الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الوطن والأمة والولاء فى الإسلام




تحقيق - محمد فؤاد

الوطن والأمة مفهومان تعبران عن الولاء لمكان المعيشة كالدولة وللعقيدة التى يشترك فيها شعوب ودول مختلفة واهتمت الشرائع السماوية بكليهما فحثت على حب الأوطان والدفاع عنها والولاء لها كما أن الإسلام أكد على انتماء كل المؤمنين به إلى أمة واحدة تجمعهم فى قالب مترابط، واختلف الفقهاء حول مفهوم الأمة والوطن وطبيعة الولاء لكل منهما والفرق بينهما، حيث أكد البعض وجوب الانتماء للوطن واعتبار الولاء له عبادة لله وحده بينما آخرون أوضحوا أن الأمة هى الجامع وهى التى تربط المؤمنين فى جميع بقاع الأرض بينما مفهوم المواطنة ضيق وهى فى حقيقتها دعوة إلى العلمانية.

وعن المواطنة والأمة والفرق بينهما وعناصرهما وحكم الإسلام، أكد همام المناصرى الداعية السلفي أن المحبة للأوطان والانتماء للأمة أمر غريزى وطبيعة طبع الله النفوس عليها، وحين يولد الإنسان فى أرض وينشأ فيها فيشرب ماءها ويتنفس هواءها ويحيا بين أهلها فإن فطرته تربطه بها فيحبها ويواليها، ويكفى لجرح مشاعر أى إنسان أن تشير بأنه لا وطن له.. وقد اقترن حب الأرض بحب النفس فى القرآن الكريم.. فقال تعالى (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اُقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ أَوْ اُخْرُجُوا مِنْ دِيَاركُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُمْ…)
ولما كان الخروج من الوطن قاسيًا على النفس فقد كان من فضائل المهاجرين أنهم ضحوا بأوطانهم هجرةً فى سبيل الله.. وفى سنن الترمذى بإسناد صحيح عن عبد الله بن عدى بن حراء قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عن مكة.
«إنكِ لخيرُ أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أنى أُخرِجت منك ما خرجت»، قال العينى ابتلى الله نبيه بفراق الوطن “ولما علم النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه سيبقى مهاجرًا دعا بتحبيب المدينة إليه كما فى الصحيحين وفى صحيح البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته وقال ابن حجر رحمه الله «فيها دلالة على فضل المدينة، وعلى حب الوطن والحنين إليه».
وأشار المناصرى أنه رغم هذا فإننا نجد أن مفهوم المواطنة ضيق ومحدود حيث يتقيد بالوطن وينحصر فى الأفراد الذين يسكنونه؛ ومعانيها ودلالاتها تختلف من بلد إلى آخر، وتنحصر فى الحدود الجغرافية لكل وطن، فليس لها صفة العموم والشيوع، فالإنسان لا يعامل معاملة (المواطن) ولا يتمتع بحقوق المواطنة إلا داخل حدود دولة يحمل جنسيتها حتى لو عاش أغلب حياته خارج حدودها، بينما الإنسان الذى لا يحمل جنسية دولة ما لا يتمتع بحقوق المواطنة فيها وإن جلس عشرات السنين، أو قضى عمره كله فيها يعطيها من فكره وعقله وجهده.
وتابع المناصرى حديثه أن المواطنة بالنسبة للمسلمين تمثل دعوة إلى التقوقع، فيكون هناك ولاء من (المواطن) لوطنه يلتزم بقوانينه ويدافع عنه، ولا يتعدَّى ذلك إلى محيطه الأوسع وأمته المترامية الأطراف و نجد أن الرابطة التى تربط المسلمين بعضهم ببعض فى مشارق الأرض ومغاربها هى رابطة الإيمان المتجسدة فى الأمة الواحدة، وليست رابطة المواطنة القائمة على أساس الوطن قال الله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)وقال تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ).
