الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قطر... اللاعب «السيئ» فى المنطقة




ترجمة- وسام النحراوى
 

أعد موقع «كارنيجي» لدراسات الشرق الأوسط  دراسة مفصلة وتحليلية حول سياسة قطر الخارجية وعلاقتها بتغيير موازين القوى فى الخليج، قطر، التى كانت لفترة طويلة لاعباً إقليميا صغيرا فى ظل المملكة العربية السعودية، ترغب فى زيادة نفوذها والحصول على دور إقليمى أكبر.
ولذلك انتهجت قطر منذ فترة طويلة سياسة خارجية توسعية وبرجماتية فى آن واحد، فقد راهنت هذه الدولة الخليجية الصغيرة على ذوى النفوذ، وعلى مجاراة التيارات السياسية والانخراط مع جهات فاعلة حتى المتقلبة منها مثل الجماعات الجهادية، ولم تكتف بالوساطة بين الأطراف المتنازعة ، لكنها تطورت إلى تمويل وتدريب المجموعات العسكرية المتطرفة مباشرة.

ففى جميع البلدان التى تمر بمرحلة انتقالية منذ اندلاع الربيع العربى فى 2011، راهنت فيها الدوحة على جماعة «الإخوان المسلمين»، فكانت نظرة قصيرة تماما،  فقد تراجع الإخوان المسلمون تقريبا بالسرعة نفسها التى برزوا فيها على الساحة، فالرهان على اللاعب الخطأ، ومن ثم التمسك بالإخوان، أضعف مكانة قطر السياسية فى الشرق الأوسط ككل.
وابتليت السياسة الخارجية القطرية بالحسابات الخاطئة والتحديات المحلية والضغط الدولي، والتى ترتبط جميعها، إلى درجة كبيرة، بعلاقة قطر مع منافستها الإقليمية الرئيسية، السعودية، ونتيجة لذلك، دخل دور قطر الإقليمى مرحلة من الانحسار.
وبلغت التحديات التى تواجه قطر ذروتها فى عام 2014، بسبب عاملين اثنين، على وجه العموم، تمثلا فى تورطها فى سوريا ودعمها لجماعة الإخوان المسلمين فى مصر.
ففى مصر، شددت الحكومة التى تولت الحكم عقب الاطاحة بمرسى قبضتها على أعضاء جماعة الإخوان  حليف قطر الرئيسى فى مصر وحكمت على المئات منهم بالسجن، وتبعتها دول الخليج فى مارس 2014 بالإعراب عن قلقها منهم باعتبارها تشكل تهديداً للاستقرار فى المنطقة، وحملت قطر المسئولية كاملة عن مساعدة الإخوان.
وذكرت الدراسة أن  قطر رأت فى الانتفاضات العربية التى اندلعت فى عام 2011 فرصة سياسية لفرض نفسها كلاعب إقليمي، غير أن مسار الربيع العربى شكل اختبارا لتوجهاتها.
ويعود السبب فى ذلك جزئيا، إلى علاقاتها الإيديولوجية مع جماعة الإخوان المسلمين، التى ظنت الدوحة أن من شأنها أن تضمن ولاء حليفتها الإسلامية ، ولذا ألقت بثقلها وراء جماعة الإخوان فى البلدان التى تشهد تحولات مثل مصر وتونس واليمن وليبيا.
فقد ظنت قطر أنها اختارت ذوى النفوذ، حيث تحالفت مع الأطراف الفاعلة التى اعتقدت أنها ستنتصر سياسيا أو عسكريا فى مختلف البلدان، بالإضافة إلى رغبة قطر فى أن تكون طرفا معنيا وصاحب مصلحة فى الحكومات الجديدة فى البلدان التى تمر بمرحلة تحول، الأمر الذى دفعها إلى أن تدعم الجماعة التى كانت تتصور أنها تملك أفضل فرصة للوصول إلى السلطة ماليا وسياسيا، وبالتالى لحماية مصالح قطر.
فعقب اندلاع الربيع العربى مباشرة، ظهرت جماعة الإخوان المسلمين وكأنهم هم الكيان السياسى الأكثر احتمالا لتحقيق النجاح فى أول انتخابات ديمقراطية فى البلدان التى تشهد تحولا، لأنها كانت الجماعة الأكثر تنظيما بين الحركات السياسية الكثيرة التى ظهرت فى تلك الدول.
