الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

صفوت الشريف يغتال روبن وليامز




حينما أراد «عباس  بن فرناس» أن يطير بجناحين فسقط ولقى حتفه انشغل الغربيون بالبحث عن إجابة عن سؤال هل يستطيع الإنسان مستقبلا أن يطير بإضافة تطويرات على فكرة «عباس».. أم لا؟.. بينما انشغلنا نحن هنا فى الشرق بالبحث عن إجابة عن سؤال هل مات «عباس» كافراً أم شهيداً.
تذكرت ذلك وأنا أتابع تداعيات انتحار الممثل الكوميدى العالمى «روبن ويليامز» ففور حدوث الواقعة أعلن أن المرجح انتحاره وحينما تأكد أنه شنق نفسه انخرط الأطباء النفسيون وعلماء الاجتماع والمحللون فى البحث عن أسباب الانتحار التى تركزت فى إصابته بالاكتئاب وتردده فى الفترة الأخيرة على مراكز علاج الإدمان.. ثم حسب ما أرودته بعض المصادر المتصلة بوسائل الإعلام الغربية ظهر احتمال إصابة الفنان الشهير بداء «باركنسون» بعد أن اعترفت أرملته مؤخرا فى بيان أصدرته بأنها وزوجها أخفيا سر إصابته بهذا الداء الذى يؤدى إلى الخرف وإلى تغيرات حادة فى المزاج تزيد من خطر الانتحار.. وهو مرض نادر يصيب سنويا نحو ثمانية أشخاص من كل مائة ألف يصادف  كثيرا أن يكونوا من المشاهير ولذلك فقد سمى بداء المشاهير.
المهم سواء كان «وليامز» مصابا بالاكتئاب بسبب تداعيات الإدمان أم كان مصابا بداء باركنسون.. أو الاثنين معا فإنه لو كان مصريا لتمت إشاعة أنه قتل.. وأغلب الظن أن يكون المحرض على قتله هو «صفوت الشريف».. الذى قيل إنه طارد «سعاد حسنى» فى «لندن» حتى اسقطها من شرفة شقتها خوفا من نشرها لمذكراتها التى تحوى الكثير من الأسرار الشائنة التى توصم رءوس النظام وعلى رأسهم «صفوت» بالفساد المالى والأخلاقى بصفته شريكا مهما فى قضية فساد المخابرات والتى حوكم بموجبها وحكم عليه فيها بالسجن عاما.
أثبتت التحقيقات أيضا أن أرملة «روبن ويليامز» لم تره فى الليلة السابقة على انتحاره.. فقد عادت من عملها متأخرة ليلا.. واتجهت إلى حجرتها بالمنزل فورا دون أن تمر على غرفته لتلقى عليه تحية المساء ويتبين لنا أن لكل منهما حجرة نوم منفصلة.. ثم إنها استيقظت فى اليوم التالى وأسرعت مهرولة خارجة من المنزل لتلحق بعملها.. دون أن تمر عليه أيضا وتلقى عليه تحية الصباح.. ثم فوجئت بانتحاره ولم تعلم ذلك إلا فى الظهيرة.
عاش روبن إذا فى الفترة الأخيرة يعانى من الاحساس القاتل بالوحدة والغربة وفقدان التواصل مع الآخرين وكان من شأن الغربة والصمت أن انعكسا على الفنان المرهف المكتئب إحساسا بالألم الوجودى.. «ولا جدوى» الحياة القائمة على «اللا هدف» وعلى سوء التفاهم بين البشر وأنها فى النهاية تعتبر سقوطا فى العدم وباطل الأباطيل، الكل باطل وقبض الريح.. وتبدو المفارقة القاسية فى أن الفنان الذى يملأ الدنيا والبلاتوهات ضحكا وصخبا وضجيجا ومرحا وبهجة وحركة وحياة.. حينما تنطفئ الأضواء تسكنه الوحدة ويسيطر عليه الشعور بالاغتراب.. فمن يضحك الدنيا كلها ينتزع أوسكار يبكى قلبه اكتئابا.. لا يعرف مصدره.. فتتحول السخرية إلى حبل مشنقة.. ذلك على الرغم من أن لسانه ينطق بالحكمة على لسان شخصية درامية فى فيلم جمعية الشعراء جسد فيها دور مدرس ينصح طلابه قائلا «عش اللحظة».. فالحياة أبيات من الشعر.. فما البيت الذى تسطره؟!
المهم أنه ما أن ثبت انتحار «روبن وليامز» حتى سلم الجميع بذلك واسدل الستار حول ملابسات رحيله ولم يثر اللغو الذى صاحب رحيل «سعاد حسنى» فرغم أن المحكمة البريطانية أكدت انتحارها منذ أكثر من أربعة عشر عاما.. إلا أننا طوال هذه الأعوام ونحن نعانى من انفتاح شهية النمامين ومسارعة الفضوليين  إلى دس أنوفهم.. وتبارى الادعياء وفاقدى الموهبة فى الاستبطان والتفسير والاستنتاج.. وتحول الجميع إلى محققين وقضاة ومحامين وتحولت السندريلا إلى مادة مثيرة يتسابق ذو الجلود السميكة والمشاعر الغليظة إلى وليمة أكل لحمها الحى.
إن الذين يتدافعون بالمناكب فى المواكب الجنائزية يرتدون النظارات الشمسية والأقنعة، ويتخذون الأوضاع المناسبة للتصوير.. ويجهشون فى بكاء شفيف يمزق نياط القلب.. ويتنافسون فى سباق محموم فى سرد مناقب الفقيدة الغالية ومآثرها فى أحاديث صحفية وتليفزيوية حزينة مبللة بدموع الحسرة والالتياع، ويبادرون بادعاء فى اتخاذ مواقف عنترية بعضهم اتهم المسئولين بالجحود لعدم رعايتهم «أخت القمر» ولاموا الحكومة على تقصيرها فى حق علاجها.. لاكوا بألسنتهم تفاصيل لأيامها البائسة فى مدينة الضباب.. وحينما تسألهم وأين كانت أياديكم أنتم الكريمة.. فماذا يقولون؟!
اتهموا المضيفة مع أنهم يدركون جيدا أن اكتئاب الشريدة الضائعة فى براثن الوحدة والغربة والتجاهل والافلاس والمرض.. هو القاتل الحقيقى.. وأن الجحود والنكران والخيانة هم المجرمون الذين يسيرون فى جنازة الضحية.. أما فيما يتصل  بواقعة الانتحار فإنهم يستنكرونها أيضا.. كما تستنكرها أسرتها بدافع من واقع دينى يحرم قتل النفس التى خلقها الله سبحانه وتعالي.. ويغفلون أنه تم تحت تأثير مرض الاكتئاب اللعين الذى يصبح فيه المريض غير مسئول عن فعلته التى أوصله إليها أصحاب القلوب الغليظة والضمائر المتحجرة.
إن حجم المعاناة التى عاشتها سعاد فى عاصمة الضباب كانت قاسية إلى درجة من الصعب احتمالها.
لقد ماتت «سعاد حسنى» منتحرة.. مثلما مات «روبن ويليامز» منتحرا تحت تأثير مرض الاكتئاب «الأعمى» الذى لا يفرق بين النجوم وعابرى السبيل.. والأغنياء والفقراء.. والمشاهير والمغمورين.. والناجحين.. والفاشلين.. والرجال والنساء.. والمصريين.. والأمريكيين.