الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«كهنة الخلافة»




أحمد تركى

شاهدت فيديو على موقع يوتيوب وهو خطبة وصلاة جمعة لزعيم الإرهاب فى العراق أبى بكر البغدادى فى الجامع الكبير بالموصل، والذى يعتبره أتباعه أميراً للمؤمنين وخليفة للمسلمين، وهذا الرجل كما نعلم يقود عمليات القتل والإرهاب والذبح فى العراق وسوريا باسم الله ورسوله!!
ومما شد انتباهى فى هذا الفيديو ما يلي:
1- يظهر هذا الإرهابى وهو يصعد المنبر بثبات يتوشح الثياب السوداء تقليداً لخلفاء العباسيين الذين كانوا يلبسون الأسود إبان حكمهم فى بغداد، وهو بذلك يغازل الشباب الواهم بالخلافة الإسلامية التى لا  تطبق الشريعة إلا فيها، ولا يقام الدين إلا تحت حكمها كما يزعمون.
كما يظهر فى الفيديو حراس مدججون بالسلاح وفى حالة استنفار كأنهم فى حرب يحرسون قائدهم.
 2- أسلوب  خطاب البغدادى هو نفسه مضمون وأسلوب خطاب مشايخ السلفية والإخوان، الذين ظهروا من سبعينيات القرن العشرين إلى اليوم «مجهولى النسب العلمي» لا نعرف طريقة تكوينهم وتربيتهم علميا سوى سفرهم للخليج ورجوعهم بتعصب مذهبي، وخطاب زاعق ناعق، وتهويل فى التحريم، والتجريح فى خلق الله، والتوسع فى انكار الفضل لأى أحد سواهم ومن تبعهم!، وبالتوازى جاءوا أيضا بأموال لا حصر لها مجهولة الهوية والمصدر، زهدوا الناس فى الدنيا وهم رتعوا فيها كما يرتع البعير فى البرية، أسسوا فضائيات وصحفاً لنشر دعوة هى أقرب ما تكون لمضمون خطاب البغدادى.
لقد  تحدث البغدادى عن فضل الجهاد فى سبيل الله باعتبار أن الأمة كلها كافرة والمجتمع مرتد والدخول فى عقد الإسلام هو طبعا مبايعة الخليفة وهو نفس أسلوب الجماعات الإسلامية فى تفسير آيات القرآن والسنة.
 فما يخص الأمة يعتبرونه يخص الجماعة فالأمة عندهم هى الجماعة وليست الأمة الإسلامية أو العربية أو المجتمع والأخوة عندهم هى أخوة أفراد الجماعة وليست أخوة الإسلام، والآيات التى تأمر الأمة بالجهاد للذود عن عرضها وحدودها يوظفونها على أن المقصود منها من لم يدخل فى عقد ومبايعة الجماعة!.
 راجعوا خطابات مرشدى الاخوان المسلمين عبر تاريخهم، وراجعوا مئات الخطب والدروس لمشايخ الجماعات!
 ستجدونه نفس الخطاب ونفس النبرات ونفس المضمون.
 وهذا الأسلوب حذرنا منه - رسول الله صلى الله عليه وسلم  حينما قال:
 «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وتحريف المبطلين».
 لقد حرفوا وأولوا وجهلوا وضلوا.
3- لنا أن نتساءل! هل إقامة الخلافة الإسلامية كما يسمونها واجبة؟!
 والجواب ببساطة شديدة أنه لا يوجد نص فى القرآن أو فى السنة يدل على أن الإسلام يفرض طريقة للحكم وسياسة البلاد والعباد!
 خلافة أو جمهورية أو مملكة، المهم أن يكون الحكم رشيدا.
 وما ورد  فى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال:
 «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم يكون ملكا عاضا أو عضوضا فيكون فيكم ما شاء الله أن يكون ثم يرفعه الله إذا شاء أن يرفعه، ثم يكون حكما جبريا فيكون فيكم ما شاء الله أن يكون ثم يرفعه الله إذا شاء أن يرفعه ثم تكون خلافة على منهاج النبوة».
 هذه نبوءة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبين ما سيحدث للأمة فى فترات تاريخية، ولكن لم يحدد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيفية الخلافة ولا صورتها ولا صورة الحكم إنما تركها لظروف كل جيل وعصر.
 لقد تحدث النبى - صلى الله عليه وسلم- عن الإمام أو الحاكم العادل الرحيم.
