الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سعد زغلول وعيوب الصحافة المصرية!




أظن أنك لم تسمع باسم «محمد كامل سليم» من قبل!!
باختصار كان هذا الرجل «سكرتير سعد زغلول الخاص» لمدة خمس سنوات ثم أصبح «رئيسا للإدارة التشريعية بمجلس النواب» وهو صاحب أهم كتاب عن ثورة 1919 وسعد زغلول صدر فى ثلاثة أجزاء مجموع صفحاتها ستمائة وعشرين صفحة صدر عام 1976 عن مؤسسة أخبار اليوم.
كل ما يخطر على بالك من أسرار وحكايات واعترافات مع وعن «سعد زغلول» سوف تجدها فى هذه الأجزاء الثلاثة التى كتب مقدمتها أستاذنا «مصطفى أمين».
ومن وسط آلاف التفاصيل استوقفنى حوار ممتع بين الزعيم وسكرتيره حول الصحافة تحت عنوان «رأى سعد فى الصحافة» قال سعد لسكرتيره: إن مستوى الصحافة فى مصر لم يصل بعد إلى الرضا والاطمئنان وأبرز العيوب التى أراها فيها:
1- إن بعض الصحفيين لا يمتازون بثقافة عالية ولا هم متخصصون فى موضوعات معينة ولكنهم كتاب يجيدون اللغة العربية إلى حد ما ويعتمدون على ذكائهم أكثر من اعتمادهم على علمهم عندما يكتبون والأصل فى الكاتب أن يكون أستاذ القارئ ينوره ويوجهه ويرشده وما الأستاذ هنا بخير من التلميذ.
2- وبعض الصحفيين يميلون إلى السرعة فى الكتابة ولا يخفى هذا العيب على كل من له دراية بالأساليب وفن الكتابة فهو يتبين هذه السرعة فى كل سطر يطالعه لهم وكأنهم يعتبرون هذه السرعة دليلا على الذكاء والمهارة والثقة بالنفس ويعتبرون الإبطاء دليلا على الغباء والجهل وعدم المران وهذا ضلال كبير إذ عيب السرعة أنها تنتج كلاما عاما وكتابة فيها أقل ما يمكن من المعانى فى أكثر ما يمكن من الألفاظ، وأفكارها سطحية مهوشة لا عمق فيها ولا تركيز ولا يستفيد منها القارئ شيئا يؤثر فى فكره تأثيرا حميدا أو مفيدا وبعض رؤساء التحرير وكتاب الصحف يفاخرون بأنهم يكتبون مقالاتهم فى دقائق معدودات.
أخبرنى «مصطفى النحاس» أن أمين الرافعى «رئيس تحرير الأخبار وقتها» يكتب مقاله الافتتاحى كل يوم فى ربع ساعة وحوله ضيوفه وزائروه يتحدثون بأصوات عالية ويحادثهم ويحادثونه فى أثناء الكتابة، ولا يعوقه هذا عن عمله والفراغ من مقاله الافتتاحى فى سرعة عجيبة تلفت الأنظار، وقد سألت النحاس: هل أنت تمدحه أو تذمه؟! فقال: بل أمدحه وأعجب به فقلت له: بل أنت تذمه أبشع  الذم، إذ كيف يستطيع إنسان أن يفكر ويحدد معانيه فى تسلسل منطقى سليم ويختار الألفاظ المناسبة التى يجب أن يزنها بميزان الذهب حتى يقنع القارئ ويحظى بإعجابه؟! كيف يمكنه أن يفعل ذلك وهو لا يحصر ذهنه فيما يكتب، ويظل موزعا بين ما يكتب وما يسمع وفى وسط الضوضاء؟!
3- ولفيف من الصحفيين يميلون إلى النقد، والنقد أسهل أنواع الكتابة والكلام إذ ما على الفرد إلا أن يرى عيبا أو ما يظنه عيبا فى موضوع أو مشروع أو إنسان وما أكثر العيوب ومظاهر العيوب حتى ينحنى عليه فى سرعة فائقة وينهال عليه تشنيعا وتجريحا ويثخن صاحب العيب ذما وشتما وسبابا، والصحفى المصرى فى هذا الميدان لا يجارى ولا يبارى.
4- ومع ميل الصحفيين إلى النقد، فإنهم يجهلون فن النقد، والنقد نوعان: نوع مفيد  صالح ولابد منه وهو الانتقاد الموضوعى البناء، ونوع ضار فاسد ولا خير فيه وهو الانتقاد العاطفى الشخصى الهدام، بعض الصحفيين يميلون إلى هذا النوع الثانى من النقد ويمارسونه على الدوام، لأنه نقد سهل ورخيص ولا يحتاج إلى علم أو دراية ذلك لأن السب والشتم والقدح والبذاءة والتشنيع والتجريح ليس فى الكتب والمجلدات، وإنما هى تنبع من النفس المصابة بمركب النقص والمريضة بالغيظ والحقد وشهوة الانتقام والكلمات تنهمر كالمطر فى خدمة هذه الحالات وهذا يتفق مع السرعة التى يحبونها ولا يستغنون عنها، وبهذا يسودون الصفحات الطول ويعتبرون أنفسهم كتابا بارعين وصحفيين مطبوعين وهذا الوعى الذى صنعونه لا خير فيه على الإطلاق، ولا فائدة منه على التحقيق إذ ليس فيه غذاء للعقل وليس فيه تهذيب وتنوير.
أما النوع الأول من النقد وهو النوع المفيد الصالح فهم لا يعرفونه أو لعلهم يعرفونه ولا يميلون إليه لنقص ثقافتهم وعجزهم وقصورهم ذلك لأنه نقد يستلزم الأسلوب الهادئ العف المهذب الذى يتناول الموضوع وحده فيبين مزاياه أولا ويعلق عليها بكلمة تقدير، ثم يتناول العيوب والنقائص فيبين ما فيها من خطأ أو أضرار، ويقترح فى الوقت عينه علاجها وإصلاحها ويحدد نوع العلاج وطريقة الإصلاح وما ينبغى أن يكون ولكن هذا كله يحتاج إلى الوقت والتروى، كما يحتاج إلى العلم والتفكير وضبط النفس، وهذا مالا يملكونه ولا يطيقونه فضلا عن أنه لا يتفق مطلقا مع السرعة الخاطفة التى اعتادوا عليها ويفاخرون بها ويتنافسون فيها».
هذا هو رأى الزعيم «سعد» فى الصحافة والصحفيين.
هذا بالضبط ما نقله الاستاذ «محمد كامل سليم» فى حواره مع «سعد زغلول» الذى جرى يوم 26 ديسمبر سنة 1920 أى منذ نحو 94 عاما إلا بضعة أشهر، وأظن أن أحوال الصحافة الآن لا تختلف كثيرا عما كتبه «سعد زغلول»!