الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الإسلام والآخر من الاختلاف إلى التسامح نصاً وتطبيقا




كتب : أحمد تركى

منذ عدة أيام شاهدت فيديو على يوتيوب لسيدة مسلمة محجبة فى الولايات المتحدة الأمريكية دخلت لتشترى بعض انواع الطعام والتزمت بمكانها فى الطابور المخصص لها وفوجئت عند وصولها للبائع يقول لها: أنت ارهابية لا ابيع لك شيئاً، أنت والمسلمون إرهابيون اخرجوا من بلدنا، قالت له: انا أمريكية وولدت فى أمريكا وملتزمة بالقانون والنظام العام!! قال: هذا متجرى ومن حقى أن أمتنع عن التعامل معكِ، العجيب أن معظم الحاضرين أيدوا صاحب المتجر وقليل تدخل ليذكره بالقانون الذى يفرض عليه عدم التمييز بين المواطنين.
كثيراً ما اتُهم الإسلام بأنه المسئول الأول عن الصراع فى العالم!!
سألت نفسى: من المسئول عن اظهار هذه الصورة الشائنة عن أعظم دين دعا إلى السماحة ونشرها واقعاً ونقل العرب من التوحش إلى التحضر، ومن الظلم إلى العدل، ومن الخصومة إلى العفو والإحسان؟
هل نحن جميعاً مسئولون بعجزنا عن التواصل مع شعوب قارات الأرض وعن تسويقنا لديننا وحضارتنا؟ أم الجماعات التكفيرية التى تذبح وتقتل باسم الله والله منهم براء؟ كلنا مسئولون عن صورتنا التى تروجها الآلة الاعلامية الضخمة على مستوى العالم
الطامة الكبرى أن من بيننا من يقتنع بهذه الافتراءات ويعلن أن الاسلام فيه ما يحض على القتل والعنف!! والحقيقة أن ما يحدث باسم الاسلام من جماعات داعش وبوكو حرام والاخوان وغيرهم يمثل أيديولوجياتهم السياسية ويلصقونه بالاسلام زوراً وبهتانا.
رأيت من واجبى فى هذا المقال أن أطرح بعض الحقائق فى هذا الشأن انطلاقا من القرآن والسنة وتاريخ المسلمين النظيف ليستيقن الجميع أن القتل الأهوج والتكفير السياسى والجرائم التى تُرتكب باسم الاسلام لم تكن يوما بضاعتنا أو لها أصل فى دين الله الحنيف.
لقد بيّن الإسلام أن الاختلاف بين الجنس البشرى إرادة إلهية وسنة ربانية لا تتبدل ولا تتغير، عبر العصور والدهور من لدن آدم وحواء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وهذا الاختلاف لم يقدره الله فى جانب واحد دون بقية الجوانب ولكن قدره على كل المستويات والمواهب البشرية، على مستوى اللغات والثقافات والعقول والحضارات والأخلاق والأديان.
قال الله تعالى: (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن فى ذلك لآيات للعالمين) الروم: ٢٢
(ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، إلا ما رحم ربك ولذلك خلقهم ) هود: 118، 119.
 فالإسلام لا يرى فى الاختلاف مذمة، ولا يجعل منه مصيبة كما يصوره البعض، بالعكس! يجعله مصدراً للثراء ومنبعاً للرحمة وسلوكاً لرفع الحرج، ويدفع الناس إلى الحوار الذى يُعمل العقل ويهدف إلى الحق ويصل إلى عقول الآخرين على قاعدة «أعقل الناس من جمع عقول الناس إلى عقله»، لأن الحقيقة دائماً يتوزع نورها على عقول البشر، ومن أرادها فعليه أن يصل إلى عقول الناس وقلوبهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحكمة ضالة المؤمن، أيما وجدها فهو أحق بها).
واذا كان البعض يتعامل مع المختلف معه بعقلية الصراع ومن ثم يتصادم معه صدام القتل والحرب والدمار!، فإن الإسلام له منهجٌ واضح يأخذ هذا الإنسان الجهول من دائرة الاختلاف فى العقيدة واللغة والتفكير والرؤى،إلى دائرة الحوار الهادف الدافع للوصول إلى الحق والحقيقة اينما وجدت، على أساس أن المتفق عليه اكبر بكثير من المختلف فيه، والجوانب الانسانية هى الوقود والأرضية المشتركة التى ينطلق منها المختلفون نحو الحق المطلق والحقيقة الواضحة، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر من يتجهل عليه من الأعراب أو أهل الكتاب بالقواسم الإنسانية المشتركة، أو الأخوة فى العروبة فيقول: يا أخا العرب!! وهذا الأسلوب استخدمه القرآن عندما نادى الإنسان والناس عامة فى كثير من سور القرآن الكريم، فأنزل الله فى كتابه العزيز سورة كاملة سماها سورة الإنسان، وفى كثير من الآيات يذكر الناس بالقواسم الانسانية بين البشر كقوله تعالى: (يا أيهاالناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات: ١٣.
ويمكن تلخيص منهج الإسلام فى جملة واحدة هى: (اختلاف فحوار فتعارف فتسامح فتعايش وسلم اجتماعى).
أما منهج الصراع فهو (اختلاف فصراع فقتال فظلم واستبداد اجتماعى مع كراهية وحقد اجتماعى، والبقاء للأقوى).
وكان تسامح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع وفد نصارى نجران الذى وفد عليه فى مسجده فى أهم حوار عقدى بين رسول الله وأحبار النصارى فى الجزيرة العربية قدوة لكل المسلمين وأهل الكتاب إلى يوم القيامة، وأساس سار عليه خلفاؤه الراشدون رضى الله عنهم ومن نهج طريقهم إلى يوم الدين.
«قال ابن إسحق: وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران بالمدينة، فحدثنى محمد بن جعفر بن الزبير، قال: لما قدم وفد نجران على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخلوا عليه مسجده بعد العصر، فحانت صلاتهم، فقاموا يصلون فى مسجده، فأراد الناس منعهم، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ «دعوهم» فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم.»  (زاد المعاد فى هدى خير العباد لابن قيم الجوزية، ج٣،ص ٦٢٩ طبعة مؤسسة الرسالة).
بهذا التسامح فتح الله لرسول الله قلوب العباد وأبواب البلاد فانتشر الإسلام فى كل ربوع الأرض بالدعوة وحدها وليس بالسيف والصراع والاشتباك مع خلق الله بدافع التشفى الأهوج كما يفعل البعض الآن.