الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الاستشراق الجديد يشوه الإسلام




مازال الشرق يمثل عالما غامضا عند الباحثين فى الغرب وهذه الدراسة التى قام بها د.أوليفييه مووس أستاذ التاريخ المعاصر فى جامعة فرايبورج فى سويسرا ومدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية فى باريس وقامت بترجمتها عومرية سلطانى مترجمة وباحثة فى العلوم السياسية بعنوان «تيار الاستشراق الجديد من الشرق الشيوعى إلى الشرق الاسلامى» تعالج موضوع انبثاق خطاب ثقافى جديد فى مرحلة ما بعد الحرب الباردة يتعلق بانتقاد الحالة الاسلامية وبشكل خاص الاسلام السياسى وتنقسم الدراسة الى عدة محاور رئيسية هى تحليل للاستشراق الجديد والرواية النيواستشراقية وافتراضاتها وسياق ظهور الاستشراق الجديد والتحول من الاستشراق الكلاسيكى بالاضافة الى دراسة كتابات «بات يجاور» المؤرخة فى الاستشراق الجديد وتحليل موقف المرأة المحجبة فى الرواية النيواستشراقية وبحث تداعيات تلك الرواية على الحقول الاعلامية والفكرية والسياسية ويبين الباحث ان مصطلح «الاستشراق الجديد» يعكس مذهبا ثقافيا جديدا ذا طبيعة اخلاقية وطريقة لشرح المجال الاسلامى والعلاقات بين الهوية الاسلامية والهوية الغربية، يقوم على تجديد افتراضات الاستشراق الكلاسيكى ومتطلبات الدفاع عن قيم الديمقراطية والحداثة ويمثل «الاستشراق الجديد» تحديدا وإعادة تأهيل للاطروحات الاستشراقية الكلاسيكية فى سياق يتميز بأدلجة متنامية للعلاقات بين الشرق الاوسط والدول الغربية تعمل على تشجيع العودة الى قراءة طبيعة المجال الاسلامى وتفضل الرواية الاستشراقية الجديدة تعبئة كُتاب ينتمون الى أوساط متنوعة ويمكن أن تكون متعارضة على الصعيد الايديولوجى أو السياسى وتعرض الدراسة أربعة افتراضات يتهيكل حولها الاستشراق الجديد وهى المجال الاسلامى حيث يرى أن كل متجانس الاسلام يشكل استثناء وجمود العالم الاسلامى والعنف الاسلامى هو نتاج ثقافى ويؤكد الباحث على وجود تحديد مزدوج لعالم عربى إسلامى ينظر إليه ككيان متجانس ومحددات ثقاية يفترض أنها تقدم معلومات عن الفعل الجماعى والفردى للمسلمين، وينتج عن هذا الموقف سلسلة من الافتراضات المنهجية التى تقدم اقترابا مبسطا يختصر ظاهرة تتميز بالتعددية سواء فى فضاءات المكان أو الزمان، فالاستخدام المتكرر للمبررات الدينية واستخدام مفهوم الأمة بحيث يتم تجاهل التقسيمات الجغرافية والثقافية ونفس الاسباب التى تؤدى الى نفس النتائج وفكرة الممارسة السياسية الاسلامية المشروطة باللاهوت هى من ضمن أمثلة عديدة على هذه الافتراضات وتستند السمة الثانية على استثنائية الاسلام «كحضارة» بمعنى فكرة أن الاسلام بوصفه نظاما للقيم يخبرنا عن كل نواحى الحياة الاجتماعية والفردية للمسلمين، من المواضيع الاقل أهمية مرورا بالمظاهر العامة ووصولا الى الممارسة السياسية والاقتصادية، فى هذا المنظور يفسر تيار الاستشراق الجديد نقص أو غياب الاجراءات والثقافة الديمقراطية فى الدول العربية والاسلامية بوصفها نتاجا لعوامل مرتبطة بـ«الهوية» فى هذه المجتمعات: الثقافة والدين والتاريخ وأن أى تطور نحو الديمقراطية والاعتراف بحقوق الانسان لا يمكنه ان يكون الا نتاج قطيعة أو عملية تغريب، أما فكرة جمود المجال الاسلامى فترتبط بشكل وثيق بفكرة الاستثنائية وهى مظهر مهم آخر فى الاقتراب النيواستشراقى ويفترض شكلا ما من الاتساق أن ينظر الاستشراق الجديد الى المجال الاسلامى بوصفه كتلة مصمتة وساكنة نمطاً من التعارض الذى يقيمه بين غرب ديناميكى حديث يشكل معقلا للتحرر ويوفر مساحات للانجاز الفردى وبين شرق جامد حيث يتشكل الفرد عبر الثقافة وعبر الدين، المؤطران بقوة عبر الاعراف الاجتماعية والجنسية، ويرتبط خيال «الارهاب الاسلامى» بشكل وثيق جدا بتعريف لـ«العقلية العربية» وهو ما يفسر استخدام الارهاب كنتيجة لـ«التأخر» الثقافى ولخصائص محددة لثقافة عربية إسلامية وعن سياق ظهور الاستشراق الجديد تشير الدراسة الى أنه من بين النتائج التى اعقبت نهاية الحرب الباردة شكل زوال الاستقطاب الايديولوجى بين المعسكرين دون شك أحد المداخل القوية لفهم انبثاق وتكريس الرواية النيواستشراقية فى المجال الفكرى والاعلامى الامريكى والأوروبى وأدى انهيار الروايات التى كانت تمنح المعنى، مثل المواجهة بين الليبرالية والشيوعية فى سنوات التعسينيات الى سباق لاجل صياغة بديل للتوازن التقليدى بين الشرق والغرب.
