الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الوداع




كتب - أحمد تركي

كثيراً ما تمنيت وأنا أدرس سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لو كنت واحداً من أصحابه، أو حتى من خدمه، فقد ملأ الحبيب كل مساحة شعورى ووعى إعجاباً بخلقه ورحمته وحكمته وعظمته وسماحته.
هذا الشعور الفائر بحب رسول الله يتعاظم كل يوم، ويزداد بالتبعية شوقى للقياه يوم القيامة وأن أكون تحت لوائه بعدما حُرمت ذلك فى الدنيا، عساى أن أكون من هؤلاء الذين قال الله تعالى فى شأنهم: (يَوْمَ لَا يُخْزِى اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ - نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا - إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). «التحريم:  ٨»
إن شوق المحبين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شعورٌ متبادل بينهم وبينه حتى بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى وإن لم يروه أو يعاصروه، (فقد روى الإمام مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة - رضى الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددنا أنّا قد رأينا إخواننا؟!!، قالوا: أو لسنا إخوانك يارسول الله؟، قال: أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد)، (وفى رواية أخرى قال: من أشد أمتى لى حباً أناسٌ يكونون بعدى يودُّ أحدهم لو رآنى بأهله وماله).
وحج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجته الوحيدة عام ٦٣٢م، ١٠هـ، ووقف على عرفة يوم جمعة قبل انتقاله إلى ربه بواحد وثمانين يوماً، بعد بلاءٍ طويل فى إبلاغ الرسالة، ناصحاً أمته إلى يوم القيامة نصيحة مودع، يصيح فيهم كما يصيح الوالد بولده إشفاقاً عليه من منعطفات الدنيا وغرورها، ومكائد الشيطان وشركه، وتقلبات الأزمنة وأمواجها.
لقد ظل ثلاثاً وعشرين سنة يصل الأرض بالسماء، يتلو على الناس آيات القرآن، ويزكيهم بالحكمة والموعظة الحسنة حتى اكتمل الدين، وتمت النعمة، وبانت حقائق الدين محجة بيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، وأنزل الله قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3]. عندما سمعها سيدنا عمر - رضى الله عنه- بكى! وقال: ليس بعد الكمال إلا النقصان، وكأنه استشعر قرب وفاة رسول الله.
خطب الحبيب - صلى الله عليه وسلم - قائلاً: (أما بعد، أيها الناس: اسمعوا منى أبين لكم، فإنى لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا، فى موقفى هذا.
أيها الناس: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تتقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، فى شهركم هذا، فى بلدكم هذا. ألا هل بلَّغتُ؟ اللَّهم اشهد.
فمن كانت عنده أمانة فليؤدِّها إلى من ائتمنه عليها وإن ربا الجاهلية موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون. قضى الله أن لا ربا، وإن أول ربا أبدأ به ربا عمِّى العباس بن عبدالمطلب. وإنَّ دماء الجاهلية موضوعة.. وإنَّ مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية. والعمد قود، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر، وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية.
أيها الناس: إن الشيطان قد يئس أن يعبد فى أرضكم هذه، ولكنه قد رضى أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم.
أيها الناس: إن لنسائكم عليكم حقا، ولكم عليهن حق، لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم غيركم، ولا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم، ولا يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن فى المضاجع، وتضربوهن ضربا غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، فاتقوا الله فى النساء، واستوصوا بهن خيرا.. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.
أيها الناس: إنما المؤمنون إخوة، فلا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفس منه. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.
فلا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، فإنى قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده، كتاب الله وسنتي؟ ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.
أيها الناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلُّكم لآدم، وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربى على أعجمى فضل إلا بالتقوى.
ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. فليبلغ الشاهد الغائب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والسؤال!!! هل نحن على عهد رسول الله وعلى وصاياه كما جاءت فى خطبة الوداع؟!!
أعتقد يقيناً لو أن رسول الله حياً لطرد خلقاً كثيراً يرفعون رايته يكفرون المسلمين ويعملون فى أعناق العباد ذبحاً وفى البلاد فساداً حتى وإن صلوا وصاموا وزعموا أنهم مسلمون، كما فعل مع أبى عامر المنافق الذى بنى مسجداً إرصاداً لمن حارب الله ورسوله وإرهاباً للناس باسم الله، فقد هدم مسجده وسماه مسجد الضرار وهرب المنافق قبل القصاص منه. وأنزل الله فى شأنه قوله تعالى (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) «التوبة: ١٠٧»
إن كل من استحل الدماء والأعراض ومقدرات الأمة التى حرمها رسول الله كحرمة البلد الحرام والشهر الحرام، ليس له مكانٌ من الرحمة!!، لا عند الله ولا عند رسول الله، وبالتالى ليس له موضع قدم بيننا، فليذهبوا، إلى الجحيم.
أما من سلم الناس من لسانه ويده، فهو المؤمن الذى سيكون فى ظل الله يوم القيامة ومن أحباب رسول الله، اللهم أجعلنا منهم.