 وعن القيمة الحاكمة للراعى والرعية، وأقام صلى الله عليه وسلم مجتمعا إسلاميا فى المدينة المنورة بعد الهجرة عام 1.هـ يسوده العدل والرحمة وكل القيم الربانية التى ننشدها قبل أن يشرع الجهاد فى سبيل الله من العام الثانى للهجرة وهذا يدحض كل مزاعم كهنة الإرهاب والتشدد من أن الخلافة على صورتها العباسية أو العثمانية تخلق المجتمع الصالح وتقيم دين الله بناء المجتمع الصالح يكون بالدعوة والرحمة والتسامح وبعد ذلك تتشكل الدولة بالطريقة التى تناسب العصر والمصر وفق شئون الظروف والعصور.
 إن رشد المجتمع والناس كان قبل إقامة الخلافة الراشدة التى زكاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث فلا الخلافة دليل رشد وصلاح ولا عدم وجود الخلافة دليل كفر وفجور إنما المقياس الإسلامى هو إقامة العدل والأخلاق الفاضلة ووجود الحاكم العادل الصالح والمسلم الذى يسلم العباد والبلاد من لسانه ويده.
 ولقد صدق هذا الحديث ما جاء فى واقع التاريخ ان المسلمين حكموا فى أكثر تاريخهم بالملك العضوص والملك الجبرى ومع قيام دولة الخلافة فى عهد الأمويين وفى عهد العباسيين وفى عهد العثمانيين.
 كثيرا ما ظلم الناس وضاعت حقوقهم وانتهكت محارم الله!
4- فارق كبير بين علماء الإسلام وكهنة الدين!
 كهنة الدين يزهدون الناس فى الدنيا ويرتعون هم فيها!
 يضيقون على الناس فى دينهم ويشددون عليهم ولا يترخصون إلا عندما يرون مصالحهم السياسية والأيديولوجية.
  فى عام 98 سمعت شريطا للشيخ حسين يعقوب يحرم فيه التصوير الفوتوغرافى وكذلك التليفزيون تحريما قاطعا وبعد ذلك بعدة سنوات كان نجما فضائيا لنشر ما يعتقد للوصول إلى الحكم وهو بالمناسبة صاحب نظرية غزوة الصناديق والكثير من هؤلاء كان يعتبر الانتخابات من الشرك حتى أصبح الاحتكام إلى الصندوق من شرع الله!
كهنة الدين عندما يتراجعون عن فتاويهم وآرائهم لا يتراجعون بالعلم أو عن علم! إنما يتراجعون بالرخص والضرورة ليس كما يريد الله وإنما وفق اتباع أهوائهم.
 وويل لمن عارضهم! سيطبقون عليه كل ما ورد فى القرآن والسنة فى الكافرين والفاسقين والأعداء!
 لا أنسى أبدا يوم 2011/4/15 وقت أن منعنى بعض أفراد الجماعات من صعود منبر النور وقبلها حشدوا فى مساجدهم للتواجد فى العباسية لإقامة شرع الله ولخصوا نصرة الإسلام يومها فى التعدى على إمام مسجد ومنعه من أداء الخطبة! وحبست فى مكتبى ساعتين كاملتين فصعد المنبر كاهن منهم يبشر بالخلافة ويقول إما النصر وإما الشهادة ويتفاخر بانتزاع المسجد من الأوقاف.
 آخر فتاوى كهنة الدين فتوى تحرم شهادات استثمار قناة السويس فى حين أن الفرق بين الربا والمرابحة هو نوع العقد الربا يرتبط بالقرض «كل قرض جر نفعا فهو ربا» ولا يمكن أن تكون عقود هذه الشهادات قروضا إنما هى استثمار وبذلك انتفت علة الربا.
 أما علماء الإسلام فخطابهم هو المحجة البيضاء لا اعوجاج فيه ولا مداهنة كما قال - صلى الله عليه وسلم- «الدين النصيحة قلنا لمن؟ قال: لله ولرسول ولأئمة المسلمين وعامتهم».
 فاحذروا: إذا كانت داعش والقاعدة وكل الجماعات الإرهابية تجند الشباب للإرهاب! فيوجد عشرات من كهنة الدين بأسماء مشايخ يؤهلونهم فكريا لقبول هذا التجنيد اللهم فاشهد أنى بلغت.