ومع ذلك، لم تنجح الفرص التى أتيحت لجماعة الإخوان التى أثبتت أنها تعانى من أوجه قصور خطيرة فى العديد من البلدان.
ففى ليبيا، لم تفز جماعة الإخوان بأغلبية المقاعد فى البرلمان، وعندما انزلقت ليبيا إلى دورة من العنف بين العديد من الجماعات المسلحة، أكدت التحديات الأمنية المتصاعدة أنه ما من كيان سياسى يمكنه الإمساك بزمام السلطة فى البلاد بمفرده، بما فى ذلك الإسلاميون المرتبطون بجماعة الإخوان.
أما اليمن، فقد حصلت جماعة الإخوان على مناصب حكومية رئيسية، إلا أنها فشلت فى الحفاظ على علاقاتها مع شركائها السياسيين بعد مبادرة مجلس التعاون الخليجى بقيادة السعودية التى نقلت السلطة من الرئيس على عبد الله صالح وقتها إلى نائبه، وبالتالى أنهت الانتفاضة وأبقت على الإشراف السعودى على البلاد.
أما فى مصر وتونس، فقد تمكنت جماعة الإخوان المسلمين من الحصول على أغلبية المقاعد فى البرلمانين، غير أن نفوذها السياسى فى هذين البلدين تراجع بسرعة.
ففى مصر، كان انتخاب محمد مرسي، المدعوم من جماعة الإخوان، رئيسا للبلاد فى العام 2012 مؤشرا على بداية عام من محاولات جماعة الإخوان لاحتكار السلطة. وقد أغضبت جهودها الجيش المصرى والنشطاء العلمانيين الذين بدأوا سلسلة من الاحتجاجات ضد مرسى والجماعة.
ومع ذلك استمرت قطر فى دعم جماعة الإخوان المسلمين بغض النظر عن هذه الأخطاء السياسية التى رأت السعودية أنها تتجاوز الحدود المقبولة، فدعم قطر غير المشروط على ما يبدو للجماعة، خاصة فى مصر، دفع السعودية إلى القيام بعدد من الإجراءات العقابية التى جرى إظهارها على أنها تحذيرات حول دور الدوحة كعنصر عدم استقرار فى منطقة الخليج.
ولذلك دعمت الرياض ومولت الانقلاب الشعبى على مرسي، والذى أقصى جماعة الإخوان المسلمين من السلطة، كما ضغطت الرياض على حاكم قطر آنذاك، الأمير حمد بن خليفة آل ثاني، للتنازل عن الحكم لابنه الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وتصاعد الضغط السعودى ليصل إلى مستويات غير مسبوقة فى مارس 2014، عندما بادرت المملكة مع اثنتين من دول الخليج الأخرى، هما البحرين والإمارات العربية المتحدة، إلى سحب سفرائها من الدوحة، ماتسبب فى إحراج علنى لدولة قطر، كما صنفت الحكومة السعودية جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية ودعت الدول الأوروبية إلى أن تحذو حذوها.
وفى الوقت نفسه، أرسلت السعودية وفداً إلى قطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة فى محاولة لتسوية التوترات ودفع الدوحة إلى قبول العمل المشترك فى منطقة الخليج.
دوليا، تسبب دعم قطر الثابت لجماعة «الإخوان المسلمين» ببعض الضرر لعلاقاتها مع الولايات المتحدة أيضا، فحين فاز الإخوان بأغلبية المقاعد البرلمانية ومن ثم الرئاسة فى مصر، قدمت قطر نفسها للولايات المتحدة كوسيط مع الجماعة.
وقد ساعدت تطمينات الدوحة، بصورة جزئية، فى ضمان أن تظهِر واشنطن نوعا من الصبر تجاه تجاوزات قيادة الإخوان السياسية والحقوقية، مثل الإعلان الدستورى لمرسى الذى صدر فى نوفمبر 2012، والذى منحه سلطة شبه مطلقة.