والأمة هى خطاب للمسلمين على امتداد الزمان والمكان، حيث إن الأمة الإسلامية يتساوى فيها جميع المسلمين فى الحقوق والواجبات، تسودهم روح التعاون لا العداء، وتربطهم المحبة لا البغضاء، ولا يفخر فيها أحد على أحد، فالناس شعوب وجماعات متفرقة، ومن بين هذه الجماعات تكونت الأمة الإسلامية ممن دخلوا فى دين الإسلام، فكانوا أمة وسطاً دون تعصب لجنس أو عرق أو وطن.
وقال د.يحيى إسماعيل أستاذ الحديث بالأزهر: إن الموالاة فى الاسلام تعنى المحبة والنصرة والاتباع بالقول أو الفعل، قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}، «ويجب على كلّ مسلم يدين بهذه العقيدة أن يوالى أهلها ويعادى أعداءها، فيحب أهل التوحيد والإخلاص ويواليهم، ويعادى اعداء الوطن.
وأضاف أن الولاء والبراء لهما حدود، فما نقص عن حدود الولاء المطلوب فهو تفريط، وما زاد على حدود الولاء المشروع فهو غلوٌ مذموم،و قد نهى الله سبحانه وتعالى عن موالاة أعدائه من اليهود والنصارى والمشركين فى مواضع كثيرة من القرآن، ومعاداة من يعادون الوطن.
أما الشيخ حمدى قدوسه نقيب الأئمة بالقليوبية فيقول إن هناك فرقا كبيرا بين الأمة والوطن موضحاً أن الوطن يعنى مكان الميلاد والنشأة والتعايش وعنى به الإسلام عناية كبيرة فحث أبناءه على حق الجار وأكد على ذلك.
وأضاف أن مفهوم الحاكم ورئيس الدولة فى السياسة الشرعية فى الإسلام هو فرد عادى من الأفراد؛ لا يمتاز على أحد منهم إلا بثقل المسئولية وعظيم الالتزام بحفظ الحقوق وبأداء الواجبات تجاه الأمة.
وفى السياق نفسه أكد الشيخ أحمد البهى رئيس حركة أمة بلا قيود ونقيب أئمة الاسكندرية أن الإسلام يوصينا بالتعايش مع كل الديانات، مشيرا إلى أن لهذا التعايش والتعامل آيات كثيرة فى القرآن فقال سبحانه «لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنو اليهود والذين أشركوا ولتجدن اقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون».
وأضاف أن النفى عن الوطن عقاب فى حد الحرابة لأن الوطن فيه الأمان والاطمئنان على النفس والأهل والمال لكن إذا خرج عن حدود الأمان فلا وطن لقوله تعالي». إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى انفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تك أرض الله واسعة فتهاجروا فيها.
ويقول الدكتور اسلام عبد الوهاب استاذ الحديث وعلوم القرآن إن الواجب على كل مسلم أن ينصح الحاكم، ولكن بالحسنى، وليس بالطريقة الهمجية التى يستخدمها البعض، فلو لم تكن النصيحة بالحسنى فإنه انتقاص، من شأنه أن يقلل من هيبة الرئيس أو ولى الأمر، ويضيع الشرع والأمن، وقد يتمرَّد عليهم الناس، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم (مَن أراد أن ينصح لسلطان بأمرٍ، فلا يُبدِ له علانية، ولكن ليأخذ بيده فيخلو به، فإن قبِل منه فذاك، وإلا كان قد أدَّى الذى عليه له))، وعلى كل مسلم أن يضبط نفسه، وأن يعرف العواقب وراء هذا الكلام الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع، فالنتيجة الوحيدة وراء ذلك هى الفوضى، وهذا ما يريده أعداؤنا، وكما قيل: (ليستِ العبرةُ بالثورة، ولا بالانفعال، بل العبرة بالحكمة)، وقال بعض العلماء: «لا يزال الناس بخيرٍ ما عظَّموا السلطان والعلماء، فإن عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإن استخفُّوا بهذين أفسدوا دنياهم وأخراهم.
