الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الإخوان يرحبون بإصلاحات البرادعى





 
 
فى سباق رئيس الحكومة القادم يصل اسم د.محمد البرادعى إلى مفترق الطرق حيث يعتبر مرشح المجلس الأعلى العسكرى وبعض التيارات السياسية وفى المقابل تطرح جماعة الإخوان أسماء أخرى مثل د.فاروق العقدة ود.زياد بهاء الدين ود.حازم الببلاوى، وهذه هى المرة الثانية التى ترفض فيها الجماعة تولى د.البرادعى رئاسة الحكومة التى تظهر معه فى الصور التى تتصدر المشهد السياسى لكن عند خروجه لحيز التنفيذ يكون محلك سر برفض قاطع.. ونستنتج من هذا أن الرئيس محمد مرسى نيابة عن الإخوان لن يسمح باختيار د.محمد البرادعى رئيسا للوزراء إلا إذا كان هناك ضغط شبابى وشعبى فى آن واحد، وكما عرضنا فى الحلقة السابقة فإن هذا مرجعه التقرير الذى يوجد فى ملفات قادة الجماعة والذى قام بإعداده عصام العريان وبعض الشخصيات والمكتب السياسى للجماعة، والذي يتضمن تحليلًا وافيًا لشخصية د.البرادعى فى مواقفه واتجاهاته الفكرية والدينية، ونعرض الآن للجزء الثانى من هذا التقرير والذى يتضمن موقف د.البرادعى من نظام مبارك ومن جماعة الإخوان والأحزاب وتحريك الشعب، علاوة على الرؤية الإصلاحية لديه كما يراها الإخوان، مع ملاحظة أن هذا التقرير تم إعداده فى بداية عام 2010 أى قبل ثورة 25 يناير 2011 وتنظر الجماعة وحزبها ورئيسها للدكتور البرادعى من خلال هذا التحليل عن مواقفه وآرائه فى ظل النظام السابق ونرى أن الجماعة مازالت تتعامل مع د.البرادعى من منطلق هذا التقرير ولم تتطرق لمواقفه بعد الثورة، وفى كل الأحوال تجده مناهضًا لفكرها ممثلا قويا للدولة المدنية بكل ما تعنى الكلمة، ولذلك فهو غير مرغوب فيه لدى الجماعة ليشارك فى حكم رئيس قاموا بالدفع به.
 
 
الموقف من النظام السابق
 
 
يقول تقرير الإخوان عن البرادعى إنه صراحة أنه لا يدين للنظام المصرى بأى شيء، بل بالعكس «هذا النظام عمل ضد ترشيحى مديرًا عامًا لوكالة الطاقة النووية»، على أن للدكتور تقديراته الجديرة بالنظر لطبيعة هذا النظام.
أ- يرى البرادعى أن الرئيس مبارك رجل متواضع ومستمع جيد يتسم بالبساطة الريفية وتشعر معه بالألفة، وعلاقته به علاقة مودة بدأت عام 2002 إبان أزمة العراق واستمرت لنحو 6 سنوات حيث كان يطلب مقابلته عند زيارته لمصر كل عام.
ب- أما بالنسبة لجمال مبارك فقد قابله ما يقرب من 5 مرات وتناقش معه فى الأمور السياسية الخاصة بالدولة بما أن له اهتمامات سياسية وهو شخص مهذب ومستمع جيد وله إرادة خاصة تتعلق بالقضايا المختلفة تختلف عن آرائى.
ج- يرى د.البرادعى صورة النظام المصرى منعكسة فى مواد الدستور التى تعكس وجود سلطة واحدة طاغية بشكل لم أشهده فى أى دولة أخرى وهى السلطة التنفيذية ممثلة فى رئيس الجمهورية.
د- رغم صرامة النقد الذى يوجهه د.البرادعى للنظام المصرى والذى يراه امتداداً لنظم قمعية تحكم مصر طيلة الـ50 عاما الماضية فإنه حريص على التأكيد على وجود علاقات مودة وصداقة تربطه ببعض أطراف هذا النظام وأن المسألة ليست شخصية ولكن اختلاف فى السياسات.. ليس لدى خلافات مع أشخاص وإنما مع طريقة إدارة الأشخاص للمنظومة التى يتولون إداراتها.
 
