة، حيث الموت المُتسرِّب إلى شرايين الحياة، أو الحياة التى تسير مذهولة فى رِكاب الموت، وتقف حائرة أمام فتنة اقتناص الخلود.
وتدور أحداث «انحراف حاد» حول شخصية غامضة، لها فلسفتها الخاصة، وطريقتها الاستثنائية فى الغواية، تلك هى شخصية «صنع الله»، النبى الخالد الذى لا يموت، والذى يسير بنور الله لتحقيق إرادة الله فى خلقه: «أنا رسول المسيح إلى المؤمنين به.. يُخبركم أنَّه كره العذاب.. وضاق بالموت على الصَّليب.. وأحب نعمة الأمان.. ورضى بمتعة الحياة..»، هكذا يُلقى الروع فى قلوب ضحاياه؛ لإيهامهم بقدراته الخارقة، ورسالته الإلهية، وعندما يُواجَه بالمعصية وعدم الإيمان بقدراته وتهويماته، يصرخ فى ضحيته: «آمِن بمُعظِّم الله الذى منحنا الحياة.. ومُذل الدَّاعين إلى استعذاب الموت.. أنا صُنع الله.. منحنى الله نبع الخلود.. وأذن لى فى سُقيا المتنوِّرين بالعقل.. ووهبنى قلبًا من حديد.. أقسو به على كل مَن لا يؤمن بقدرته على الخلود».
هذه الشخصية التى تأتى بالمعجزات الوهمية، وتنتقل عبر الزمكان، وتراود أبطال الرواية – بمستوياتهم الاجتماعية والفكرية المتباينة – عن فكرة الخلود وقهر الموت، هى نفسها الشخصية التى تفتتح الأحداث، بعبارات وأسئلة توحى بدايةً بتخبطٍ وحيرةٍ وشكٍّ داخلي، عكس ما يظهر بعد ذلك من يقين عند مواجهة الآخرين والقبض على نقاط ضعفهم ليؤمنوا بالنبى المزعوم، وبرسالته الوهمية.
وهذا التصدير الغامض يحمل فى طياته نقيض ما يسعى إليه الكاتب، لكنه لا يتناقض مع ما تم طرحه فعليًّا؛ إذ إن الموت ينتصر فى النهاية، وينجح فى اقتناص «اللهب الضَّعيف»، الذى «يذبل وينطفئ» فى أرواح الجميع، بلا استثناء، وبلا رأفة، ويبقى الخلود «وراء الجدران» ضربًا من الوهم والضياع فى متاهاتٍ مُربكة، تُشكِّل حياة موازية لا منطقية، أشبه بالعبور من زمن إلى زمن، من خلال فكرة العوالم الموازية التى دأبت الآلة الهوليودية على طرحها فى السنوات الأخيرة، بحثًا عن جديد فى عالم بدا مُترهلًا، رافضًا الانهزام أمام قنَّاصى الخلود.
وعلى عكس التصدير المبهم، الغامض، تبدأ الرواية بلغة بسيطة لإيهام القارئ – مرة أخرى – أنه أمام نص بسيط، عادي، لن يُحمِّله عبء الدخول إلى متاهات التأويل والبحث عن مقاصد الحروف والعبارات، حيث تبدأ الرواية بحديث نفسٍ، نعرف بعد ذلك أنها «نفس» هذا الشخص الغامض، حامل لواء الغواية فى لحظات الاحتضار الأخيرة «صنع الله»، وحديث النفس هذا يُلخِّص تقريبًا ما يرمى إليه الكاتب: «البعض يقول إن الدُّنيا بسيطة، والحياة تمضى بحكاياتها المعروفة، سواء كانت حكايات مُدهشة، أو عاديَّة، النَّاس يسمعونها، أو يشاهدونها، أو يقرأونها، وفى جميع الأحوال هم أبطالها، فى النِّهاية.