وتأتى قوة الجذب لدى الرواية النيواستشراقية بشكل خاص من هذا التجديد الذى يطال اطلس الغيرية فى الترتيب الذى تقيمه لعالم ما بعد الثنائية القطبية من خلال اتباع خطوط التوتر المرتبطة بالهوية الاسلامية حدود الاسلام الدموية هذه التى رسمها «صامويل هنتجتون» على الخريطة بالمعنى الحرفى فى مقالته الشهيرة «صدام الحضارات» ويتطرق الباحث الى فكرة اعتبار الاستشراق الجديد «إرهاب علمى» مبينا انه عبر المقابلات التى قادها مع عدد من ناشطى حركة الاستشراق الجديد وعبر تحليل المؤلفات والمراجع اتضح ان النقد الموجه للاسلام هو فى قسم كبير منه ليس نتاجا لحالة عارمة من الاسلاموفوبيا، فإن معاداة الاسلام السياسى بل وحتى انتقاد الاسلام هى بالاحرى نتاج سياقات محددة وللتلاعب بها من قبل مجموعة متنوعة من الفاعلين لخدمة اجندات ايديولوجية أو سياسية محلية أو وطنية ويؤكد مووس على ان شخصيتين اثنتين كانتا فى قلب الانتقال من الاستشراق الكلاسيكى الى شكله الجديد هما عالم التاريخ البريطانى «برنارد لويس» الكاتب الذى نهل من تراث الاستشراق القديم والذى ساهم مقاله ما الخطأ فى «أسلمة» أحداث الحادى عشر من سبتمبر وصامويل هنتجتون حيث صاغ كتابه عن صدام الحضارات المفردات والاسلوب المناسب لقراءة هذه الاحداث وتتطرق الدراسة الى الاطروحات التى طورتها «بات يجاور» وهى مؤرخة بريطانية من اصول يهودية من مصر خاصة مصطلحيها حول «الذميانية» dhimmitude و«أورابيا» Eurabia التى تميل لتصبح مواضيع مكررة كتبت يجاور نصوصا يظهر فيها مصطلح «الذميانية» اللفظ المشتق من اللفظ العربى «ذمة» التى تشير الى علاقات التبعية بين السلطة الاسلامية والسكان المسيحيين واليهود والزرادشتية اما كلمة «أورابيا» فتصف نتاجاً هجينا من الاوربة والاسلام وانصهار اصطناعى حيث الضفة الجنوبية المتوسطية التى كانت تمثل حدودا فيما مضى تلتهم ضفة شمالية تتغافل عن هويتها اليهودية المسيحية وتؤكد الدراسة ان كتابات المؤرخة البريطانية ومنذ الحادى عشر من سبتمبر 2001 وبفعل استثمارها فى رواية الفاشية الاسلاموية لا تجد صدى حماسيا لدى جمهور اقل أو أكثر تطرقا من الناحية الايديولوجية فحسب ولكنها ايضا تؤثر فى أوساط اكثر أهمية من الناحية الفكرية.
وتوضح الدراسة انه فى أوروبا بشكل خاص تتناول التفاسير النيواستشراقية الممارسات المرتبطة بالحجاب كرمز يحيل بشكل مزدوج الى حالة تمييز بين سلطة ذكورية فاعلة وبين خضوع أنثوى سلبى وكشعار يدل على الفصل بين فضاء الحداثة وبين تقليد غابر ويحاول تفسير النجاح فى الربط المشترك بين المرأة المحجبة وبين فكرة الخضوع فى المجتمعات الغربية وذلك ممكن بفضل أداة كاشفة يوفرها نجاح نشر السير الذاتية لنساء «منشقات» أى نساء مسلمات سابقا اخترن الانتقال الرمزى من الشرق الاسلامى الى الغرب العلمانى، وفى أدبيات الاستشراق الجديد، فإن هذا الانتقال لا يمكن أن يتم بدون حدوث قطيعة أو ردة.
وتمثل شخصية مثل «أيان هيرسى على» النائبة الهولندية السابقة ذات الاصول الصومالية عبر كونها امرأة ومن خلال لهجتها الحادة وسيرتها الذاتية رمزية هذا «المنشق فى الاسلامى» اللقب الذى تعلنه عن نفسها بشكل صريح وتؤكد حالتها اثنتان من الحجج الرئيسية فى الرواية النيواستشراقية: الأولى هى وجود تعارض بين فضاء غربى، تحررى وبين فضاء إسلامى غير صالح ثقافيا أمام التحديث، والثانية فى تقديم الحل للعالم الاسلامى إذا كان يريد الخروج من عصوره الغابرة فيحدث قطيعة مع «الإسلام».