 
الموقف من الإخوان المسلمين
 
 
على مستوى العلاقة الشخصية يصرح د.البرادعى «أنا عمرى ما عارضت حد من الإخوان المسلمين وهناك كثير من الأفكار أختلف فيها جذريا معهم وبحكم إقامتى بالخارج لا أعرف شخصا واحدا من الإخوان المسلمين»، نهائيا أما على مستوى رؤيته الإصلاحية فإن ملامح موقفه من جماعة الإخوان المسلمين تتشكل مما يلى:
أ- يرى الدكتور البرادعى أن جماعة الإخوان المسلمين لابد أن تكون جزءاً من المشاركة فى العمل السياسى، ولا مانع من عمل حزب لهم طالما يلتزمون بالقيم المصرية التى وافق عليها الشعب فى الدستور، وأنا باضحك على نفسى عندما أقول إن هناك 88 نائبًا فى جماعة محظورة، ويلاحظ أن الدستور يقول إن الإسلام المصدر الرئيسى للتشريع فكيف يمكن ألا يكون هناك حزب مرجعيته إسلامية؟!
ب- وهو يرحب بمشاركة جماعة الإخوان مادامت الديمقراطية هى المعيار، «الديمقراطية معناها تداول السلطة والحوار السلمى فإذا كان ذلك موجودًا فأهلا وسهلا بالاتجاهات المختلفة سواء الإخوان أو الاشتراكيون أو الشيوعيون وأرى فى وجود هذه الاتجاهات إثراء للعمل الفكرى ويجب ألا يكون هناك حجر على الأفكار بحجة أنها متطرفة، بالطبع إذا كان هناك تطرف مخالف للدستور فهذه مسألة أخرى».
ج.مع إيجابية هذا الطرح بالنسبة لموقف البرادعى من الجماعة إلا أن الأمر لا يعتبر محسوما تماما فالدكتور البرادعى يتطلع لـ«دولة عصرية قائمة على قاعدة أن هناك أغلبية مسلمة وأن هناك أقلية قبطية يجب أن نحترمها وأن الدين لله والوطن للجميع».. ولكن ترجمة لهذه الرؤية يوضح أن الدستور لن يسمح للمواطن القبطى بأن يتولى رئاسة الجمهورية فهناك قيم يجب أن نتوافق عليها وإذا توافقنا عليها أهلا وسهلا بالمسلم والناصرى والماركسى، والتوافق الذى يدعو إليه د.البرادعى هنا يعنى أن الحسم لن يكون وفق ما ينتهى إليه التصويت المجرد من اختيار للأغلبية ولكن من خلال حوار يراعى قبول جميع الأطراف المتباينة الصيغ التى يتم الانتهاء إليها.
 
 
الموقف من الأحزاب
 
 
يتحفظ د.البرادعى من حيث المبدأ على الاعتراف بالشرعية للأحزاب المصرية، التجربة الحزبية فى مصر تعانى خللا واضحا بسبب القيود المفروضة على تأسيس الأحزاب، ففى التجارب الديمقراطية يتم تأسيس الحزب بإخطار أما فى مصر فلابد من موافقة لجنة شئون الأحزاب، هذا التقييد هو سبب انصراف المواطن عن المشاركة السياسية، فالنظام السياسى غير ديمقراطى وهو بذلك لا يوفر المناخ الشرعى للممارسة السياسية.
ويعتبر د.البرادعى المشاركة فى العمل الحزبى بوضعه الحالى جهدًا عبثيا، كمن يرغب فى أن يسوق عربية والعربية خسرانة والطريق مكسر لا يجوز لى أن أكون جزءًا من هذا السيناريو وهذه المسرحية، وبناء على هذه الرؤية فإن الدكتور البرادعى يقطع بأنه لن أكوّن حزبا سياسيا فى ظل هذا الإطار المهلهل غير الديمقراطى لأنه يعتبر مهانة لقيمى أن أكوّن حزبا فى هذا الجو غير الصحى.
 
 
تحريك الشعب
 
 
يضع د.البرادعى يده على حقيقة التحدى الذى يواجه جهود الإصلاح فى مصر، فالتغيير يتوقف على استجابة الشعب وفى ذات الوقت فإن النظام السياسى القمعى الذى حكم مصر خلال الـ50 سنة الأخيرة أفرز شعبا يائسا غير راغب فى التغيير ولا قادر عليه.
وأمام هذه المعضلة فإن البرادعى يرى حتمية إعادة بث روح المشاركة لدى الأفراد وتوعية الشعب وأن مسئولية التغيير تقع عليه أساسا، وكلا الأمرين يتطلب من النخبة التى تقود عملية التغيير مزيدا من الجهد ومزيدا من الوقت حتى يعاد تعليم الشعب وتوعيته، وعن نفسى أنا مستعد للتحرك هاشتغل مع الناس: لكنه يراهن على أن الطريق إذا ما وضح للشعب فسوف نجد المليون والاثنين والخمسة ملايين وإذا لم نجدهم النهارده سنجدهم السنة اللى جاية أو اللى بعدها.
ويستعيد د.البرادعى من الذاكرة الوطنية هنا ثورة 1919 الشعب قادر على التغيير بالضغط على الحكومة وبإصدار بيانات وجمع توقيعات كما فعلوا أيام سعد زغلول مطالبين بالاستقلال.
 
