الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

نصيحة العقاد للويس عوض دكتوراه فى نداء باعة الشوارع!




كتب : رشاد كامل

عندما كتب الدكتور لويس عوض ذكرياته «أوراق العمر: سنوات التكوين» عام 1989 كتب فصلا مهما وبديعا عنوانه «العمالقة الثلاثة» د.طه حسين وعباس العقاد وسلامة موسى، وهو درس بليغ له دلالته!
يقول د.لويس عوض أنه بمجرد خصومة إلى القاهرة للالتحاق بكلية الأداب اتصل تليفونيا بالدكتور طه حسين «عميد كلية الآداب وقتها» وكذلك «العقاد» لزيارتهما وهو ما حدث بالفعل بكل بساطة، ووجد من كل منهما الترحيب اللائق.
ويصف د.لويس عوض بأن العقاد كان باشا معه ولم يبخل عليه بعلمه وتعليقاته واستمر اللقاء حوالى ساعتين!! ودعاه العقاد لحضور صالونه كل يوم جمعة وبدأ د.لويس عوض فى التردد على صالون العقاد حتى نهاية سنة 1933  ثم انشغل عنه بالجامعة فكان يزوره على فترات متفاوته ويقول «ولم أحول أن أطلب من العقاد أن يساعدنى مع الجرائد والمجلات لاعتقادى أن الكفاءة أو الفضيلة لا تحتاج إلى واسطة أو إعلان».
ويؤكد د.لويس: وكنت فى صالون العقاد مستمعا جيدا لا أشارك برأى أو كلام وربما سألت سؤالا من حين لآخر، وقد ظللت على خشوعى أمام عبقرية العقاد حتى صيف 1937 حيث حدث شىء جعلنى أراجع بعض أفكارى عنه، فحين قررت الجامعة إيفادى فى بعثة إلى «كامبردج» للبحث فى الأدب الانجليزى توطئة لقيامى بالتدريس فيها عند عودتى قررت أن أزور العقاد قبل سفرى من باب الأدب لابلاغه بهذا التطور المهم فى حياتى، ولطلب النصح منه بشأن دراستى المتخصصة هذه!!
قلت للعقاد: إن الموضوع الذى قبلت جامعة كامبردج تسجيله لدرجة الدكتوراه هو «تقاليد التعبير الشعرى فى الأدبين الإنجليزى والفرنسى» حول  لغة الشعر!!
وإذا بالعقاد  ينفجر فى سيل من السخرية المريرة التى سببت لى ألما شديدا وقال: ولماذا تضيعون الوقت على هذه الموضوعات المنعزلة عن الحياة؟ لماذا لا تكتب رسالة فى موضوع: نداء الباعة فى الشارع؟ إن نداء الباعة فيه دلالات تعرف منها خصائص كل أمة يجب أن تكون الأبحاث الجامعية أقرب إلى الحياة الواقعية!
وحملقت فيه دهشة لأنى لم أتصور أنه كان جادا فى كلامه وحسبته يسخر منى ومع ذلك فقد وجدته يتكلم فى جدية مطلقة، ولم أدر ماذا أقول  فذكرته فى أدب أن الجامعة تعدنى لأكون مدرسا للأدب  الإنجليزى فلابد أن تكون أبحاثى كلها متصلة بالأدب الإنجليزى! فأخذ ـ العقاد ـ يهاجم الجامعة والجامعيين ويتهمهم بالانفصال عن الحياة!
ولم أفهم مبررا لهذه الحملة علىالجامعة والجامعيين فى غير مناسبة فأزداد استيائى وازدادت حيرتى، ووجدت من العبث أن أجادل العقاد فى شىء من ذلك فأنصرفت كأسف البال، كان ذلك فى سبتمبر سنة 1937.
وكنت أعلم أن العقاد كان لا يحمل حبا كثيراً للجامعة والجامعيين، وكنا نعزو غضبه على الجامعة إلى أنه لم يكن يحمل إلا الشهادة الابتدائية ولعله كان يتمنى أو ربما حاول أن يكون استاذا فى الجامعة ولو بالانتداب ولكن التشدد الجامعى المعروف فى المؤهلات الشكلية حال دون ذلك!
ويعترف د.لويس عوض: كان ما برأس العقاد من علم يربو على علم خمسة أساتذة مجتمعين من تخصصات مختلفة!
وعندما كان د.لويس عوض يدون مذكراته تذكر ذلك وقال: لازلت فى حيرة تامة من أخر كلمات العقاد فنحن دائما نسخر من الأكاديميين لمغالاتهم فى الاهتمام بالجزئيات العقيمة فى دراساتهم فنقول مثلا إن هذا الاستاذ قضى أربع سنوات ليضع كتابا عن استعمال الفصلة فى إنجليزية لعصور الوسطى، ولكننا لا نطلب أبدا من طالب الأدب الإنجليزى أن يدرس علاقة نداء ورور يا فجل بالمجتمع!!
وأخيراً يقول: ورغم كثرة اعتراضاتى على العقاد فيما بعد لا أذكر أنى هاجمته فى شىء مما كتبت وفاء منى للرجل الذى بلور احساسنا الوطنى وعقيدتنا الوطنية وبغضنا لاستبداد الملوك والوزراء ونحن بعد على أعتاب الشباب».
انتهى الدرس البليغ بين الأستاذ والتلميذ!!