الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التحرش.. وحركة التنوير




أخيراً بدأ قسم مكافحة العنف ضد المرأة تنفيذ مهامه الرادعة بشكل مكثف مع تزامن بدء العام الدراسى الجديد.. وتم الدفع بعدد من ضابطات وشرطيات أمام المدارس للتصدى لأى ممارسات تحرش تتعرض لها الطالبات أثناء دخولهن المدارس.. وعقب خروجهن.. ووسائل الحماية تستخدم فيها العصى والقوات التى تتحرك منها عناصر قيادية نظامية وبحثية على استعداد للتدخل الفورى والحاسم فى حالة حدوث أى خروج عن القانون.. أما الطالبة «داليا» صاحبة مشروع الشرطيات والمتطوعات لمساعدة الشرطة النسائية فى مترو الأنفاق فقد بدأت نشاطها منذ اليوم الدراسى الأول هى وزميلتاها «منة» و«أسماء» باعتبارهن حلقة وصل، حيث يرابطن أمام البوابات الإلكترونية وبإشارة منهن يبلغن عن حالات التحرش وسط صفوفهن.. وهنا تبدأ الشرطة النسائية فى التحرك وأداء المهام الموكلة إليها.
وهكذا فإن الحل الأمنى يبرز فى صدارة المشهد ـ كالمعتاد ـ لعلاج تلك الظاهرة الخطيرة.. بالإضافة الى القرار الذى سبق أن أصدره المستشار «عدلى منصور» فى خطابه الذى ودع به كرسى الرئاسة ـ والذى يقضى بتعديل بعض أحكام العقوبات بما يسمح بمعاقبة المتحرش جنسيا بالحبس والغرامة مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن «3» آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير فى تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأى وسيلة بما فى ذلك وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية.
والمفارقة أنه بمجرد أن صدر القرار حتى وقعت أحداث حفل الاغتصاب الجماعى فى ميدان التحرير أثناء الاحتفالات بتنصيب الرئيس «السيسى» حيث تعرضت «5» فتيات وسيدات لعمليات هتك عرض واغتصاب جماعى فى قلب الميدان، وفى إثر ذلك طالعتنا الصحف بمانشيتات غاضبة تطالب بالقصاص من المتهمين بالإعدام.. ووجهت شخصيات سياسية ومنظمات حقوقية نداء إلى الرئيس «السيسى» بالإسراع إلى تغليظ العقوبة أسوة ببعض الدول التى كانت تعانى انتشار هذه الظاهرة ونجحت عقوبة الإعدام فى الحد منها.
والحقيقة أن الكتب الصفراء التى تحتشد بها المكتبات والأرصفة ويقبل عليها العامة فى زماننا الذى تنتشر فيه فتاوى دعاة التكفير ـ رغم رحيل الإخوان ـ تلك الفتاوى التى يخصون المرأة فيها بوابل من المحرمات الشاذة.. ومنها ضرورة اخفاء الوجه لأنه مثل الفرج «عورة» ندرك مدى تراجع قيم ومفاهيم الحضارة الحديثة فى عدو محموم ومخيف لحساب أصولية متخلفة.
والحقيقة أن ذلك المفهوم المتخلف والغبى لماهية المرأة.. باعتبارها كائنا غير أخلاقى.. ومصدراً للغواية ومنبعا للرذيلة.. هو ما تبقى فى أذهان الشباب الذين يسعون للتحرش بها.. فهم لا يرون ـ بناء على فتاوى الدعاة والكتب الصفراء ـ سوى أنها كائن غير إنسانى.. لا وظيفة له سوى اعتلاء الرجل لها، والمفارقة أن التحرش لم يقتصر فى ظل الجماعة الارهابية على الشباب بل امتد ليشمل فضليات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.. فى عربات السيدات فى المترو.. ولعل أيضا نموذج المعلمة المنتقبة التى سبق وقصت شعر التلميذتين فى الفصل مازالت حاضرة فى الذهن.
ومن هنا فإن هؤلاء الظلاميين يعتبرون متحرشين بامتياز باسم الدين ونواهيه ـ والدين منهم براء ـ وبالأمس القريب ـ وفى ظل حكم الإخوان ـ ظهرت مفارقة مدهشة تمثلت فى هوان الاخوان المسلمين ابتداء من مستشارة الرئيس لشئون المرأة التى جمّلت قبح المجزرة الانسانية «الختان» وسمتها عملية تجميلية لا يعيب تنفيذها بشرط أن يكون ذلك قبل البلوغ وقاية لشرف المؤمنة وحفظا لعرضها وعفافها.. وليس عدوانا على الجسم البشرى وتحرشا ضد المرأة باسم الدين.. وجوراً على حقها فى المتعة الجنسية المشروعة.. المهم أن يستمتع الرجل ولا شأن للمرأة بذلك على الإطلاق.. فهى ليست سوى آلة للإنجاب.
إذاً فإنه من الخطر كل الخطر حصر أسباب تلك الظاهرة البشعة التى تفشت بشكل مخيف فى المجتمع المصرى لدرجة أن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أورد فى دراسة له أن هناك «20» ألف حالة اغتصاب وتحرش جنسى ترتكب فى «مصر» سنويا.. أى أن هناك حالتى اغتصاب تتم كل ساعة تقريبا تحصرها فى مسئولية الأمن أو قصور القانون.. وقلة تربية الصبية.. وعلاقة ملابس المرأة بالتحرش.. وحقد الفقراء على الاغنياء دون أن يدركوا أن العشوائيين للعشوائيات.. بمعنى أن هؤلاء الصبية المعتدين من الطبقات الدنيا يتحرشون غالبا ببنات نفس الطبقة.. ونحن لا يمكن أن نغفل تأثير الحياة المعيشية التى يعيشها هؤلاء.. حيث يتكدس الابناء أولادا وبناتا مع الأب والأم نائمين فى حجرة واحدة فينتقى الاحساس بالخصوصية ويمتهن الجسد الإنسانى ما يؤدى إلى جرائم العنف الجسنى..وزنى المحارم.. بالإضافة إلى البطالة.. وازدياد معدلات الفقر خلال العشر سنوات الماضية.. وصعوبة الزواج.. وارتفاع نسب عنوسة الرجال وتفاقم معدلات الطلاق.. وصولاً إلى الحرمان والكبت الجنسى.
لا مفر فى النهاية من تحقيق التنوير الذى يشيع الوعى بين الناس ويشمل تجديد الخطاب الدينى.. فالثورة الثقافية هى الملاذ وهى الأمل حيث تبدأ بوصفها أفكاراً فى عقل نخبة مثقفة لكنها تؤثر فى قطاعات واسعة فى المجتمع المدنى على اختلاف فئاته من خلال تعليم متطور.. ووسائل إعلام قوية.. وأدوات اتصال حيوية.. وكما يقول د.جابر عصفور فى كتابه المهم «التنوير والدولة المدنية» أنه نتيجة للحركة المتبادلة بين النخبة والجماهير.. يتسع مدى فكر التنوير ويتم تثقيف الوعى الجمعى بكل أشكال الإبداع فى مناخ حر لا يعرف الأصولية الدينية.