 
الرؤية الإصلاحية للبرادعى
 
 
يبدأ د.البرادعى من قاعدة أن إصلاح النظام السياسى هو نقطة الانطلاق وأن إصلاح الدستور هو المدخل لكل الإصلاحات ولكنه بعد ذلك يعترف صراحة بأنه لا يحمل أيه رؤية مسبقة لعملية الإصلاح، أنا أتكلم عن أن هناك إصلاحاً يجب أن يتم فى مصر وأننى يجب أن أشارك فى هذا الإصلاح، كيف سيتم هذا الإصلاح من سيقوم بهذا الإصلاح؟ هذه أشياء لا أعلمها ولكننى أعلم أننى سأستمر. بل يرد البرادعى بوضوح عن سؤال لخطته الإصلاحية: لا توجد لدى خطة ولا يوجد أمامى إلا أن أتكلم.
ومع ذلك فإن استقرار ما صدر عن د.البرادعى منذ أعلن عن نيته خوض معركة الإصلاح السياسى فى مصر يوضح أن بعض الملامح قد بدأت فى التشكيل لرؤيته الإصلاحية ويمكن بلورتها فيما يلى:
1- توعية الشعب وهى الخطوة الأولى وإعادة بث روح المشاركة لدى أفراده.. وهذا يتطلب تجميع النخب التى تحمل هم الإصلاح فى إطار جامع لإقناع جموع الشعب بمسئوليتهم عن التغييرو الاصلاح وايجاد الصلة بهم لقيادتهم فى هذا الاتجاه.. وقد انتهى الأمر بالدكتور البرادعى ومن حوله على التوافق على أن تكون الجمعية الوطنية للتغيير هى هذا الإطار الجامع.
2- تحريك الشعب بتحفيزه وتنظيمه، وذلك لجمع توقيعات وإصدار بيانات تتبنى إجراءات إصلاحية محددة لتكوين رأى عام ضاغط على النظام الحاكم فى اتجاه الإصلاح.. ويتم بعد ذلك الانتقال إلى تنظيم وقفات سلمية حتى لو صامتة للضغط على الحكومة فى ذات الاتجاه.. وسوف يتم اتباع وسائل أخرى تعبر عن تحريك الشعب فى إطار سلمى «أنا بالطبع ضد استعمال العنف وضد التغيير بالقوة لأنه يؤدى إلى الضرر ويرجع الدولة إلى الوراء».
 الهدف من الانتخابات النزيهة هو دفع السلطة لاتخاذ عدد من الإجراءات الضرورية لضمان نزاهة الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة تتمثل فيما يلى: إنهاء حالة الطوارئ - الاعتماد على بطاقة الرقم القومى فى التصويت- توفير مساحة متكافئة للمرشحين فى الإعلام- الإشراف القضائى الكامل فى الانتخابات- تمكين المصريين بالخارج من حقهم فى التصويت- مشاركة منظمات المجتمع المدنى المحلى والدولى فى الإشراف على الانتخابات.
هذا علاوة على كفالة حق الترشيح للانتخابات الرئاسية دون قيود تعسفية وفق التزامات مصر فى الاتفاقية الدولية لضمان الحقوق المدنية والسياسية.
 
 
التوافق على الرئيس
 
 
بالنسبة لانتخابات الرئاسة يؤكد د.البرادعى أنه لا يسعى إلى أن يكون رئيسا للجمهورية ولكنه يسعى للتغيير والإصلاح.. وبعد ذلك «إذا الشعب رأى أن أؤيد فلاناً فسوف أؤيده وإذا رغب أن ادخل لأكون أسلوب تغيير سأدخل» بل إنه فى أحد أحاديثه أوضح «أنا عايز الدستور يتعدل وأوعدهم أنى لن أدخل» فبادرته المذيعة إذا كان هذا التصريح يعتبر وعدا فاستدرك «إلا إذا الشعب طلب أن أكون إداة للتغيير فلن أخذل هذا الشعب»، وفى كل الأحوال فإن د.البرادعى يرى أن الرئيس فى هذه المرحلة الحرجة سواء كان هو أم غيره يجب أن يكون رئيسا توافقيا يلتف حوله الجميع لأن مصر تشرذمت وأصبحنا قبائل لا يجمعنا الكثير.
 
 
جمعية تأسيسية للدستور
 
 
الخطوة الأهم بعد الانتخابات الرئاسية هى انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد تمثل جميع فئات الشعب من الإسلام السياسى إلى الماركسيين، وتتفق على كيفية توفير مقومات المساواة والعدالة الاجتماعية فى دستورنا.. لن تكون العملية سهلة وهو يراها مهمة أكبر من أن تنحصر فى الجانب القانونى فقط، «نحن نحتاج إلى نوع من المصالحة والمصارحة الوطنية يجوز أن تسير بالتوازى مع الدستور لكى يعبر بالفعل عن حقيقتنا وليس عن القناع الذى نضعه» وذلك لأنه يرى أن التحدى الذى يواجهنا عند وضع الدستور الجديد «هو الوصول لاجماع وطنى على القيم الأساسية التى يرتكز عليها بناء دولة مدنية عصرية يقوم على الاعتدال والحداثة والحكم الرشيد» وهو يأمل أن مشاركة الشعب والرأى العام فى النقاش حول مشروع الدستور الجديد ستكون فرصة لطرح ومناقشة جميع الاشكاليات الفكرية والعقائدية الموجودة فى مصر بقصد المصارحة والمصالحة الضرورية لشعب واحد يعيش وطن و احد ودون أن نخف رؤوسنا فى الرمال.