الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

غياب الإصلاح الكنسى الحتمى




شهد إصلاح الكنيسة القبطية مراحل وفورات كبيرة ثم خمولا وانكسارا.. وما بين الفوران والانكسار لم يحدث تغيير يذكر، وهناك كتابات عديدة شهدها أوائل القرن التاسع عشر والقرن العشرون وأغلب المجلات القبطية كانت تحمل صفة مجلة إصلاحية، وكانت تحتوى على مقالات تنويرية اصلاحية تعرض مشاكل الكنيسة وحلولا لها منها مجلة الكرمة واليقظة والفتى القبطى والشهداء والمنارة ومدارس الاحد وغيرها الكثير، وهناك شخصيات حملت مشاعل الاصلاح مثل الأب سرجيوس الذى أسس كنيسة باسمه عرفت باسم كنيسة القمص سرجيوس وكتب وحارب الاحتلال الانجليزى وحارب الطائفية والتسلط وتعرض للحرمان، وهناك من تحدث بالمنطق والعقل ونشر فى الصحف والمقالات وأصدر 26 كتابا ونال عقابا بعدم الصلاة على جثمانه مثل القس إبراهيم عبدالسيد، وهناك من كتب وهو علمانى ـ بدون رتبة كهنوتية ـ مثل نظير جيد الذى كتب كثيرا ضد البابا يوساب فى مجلة مدارس الاحد وكتب ضد البابا كيرلس بعد أن اصبح أسقفا للتعليم باسم الانبا شنودة فى مجلة الكرازة البحثية الرازينة ولكن بعد أن أصبح بطريركا باسم البابا شنودة أصبح شخصا آخر وتحولت الكرازة لمجلة خبرية بلا عمق.. فلماذا يفشل المصلحون فى إصلاح الكنيسة؟
فى البداية يقول الدكتور ماجد عزت أستاذ التاريخ بجامعة ياخوم بألمانيا ومؤلف كتاب البطريرك المنتظر حركة الاصلاح فى الكنيسة القبطية بدأت فى عهد قداسة البابا كيرلس الرابع المعروف فى الكنيسة القبطية بأبو الاصلاح «1854- 1861م»، وربما كانت تمر مصر بمرحلة الحرية التجارية «الاقتصاد الحر» وكانت بمصر جنسيات عديدة أجنبية ونشط الاجانب فى نشر مذاهبهم الدينية بمصر وتحول العديد من الاقباط إلى الكاثوليكية والبروتستانيتية، هذا مهد لوجود غيرة داخل الكنيسة القبطية لتحافظ على أبنائها من الكثلكة فبدأت مرحلة تجديد ونهضة شملت التعليم والتدريب المهنى والتطوير وجلب مطبعة وطباعة الكتب.
بالاضافة لوجود العائدين من المصريين من بعثات محمد على باشا التنويرية فصنع حالة رواج فى مصر كلها فأثر على الكنيسة.
أما لماذا يفشل الاصلاحيون فى الاصلاح؟
فيرجع ذلك الى مراحل الركود التى تصيب البلاد بصفة عامة من أمراض اجتماعية والامراض المتوطنة فى المجتمع المصرى وأهمها الفقر والجهل فماذا تنتظر من مجتمع نسبة الأمية تصل الى 40٪ فهنا دائما تتغلب العاطفة الدينية على العاطفة الاصلاحية ليظل المجتمع كما هو دون تغير ولا حراك «أى مجتمع ميت» غير متجدد حتى ولو تغيرت الانظمة العلمية وما يصاحبه من تطور فى تكنولوجيا الصناعات لان الفكر والثقافة والجهل لايزال موجودا ولذا عندما يأتى الاصلاحيون الاقباط «التيار العلماني» بالكنيسة يجد معارضة كبيرة من داخل الكنيسة، لان العاطفة الدينية أقوى من أى عاطفة أخرى.
وبصراحة بعض رجال الدين المسيحى يحتاجون لمزيد من الثقافة والتطوير فى لغة خطابهم وتعاملهم مع مشاكل المجتمع الكنسى، هذا يحتاج الى دافع من الكنيسة ومؤسساتها كلها.
كما أن بعض الاصلاحيين يريدون تغييراً جذريا فى وقت واحد وهذا لا يحدث فى مجتمع مريض، والمريض يحتاج لعلاج ببرنامج منظم ولكن لا ننكر أن حركة الاصلاحيين نشطت فى منتصف القرن العشرين وكان من روادها الراحل قداسة البابا «شنودة الثالث» «نظير جيد والأب القديس متى المسكين» وغيرهم ولكن للاسف وكلاهما تلاميذ للقديس «حبيب جرجس» باعث الحركة التنويرية بالكنيسة بعد البابا كيرلس الرابع، ولكن بكل أمانة تراجع الراحل البابا «شنودة» وخاصة بعد أن وصل للكرسى المرقسى وتم استبعاد ومحاربة القديس «متى المسكين».