وقد أكدت قطر للولايات المتحدة ثقتها بأن الوضع فى مصر يمكن أن يكون تحت السيطرة، ناصحة واشنطن بالانتظار وتجنب ممارسة الضغوط الدبلوماسية على القيادة المصرية، وعندما أقصى الإخوان من السلطة، اتضح أن هذه التطمينات لم تكن فى محلها، وخسرت قطر بعض نفوذها لدى الولايات المتحدة.
نتيجة لهذه الخسارة أصبحت قطر فى موضع التابع للمملكة العربية السعودية، فبعد انتخاب عبد الفتاح السيسى رئيسا لمصر فى مايو 2014 بدعم من السعودية، أعلنت قطر دعمها للنظام المصرى الجديد بسبب الضغوط السعودية والأمريكية التى مورست عليها للقيام بذلك، وبسبب براجماتيتها ورغبتها فى إنقاذ موقفها الإقليمي. ولكن على عكس السعودية، لم تقدم قطر دعما ماليا لإدارة السيسي.
أما بشأن المفاوضات التى جرت فى القاهرة بشأن الأزمة بين إسرائيل وحماس، فقد اختارت السعودية أن تضطلع بدور ثانوى بعد مصر فى المفاوضات التى تهدف إلى التوسط فى وقف إطلاق النار فى الصراع، حيث اقتصر دورها على إعلان دعمها استضافة القاهرة للمحادثات غير المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
أما قطر، التى كانت تفتخربتأدية دور قيادى كوسيط فى الصراعات المختلفة فى الشرق الأوسط، فقد دعتها السعودية إلى لعب دور ثانوى كمحاور مع حركة حماس استجابة لعلاقة الدوحة المستمرة مع حماس، والتى تشكل جزءاً من ارتباطها الأوسع على المدى الطويل مع جماعة الإخوان المسلمين.
ومن المرجح لهذه العلاقة أن تستمر، خصوصا أن قطر بارعة فى استخدام عملية إعادة الإعمار التى تعقب الصراعات كأداة فى مجال الدبلوماسية العامة، وستكون حريصة على المساهمة فى إعادة إعمار غزة، كما فعلت فى أعقاب المواجهة التى وقعت بين إسرائيل وحماس فى عام 2012.
واختتمت الدراسة تحليلها بتناول الشئون الداخلية لقطر، فأشارت إلى أن الأمير تميم ورث دولة من دون مؤسسات قوية، فلا يوجد مجتمع مدنى مستقل لمحاسبة الحكومة ولا برلمان للتصويت على قرارات السياسة الخارجية أو الداخلية، وأعضاء مجلس الوزراء يتم اختيارهم من قبل الأمير.
أما مجلس العلماء فى قطر، وهو أعلى سلطة دينية فى البلاد، فقد تم تقليص دوره منذ أن تولى والد تميم، الأمير حمد، السلطة فى تسعينيات القرن الماضي.
محليا، يواجه تميم أيضا تحديات من القبائل القطرية التى ترى فى وصوله إلى السلطة فرصة للاستيلاء على البلاد، ولاسيما قبيلة «مرة» التى حاولت إطاحة والده فى عام 1996.
أضف إلى ذلك نظرة السكان القطريين إلى السياسات الخارجية والاقتصادية لبلادهم، التى تعانى من غياب تام بسبب التعتيم على  نتائج الدراسات الاستقصائية العامة أو الحرية الإعلامية أو المجتمع المدنى المستقل فى البلاد.
ومع ذلك، يساور القلق القطريين حول السياسات الخارجية والاقتصادية التوسعية لحكومتهم، وحول نظرة مواطنى دول الخليج الأخرى السلبية إلى قطر.
وقد تم الكشف عن هذه الاتجاهات فى نتائج استطلاع سرى أجرته الدولة القطرية بين الشباب لقياس مواقفهم تجاه رؤية قطر الوطنية فى 2030، أظهرت النتائج أن مايقرب من نصف الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع لايتفقون مع الرؤية فى حين لايعرف النصف الآخر بوجود هذه الرؤية أصلاً.
ختاما ، وعلى الرغم من محاولات قطر زيادة نفوذها الإقليمى فلا تزال الرياض أقوى لاعب سياسى فى الخليج، حيث  تغلبت الرياض على قطر بسبب سياستها الخارجية الحكيمة.