الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الكابوس «التركى» فى السيطرة على الشرق الأوسطالكابوس «التركى» فى السيطرة على الشرق الأوسط




أعدت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية دراسة، لـ«سونر جاجايتاى» مؤلف كتاب «صعود تركيا: أول قوة مسلمة فى القرن الحادى والعشرين»، عن تحول حلم تركيا للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط إلى كابوس، فبعد مرور فترة ظنت فيها أنقرة أن مستقبل تركيا يكمن فى الشرق الأوسط فقط، أظهرت الأحداث الأخيرة أهمية التحالفات الأوروبية للبلاد، ولذلك شكلت قمة «حلف الناتو»، التى عقدت الأسبوع الماضى فى ويلز البريطانية، فرصة ذهبية لرئيس الوزراء التركى الجديد «أحمد داود أوغلو» لإصلاح العلاقات الأوروبية التركية التى عانت من الإهمال لفترة طويلة وسط الأحداث الأخيرة فى المنطقة.
وتضيف الصحيفة أنه منذ تولى حزب العدالة والتنمية للحكم فى عام 2002، ركز على الاصلاحات الاقتصادية التى جعلت البلاد مجتمعا أغلبيته من الطبقة الوسطى يعيشون بشكل أفضل مما كانوا عليه على مر التاريخ الحديث، ولكن ذلك الازدهار غير المسبوق رافقه غطرسة قوية من رئيس الوزراء السابق والرئيس الجديد «رجب طيب أردوغان»، الذى اغتر بنفسه لدرجة ظن فيها أنه يستطيع بمفرده إعادة تشكيل الشرق الأوسط.
وتوضح  الصحيفة الأمريكية أن حزب العدالة والتنمية تخلى عن المبادئ الكمالية التى شكلت الأخلاقيات التأسيسية لتركيا، «فـمصطفى كمال أتاتورك» مؤسس تركيا وأول رئيس لها رأى فيها بلدا أوروبيا لذلك قرب بلاده من الغرب،فسعى جاهدا أن تكون تركيا عضوة فى كل مؤسسة أوروبية، فكان يعتقد أن تركيا ما هى إلا قطعة من أوروبا لكنها تقع بالقرب من الشرق الأوسط من قبيل الصدفة، ولكن منذ عام 2002 وبعد امتلاك أنقرة لاقتصاد قوى تخلت عن حلفائها الغربيين فى الشرق الأوسط.
فقد تحدى أحمد داود أوغلو، بصفته كبير الخبراء الاستراتيجيين فى سياسة تركيا الخارجية منذ عام ٢٠٠٢، هذا النموذج من خلال التلميح بأن على تركيا أن تكون «برازيل الشرق الأوسط»، أى أن تتمتع باقتصاد إقليمى مهيمن قادر على إدارة دفة الأحداث. ولم تكن تركيا فى هذه الحالة بحاجة إلى حلفاء غربيين فى الشرق الأوسط فى ظل هذا التوجه الجديد الذى تتبعه.
وأكدت الصحيفة أن هذا التحول بدى جليا فى تورط أنقرة فى الحرب السورية، إذ فتحت تركيا حدودها الممتدة للجماعات الإرهابية للقتال ضد الرئيس بشار الأسد. كما أنها متورطة فى السياسة العراقية، ودعمت الأكراد ضد الحكومة المركزية فى بغداد، كما دعمت أنقرة الأحزاب التى تدور فى فلك جماعة «الإخوان المسلمين» فى ليبيا وسوريا ومصر. وقد قامت أنقرة بكل ذلك أملا منها فى تحويل هذه المعطيات لكى تصب فى مصلحة وكلائها وبالتالى تستطيع فرض سيطرتها على الشرق الأوسط.
وترى الصحيفة الأمريكية أن هذه المناورات التركية خلفت نتائج كارثية، فلأول مرة فى تاريخها تتورط تركيا فى حرب أهلية مع إحدى الدول المجاورة وهى سوريا، ولا تلوح نهاية قريبة لهذا التورط فى الأفق.
كما أن سياستها فشلت فى دعم الأكراد ضد العراق، وكان من نتائجها العكسية أن قطعت بغداد علاقتها التجارية مع أنقرة، وبالتالى كحدث آخر لا سابقة له فقدت تركيا كل طرق الوصول إلى الشرق الأوسط، فحدودها مع سوريا والعراق مغلقة.
وفيما يخص مصر، أصبحت تركيا دولة غير مرغوب فيها لدعمها جماعة الإخوان المسلمين، والمصريون يلقون اللوم على أنقرة لعدم بنائها جسوراً للتواصل مع المجتمع الجديد الأوسع، أما فى ليبيا وسوريا، فتم تهميش أعضاء الجماعة الذين تدعمهم تركيا، بالإضافة إلى أن السعوديين الذين يعملون ضد الإخوان فى جميع أنحاء المنطقة يكرهون تركيا لدعمها المتعنت للتنظيم الإخوانى.