وأعتقد أن أحيانا الدولة يكون لها دور فى مواجهة الحركات الاصلاحية بدليل أن البابا كيرلس الرابع كانت تسانده الدولة، أما البابا شنودة فكانت تحاربه الدولة!
نأمل فى تغير مفاهيم وأوضاع كثيرة يطول سردها وشرحها وتوضيحها لاعطاء مساحة رأى وعمل للاصلاحيين حتى تنهض الكنيسة علميا وثقافيا واجتماعيا، وأعتقد أن قداسة البابا «تواضروس الثانى» يدرك أهمية دور الاصلاحيين «التيار العلمانى داخل الكنيسة».
أما المفكر القبطى عادل جرجس فيقول عند الحديث عن حركات الاصلاح الدينى المسيحية يقفز الى الاذهان اسم «مارتن لوثر» كأشهر قائد لحركة اصلاح امتدت نحو الثلاثين عاما ومن العبث ان نقيم تجربة لوثر على أنها حركة اصلاح دينى ومذهبى ويجب علينا التوسع فى الرؤية لسياق تلك الحركة الاصلاحية والتى لم تكن حركة ضد تصحيح المفاهيم ولكنها كانت فى الحقيقة ثورة سياسية متكاملة الاركان ضد سلطة الكنيسة فى أوروبا ومن العبث ان نتخيل أن لوثر بمفرده كان قادرا على مواجهة جبروت الكنيسة وحده ولكنه كان مدعوما من الامراء والوجهاء والذين كانوا يسعون لاسقاط حكم الكنيسة المدعوم بالاقطاع والدعوة هنا لم تكن لتصحيح مفهوم دينى بقدر ما كانت الرغبة فى القضاء على دولة دينية واقامة دولة مدنية وساعد لوثر فى الترويج لافكاره جوقة من الفلاسفة والمفكرين المستنيرين فى هذا الزمان ولوثر هو أول من هاجم الرهبان على الرغم من نشأته الرهبانية ورأى فى حياة الرهبنة ذلا واستبعادا واستغرب لماذا يمتنع الرهبان عن الزواج وكسر تلك القاعدة وتزوج من راهبة اسمها كاترين بورا وهو الذى دعا رجال الدين الى الخضوع للسلطة المدنية، كما دعا الى الحد من الاديرة وقام بنفى دعوى احتكار تفسير الانجيل وحصرها برجال الكنيسة وعلى اثر اختراع الطباعة قام بطباعة الانجيل الى اللغات القومية، كما قام هو نفسه بترجمة الانجيل الى اللغة الألمانية لما اتسم به من مواهب أدبية، حتى يكون الانجيل فى متناول الجميع ومن يريد قراءته باللغة الأم وحتى لا يبقى حكرا على حفنة من رجال الدين فى التفسير والتأويل حسب أهوائهم ولولا هذه الطباعة لما تحرر الفرد المسيحى من سلطة رجال الدين القائمة على احتكار المعرفة الدينية وكان هذا من أهم الاسباب التى ساهمت فى سقوط سلطة الكنيسة مع توأمها سلطة الاقطاع، ليتوج اخيرا بفصل الدين عن الدولة ولقد تجاوزت حركة لوثر ميدانها الدينى حيث غدت حركة سياسية استغلها الألمان ضد سلطة الكنيسة، وكل هذا تطور فيما بعد طوال القرنين السادس عشر والسابع عشر الى ثورة دينية داخل العالم المسيحى، بين المذهب الكاثوليكى المتزمت والبروتستانت وهكذا نشأت الحركة «اللوثرية» من منطلق دينى إلا أنها توافقت زمنيا مع الحركات السياسية فى ظل الوعى القومى المتطلع لتأسيس كيانات ذات طابع مدنى فى بدايات عصر النهضة فجاءت موالاة الحركات السياسية القومية لحركة الاصلاح الدينى وقد تكللت جهودها لاحقا فى الوحدة الايطالية والاتحاد الألمانى، ويضيف عادل جرجس قائلا: أما بالنسبة للشرق فلم يكن يوما ما مركزا لأى حركات اصلاح ولكن روافد الاصلاح كانت تأتينا عبر الارساليات المختلفة وعلى الرغم من أن الاجواء فى الكنيسة الآن تتشابه الى حد قريب من أجواء الكنيسة إبان عصور النهضة والذى تحتاج معه الكنيسة الى حركة اصلاح إلا أن مقومات الاصلاح بالمفهوم الشامل المدعوم بحركة سياسية لا يتوفر لنا كما أن جهود الاصلاح غير حقيقية فهى لا تعدو كونها نعرات فردية لا يبغى اصحابها الاصلاح بقدر ما يريدون فرض انفسهم جبرا على النظام الكنسى ويبحثون لأنفسهم عن موقع تحت الشمس فاذا ما وجدوا ضالتهم المنشودة خفتت اصواتهم وتلاشت وتلاشوا معها من الوجود والاصلاح الحقيقى لن يأتى الا من داخل الكنيسة وليس من خارجها فهناك فريق من رجالات الكنيسة لهم رؤى اصلاحية جذرية فى بعض نواحيها وعلى رأس هذا الفريق قداسة البابا تواضروس الثانى الا أن هناك فريق آخر اقوى وأكبر يقف ضد كل ما هو حداثى فى الكنيسة واظن ان هذا الصراع سوف يمتد لسنوات قليلة وسوف يحسم لصالح الاصلاحيين فالاصلاح فى الكنيسة لن يأتى على صهوة جواد ثورة ولكنه سوف يكون اصلاحا ناعما على الرغم من أننا نحتاج فى تلك المرحلة لبزوع نجم بعض الفلاسفة والمفكرين الكنسيين والذين سوف تقع على عاتقهم مهمة كسر احتكار الحقيقة الايمانية ووضع أسس وآليات جديدة لكيفية تأويل وتفسير النص الدينى دون اقصاء أو مصادرة.