وأشار عبد الوهاب أن التعامل مع الحاكم يكون بشروط وحدود لا يجوز تعدِّيَها هكذا أمرنا الإسلام، فقد أصبحت المادة الإعلامية عن الحكَّام مستباحة، لذلك نضع حدودًا للتعامل مع الحاكم، ليست من عندنا ولكن من إسلامنا، حدَّدها الشرع بضوابط ثبتت عن النبى - صلى الله عليه وسلم - وأخرى ثبتت عن الصحابة وكبار العلماء.
وتابع عبدالوهاب بأنه لا بدَّ أن نعرف أن وليَّ الأمر إن كان أميرًا أو ملكًا أو رئيسًا، له مكانة عالية، ومنزلة رفيعة، منحها الله - تعالى - له؛ ليتناسب قدرُهم مع علوِّ وظيفتهم، ورفيع منصبهم، وعظم مسئوليتهم، وقال العلماء «الإمامة موضوعة لخلافة النبوة فى حراسة الدين وسياسة الدنيا».
وقال إن احترام الحاكم إنما هى الحكمة لأن فيها المصلحة العليا للمسلمين، ولو لم يعطِ الله السلطانَ كلَّ هذه الرفعة والعظمة لامتهنه الناسُ واحتقروه ولم يُطِيعوه، وبذلك تفسد الدولة، وتَحدُث الفتن، وتفوت المصلحة، وقال معاذ بن جبل - رضى الله عنه «الأمير من أمر الله عز وجل فمَن طعن فى الأمير، فإنما يطعن فى أمر الله عز وجل».
وفى السياق ذاته يقول الدكتور محمد الدسوقى أستاذ الدراسات العليا قسم الشريعة كلية دار العلوم جامعة القاهرة إن الإسلام جاء لبناء أمة وإنشاء دولة وإقامة مجتمع رائد وقائد فى شتى المجالات. ولاتبنى الأمم أو تنشأ الدول، وتقام المجتمعات إلا بالمبادئ والقيم الصالحة للحياة. والإسلام وهو دين الله إلى الناس كافة قرر إقامة التشريعات والفرائض التى تبنى المجتمع الجدير بالرّيادة، وقيادة البشرية نحو المثل العليا والغايات النبيلة.ومن يستقرئ ما قرره الإسلام من تشريعات ومبادئ ينتهى إلى أن أهم الدعائم التى تنهض عليها الامه الإسلامية هي التوحيد والوحدة، والمساواة، والحرية، والإيجابية والتوازن، والتكافل، والفضيلة، والعدالة، والقوة.
واعتبر الدسوقى دعامة التوحيد أساس كل الدعائم التى تميز المجتمع الإسلامى عن سائر المجتمعات. والتوحيد فى مدلوله العام يعنى إخلاص السلوك البشرى لله وحده، فلا يعنى التوحيد الإيمان بأن الله واحد أحد فرد صمد فحسب، ولكنه إلى جانب هذا يعنى التوجه إليه سبحانه بكل عمل يزاوله الإنسان، ومن ثم لا يخشى غير خالقه، ولا يريد بما يأتى ويذر من الأقوال والأفعال غير مرضاة ربه، وبذلك يتمتع بطاقة إيمانية تمنعه من أن يذل لبشر، أو يرضى بدنيّة، أو يقصر فى عمل، فمجتمع التوحيد إذن مجتمع العزة والحرية والكرامة والإحسان فى كل شيء، مجتمع تسوده القيم التى تجعل منه النموذج الأمثل، والقدوة الحسنة فى القول والفعل.
وآفة الآفات فى المجتمعات المعاصرة أنها تخلت بصورة عملية عن مبدأ التوحيد، فشاعت فيها مظاهر الوثنية المختلفة من عبودية المادة والسلطة، ومن عبودية الإنسان لأخيه الإنسان، فلم يعد السلوك البشرى خالصًا لله وحده، ولم تعد الخشية منه سبحانه هى التى تحكم هذا السلوك، وتنأى به عن مواطن الرياء والنفاق والختل، ومن هنا كثرت مشكلات تلك المجتمعات وأمراضها المادية والمعنوية، وزايلها شعور الاطمئنان والأمان، واستبد الخوف والقلق بالجميع، على الرغم مما ينعم به الناس من منجزات حضارية خلابة.