وأضافت «وول ستريت جورنال» أن قاعدة «اللانزاع» القائمة منذ زمن طويل والتى تحكم العلاقات التركية- الفارسية انهارت فى ظل حكومة «حزب العدالة والتنمية»،  فتركيا وإيران تجدان نفسيهما اليوم عالقتين فى دوامة حرب بالوكالة بحكم دعم طهران لنظام الأسد فى دمشق وحكومة بغداد، وتهديدها بذلك لمصالح أنقرة الجوهرية فى سوريا والعراق. لذا، فباستثناء قطر الموالية لـ «الإخوان المسلمين» وأكراد العراق، تجد أنقرة نفسها من دون أى حلفاء أو وكلاء أو أصدقاء فى الشرق الأوسط.
وقد خسرت تركيا أيضا إسرائيل، بعد أن كانت هذه الأخيرة حليفا ديمقراطيا مهما لها قبل عام ٢٠٠٢، من خلال بنائها علاقات أوثق مع «حماس»، فقد أكد مؤيدو «حزب العدالة والتنمية» أن اعتماد تركيا موقفا أكثر قسوة تجاه إسرائيل كان شرا لا بد منه لكسب تأييد العرب، لكن اليوم، لا العرب ولا إسرائيل هم أصدقاء تركيا.
وتأتى هذه المعطيات فى وقت خطر جدا، إذ تهدد «داعش»، المتطرفة والخطرة والتى تتشاطر فى أيديولوجيتها مع تنظيم «القاعدة» ومهارات حركة «طالبان» فى فن الحكم والفكر، وقد وصل بعض هؤلاء الجهاديين إلى سوريا عبر تركيا.
وقريبا، قد تتحول هذه الأزمات المتفاقمة المختمرة فى السياسة الخارجية إلى تحديات سياسية داخلية تواجه رئيس الوزراء التركى أحمد داود أوغلو والرئيس رجب طيب أردوغان و«حزب العدالة والتنمية».
بالرغم من أن تورط أنقرة فى الشرق الأوسط لم يكن ناجحا حتى الآن، إلا أن الأوان قد فات للعودة إلى نموذج الفكر الكمالى القاضى بتجاهل الشرق الأوسط بالكامل، فتركيا هى جزء من واقع الشرق الأوسط والاضطرابات التى يعيشها.
وبعد قمة «حلف الناتو» سيكون رئيس الوزراء داود أوغلو حذرا فى العودة إلى قواعد الفكر الكمالى وإعادة تطوير تعاون مناسب مع حلفاء تركيا السابقين وحلف شمال الأطلسى والولايات المتحدة والأوروبيين للتصدى لخطر تنظيم «داعش» والمشاكل الشرق أوسطية الأخرى معا.
واختتمت الصحيفة دراستها بالتأكيد على أن نجاح تركيا الاقتصادى هو نتيجة لاستقرارها فى منطقة غير مستقرة. ويصل قدر الاستثمار الخارجى المباشر فى البلاد الذى حطم الأرقام القياسية إلى ٥٠ مليار دولار أمريكى سنويا، مما يعزز نمو تركيا ونجاح أحمد داود أوغلو الانتخابي. لكن مع تهديد تنظيم «داعش» لنمو تركيا، ستنحسر الاستثمارات الدولية، ولن تكون حظوظ رئيس الوزراء داود أوغلو فى الانتخابات البرلمانية لعام ٢٠١٥ مبشرة بالنجاح.
وفى روشتة سريعة، أوصت «وول ستريت جورنال» بتركيا بأن تتبع الحل الأمثل لإصلاح هذا الوضع المزرى وهو أن يقوم «داود أوغلو» بإعادة النظر فى قناعاته وأفكاره بشأن سياسة تركيا الإقليمية بما يتناسب مع الواقع الحالى، وأن عليه الاعتراف وإدراك ارتكابه لخطأ كبير عندما أعتقد أن «الساعة فى الشرق الأوسط قد توقفت على عام 1918»، وهو العام الذى دمرت فيه الإمبراطورية العثمانية، أو أن تركيا يمكنها أن تمحو الحدود فى المنطقة وتصبح زعيمة الاتحاد المكون من الدول التى تتبنى أيديولوجية الإسلام السياسى وتؤمن بإلغاء الحدود بين الدول، وتجاهل قرن كامل من «القومية والعلمانية العربية»، وأيضا على «داود أوغلو» إدراك أن نظرياته وميوله السياسية التى تركز كثيرا على أيديولوجية الإسلام السياسى قد عفا عليها الزمن وأثبتت فشلها الذريع.