ويرى الباحث باهر عادل أن الفشل فى الاصلاح يرجع أولا: بسبب الثقافة العربية أو الاسلامية المحيطة وكما نرى لايوجد أى اصلاح حدث فى المنطقة سواء سياسيا أو دينيا وبالتبعية الكنيسة القبطية كجزء من هذه الثقافة ـ نتيجة لظروف جغرافية وتاريخية ـ اصبحت ايضا طاردة للنقد والاصلاح!
ثانيا: ارتباك الهوية: الكنيسة الارثوذكسية القبطية مرت بمراحل كثيرة وتغيرت لغتها من اليونانية الى القبطية الى العربية مما نتج عنه انفصال عن تعاليم الاباء نسبيا بسبب اختلاف اللغة وضعف حركة الترجمة!
وأيضا بداخل الكنيسة تيارات لاهوتية متعددة «فى طريقة شرح العقيدة» وعدم وجود تحديد عقائدى للكنيسة جعل ظهور صراع بين تقاليد متباينة فى طريقة الشرح يبدأ فى الظهور شيئا فشيئا.
رابعا: الاصلاح حركة فردية: فحبيب جرجس مثلا فرد لا غير لم تقم مؤسسات أو الكنيسة جميعها متمثلة فى البابا وجميع أساقفها والاكليروس بهذه النهضة فدائما الاصلاح ينطلق من شخص واحد أو عدة اشحاص فرادى فى كل جيل مما يجعل جهودهم الاصلاحية العظيمة «لاهوتيا - أو إداريا» كأنها ريشة تذروها الرياح!
خامسا: الغيرة والحقد لان الاصلاح فردى ينتج عن ذلك سهولة اقصائه بسهولة فكل ما يظهر أى صوت يغرد خارج السرب ويبزغ نجم كتاباته تنسل السيوف عليه وتحدث الوشاية وتكون النتيجة هى اضطهاد المفكر أو المصلح وابعاده عن التعليم والتضييق عليه وتشويهه مثل ما حدث مع الأب متى المسكين «كمصلح لاهوتى» أو أبونا إبراهيم عبدالسيد «كمصلح عصرى».
وسادسا: سلطة الاكليروس وضعف ثقافة الشعب: فالشعب العربى عموما تنتشر فيه الامية بصورة كبيرة ويوجد سلطة «شبه مطلقة لرجال الاكليروس» وينتج عن ذلك أن يتم حشد البسطاء ضد الاصلاح!
لهذه الاسباب ـ وربما أكثر ـ فشلت حركات المصلحين حتى الآن!
ويقول بيشوى البسيط مؤسس حركة صوت المعمدان لأن أغلبهم لم يكونوا إصلاحيين بل متضررين وايضا يضيف البسيط، لأن الإصلاحيين لم يتحدوا ويجتمعوا على مائدة علوم الكنيسة.
الاصلاحيون الحقيقيون قدموا مادتهم الاصلاحية بشكل إيجابى وليس سلبيا من خلال أبحاثهم أو رحلاتهم الاصلاحية مثل القمص سرجيوس، لأن الاصلاح الحقيقى فى تقديم المعرفة ومواجهة الفساد بلا خوف أو مراعاة لمصالح شخصية.
وأخيرا لأن نسبة الجهلاء من الإكليروس ويليه الشعب اضعاف مثقفى العلوم الكنسية.. المفكر رومانى جوزيف أرجع سبب فشل المصلحين لفكرة سير الكنيسة عكس خطة السيد المسيح الذى طلب أن يكون السيد خادما والاول آخر، أى عكس ما هو حادث فى الهرم الكهنوتى، وأعطى مثالا بالأب متى المسكين الذى عندما أدرك أن المنظومة لن تنصلح ذهب وبنى مكانا واخذ يشرح فكرته ويعلم ويخدم وترك الرتب بنظامها المتسلط.