وفى نفس السياق قال محمد الشريف الداعية السلفى إن لفظ المواطنة لغةً مأخوذ من مادة «وطن»، لكن ليس على المعنى المصطلح عليه، وفى (لسان العرب)» لوطن المنزل تقيم به وهو موطن الإنسان ومحله، والجمع أوطان، وأوطان الغنم والبقر: مرابضها وأماكنها التى تأوى إليها.
وعناصر المواطنة من هذه المنقولات وما يشبهها نجد أنها عند الآخذين بها تشتمل على عدة عناصر وهى علاقة قانونية بين فرد (مواطن) ودولة. وأساسها الاشتراك فى وطن واحد. ووجود حقوق وواجبات متبادلة بين الفرد والدولة. والوطن مصدر الحقوق والواجبات ولا شيء غيره. والمساواة بين الأفراد (المواطنين) جميعهم على قاعدة الاشتراك فى الوطن. وخضوع (المواطن) لأنظمة المجتمع والتقيد بها.واستبعاد الدين من هذه العلاقة القانونية استبعاداً مقصوداً.
ويتبيَّن من ذلك أن الدعوة إلى المواطنة هى فى حقيقتها دعوة إلى العَلْمانية ولكن بمصطلح جديد.
وأضاف الشريف عن الامه الرابطة التى تربط المسلمين بعضهم ببعض فى مشارق الأرض ومغاربها هى رابطة الإيمان المتجسدة فى الأمة الواحدة، وليست رابطة المواطنة القائمة على أساس الوطن، فقد دلَّ الكثير من النصوص الشرعية التى تصل دلالتها إلى درجة القطع على أن رابطة الإيمان هى التى تربط بين المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها، وأن كل ما عارض هذه الرابطة فهو مطروح؛ بغضِّ النظر عن الاسم الذى يأخذه؛ سواء كان مواطنة أو وطنية أو غير ذلك.
وقال إن لفظ الأمة يحمل العديد من المعانى اللغوية؛ كقولهم للجماعة والقرن من الناس والصِّنف منهم وغَيرهم: أمَّة، وللحين من الزمان: أمَّة، وللرجل المتعبِّد المطيع لله: أمَّة، وللدين والملة والطريقة والمنهاج: أمَّة، فمن ذلك قوله - تعالى - فى جماعة الناس: {وَلَـمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ}.
وفى المقابل أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن الأمم والشعوب التى يتقدم فيها أهل الولاء على أهل الكفاءة لا يمكن أن تنهض من كبوتها أو عثرتها أو تشق طريقها نحو التقدم والازدهار، وأنه لا يمكن اعتماد النزاهة دون الكفاءة ولا الكفاءة دون النزاهة، لأن القيادة تتطلب توفر الوصفين معًا، يقول الحق سبحانه على لسان يوسف (عليه السلام): «قَالَ اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ»، ويقول سبحانه وتعالى على لسان ابنة شعيب (عليه السلام) فى شأن موسى (عليه السلام): «يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ». وأضاف وزير الأوقاف فى بيان له أن أهل العلم يؤكدون على ضرورة توفر الكفاءة والكفاية للقيام بالمهام القيادية إضافة إلى توفر سائر شروط العدالة والنزاهة والشفافية، وهو عين ما جاء فى كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية فى العيد الذهبى للرقابة الإدارية مما يجعلنا نطمئن أننا مقدمون على إصلاح حقيقى وعدالة اجتماعية حقيقية وشاملة، لأن من أهم معانى هذه العدالة تكافؤ الحصول على الفرص، وتقديم الأكفأ على غيره فى وطن ومواطنه على أرض مصر.