مجموع هذه الادراكات الواعية وغير الواعية التى تتبلور من حول «المرأة» هى التى تفسر العلاقة المتفردة التى تقيمها النظرة الغربية بين «المرأة المحجبة» وبين الأخرى «المسلمة المنشقة» عبر خلع الحجاب سوف تتحرر هذه الاخيرة وتصبح غربية فإن حديثه فى الممارسات المتعلقة بارتداء الحجاب تحمل دون شكل معانى عدة، تختلف حسب السياق، سواد بالنسبة للمحجبات كما فى أعين أولئك الذين يتواجهون مع هذا الرمز واذا كانت ثنائية «التحرر عبر خلع الحجاب» فى مقابل «حجاب رجعى» لا تشدد سوى على البعد المتعلق بالخضوع من ضمن التفسيرات الاخرى الممكنة الا أنه يأخذ كامل معناه فى الرواية الاستشراقية.
ولم تعد ديناميكية الهيمنة التى ترتكز على استخدام صورة المرأة على ما يبدو ذات طبيعة استعمارية فحسب لكنها يمكن ان تستخدم ايضا كتبرير دقيق لروايات صراعية فى داخل الدول ومن خارجها هكذا فإن ادانة وضعية المرأة والواجب المعنوى فى تصحيح هذا الظلم الواقع عليها هى مكونات هامشية من ضمن أخرى جرى اعادة استخدامها من قبل ادارة جورج بوش الابن «2001-2009» بهدف أن تضيف الى الاستجابة العسكرية لهجمات الحادى عشرمن سبتمبر، بعدا تدخليا ذا طبيعة حضارية.
وتختم الدراسة بسؤال حول التشويش الذى أحدثه نجاح الرواية النيواستشراقية وما اذا كان له تأثيرات جانبية عملية أم أنه سيظل خطابا هامشيا فى وجود متغيرات قوية أخرى ويبين أن الحتميات الدينية وفكرة الاستمرارية الثقافية تخلق اليقين والقدرة على التوقع، فتمارس بذلك جاذبية على حزمة واسعة من الفاعلين وسواء أن يتم اعتماد هذا الخيار عن تقليد أعمى أو عن عقيدة أو بشكل براجماتى فليس أكيدا أن تبنى هذه الافكار وهذه اللغة لا يحمل تأثيرا على إدارة المعلومات والقرارات والاجراءات المتخذة لدى هؤلاء، ذلك أن اللغة والمفردات المستخدمة، وطريقة «سرد» التهديد الاسلامى والنماذج التفسيرية تساعد فى تأطير هذه الالتزامات سواء على المستوى المحلى كما تكشفه على سبيل المثال حجج المبادرة السياسية ضد بناء المآذن فى سويسرا، أو على المستوى العالمى كما فى حالة نموذج النزاع الاسرائيلى - الفلسطينى ويؤكد الباحث أنه لا يجب أن ينسب الى الرواية النيواستشراقية اثر قد يكون غير متناسب مع حجمها الفعلى، فالصورة المشوهة لهوية ولاستراتيجيات النضاليات الاسلامية المتورطة فى النزاعات أو فى مناطق التوتر بالاضافة الى الادوار المختلفة، المؤسسية والمهنية التى يتولاها دعاة هذه الحركية لا تستنفد العوامل المتداخلة فى عملية اتخاذ القرار أو عدد الخيارات المتاحة أمام صناع القرار وبالرغ من من ذلك فإن التعرف على تيار نيواستشراقى والفاعلين الرئيسيين فيه يسمح بتسليط الضوء على أحد الوكلاء الذين يتدخلون فى تقليص ادراكاتنا وقدرتنا على التفكير بشأن مجال واسع للحركة بشكل مكتمل هذا هو المظهر الرئيسى فى الاستشراق الجديد الذى بذلنا جهداً لتوضيحه التناقض الظاهر بين الجذب الذى يمارسه حتى فى الاوساط الاكثر تخصصا وبين طبيعته غير الاجرائية فى نظر العلوم الانسانية والاجتماعية ويبين مووس ان الهدف الرئيسى للاستشراق الجديد ليس توفير أداة لفهم التحديات السياسية والاجتماعية التى يتورط فيها الفاعلون الاسلاميونل فى التحرر مع الوقائع التى لا تتوافق أو تتوافق بصعوبة مع «مصالح» هوياتية أو مهنية وأيديولوجية أو أيضا سياسة امكانية اثبات وتأكيد هذه المصالح بإخفاء التحاليل المنهجية للاحداث والعلاقات بينها لفائدة سرد للقصص هى التى تجذب عددا غير يسير من المتكلمين ومن الجمهور، واذا كانت هذه الرواية لا تفسر شيئا فهى فى المقابل تحكى قصة صراع تعرض التفاعلات بالهوية الغربية والهوية الاسلامية حيث يتم فيها تسطيح للوقائع الى حد كبير.