الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

شىء اسمه العزة الوطنية




صفعة أخرى توجه إلى الرئيس التركى بالإضافة إلى الإخوان ومكانها هذه المرة «نيويورك» فقد تجاهل «السيسى» التصرفات الصبيانية التى بدرت من «رجب أردوغان».. حيث تعامل مع الموقف بطريقة أخلاقية عندما رفض التعليق الشخصى على إساءة الرئيس التركى لمصر الثورة والشعب والحكومة والجديد والمهم فى هذا الشأن ذلك البيان القوى الذى أصدرته الخارجية الإماراتية مؤكدة أن التدخل التركى فى الشأن المصرى سافر ومرفوض ويستغل منبراً دولياً وجد فى الأصل ليكون وسيلة بناء وليس الهدف والتشويه.. ويكرس لعزل تركيا عن منطقة الشرق الأوسط خاصة بعد تطاول الرئيس التركى على مصر فى كلمته أمام الأمم المتحدة.. فالسهام المسمومة التى يطلقها ضد مصر.. ترتد إلى صدره.. كما تتمثل الصفعة فى اعتراف «أوباما» بشرعية النظام الحالى فى «مصر» فقد رأت «أمريكا» أن العلاقات بينها وبين «مصر» هى حجر الزاوية فى أمن الشرق الأوسط، خصوصاً بعد إلقاء «السيسى» لخطابه فى الأمم المتحدة الذى لاقى ترحيباً كبيراً بين كل الأوساط الداخلية والخارجية.. ودفع فى اتجاه إعادة العلاقات بين البلدين دون أى تنازلات مما يعتبر ضربة قوية للإخوان وتركيا معاً.
المدهش فى الأمر أن النظام التركى لا يتعلم من أخطائه.. فقد سبق فى العام الماضى (2013) طرد السفير التركى من مصر بعد الإهانات التى وجهها «أردوغان» إلى الشعب المصرى والمؤسسة العسكرية وشيخ الأزهر.. والقضاء المصرى وتدخلاته فيما لا يعنيه من شئوننا الداخلية.. ومواصلة تصريحاته أن ما جرى فى «مصر» هو انقلاب عسكرى، وأن «محمد مرسي» هو الرئيس الشرعى المنتخب لمصر.. ولا بد من إطلاق سراحه.. هو وكل قادة جماعة الإخوان.. ووصف محاكمة «مرسي» بأنها محاكمة هزلية ضد الديمقراطية وحقوق الإنسان وكل قواعد وقيم البشرية السامية.
المدهش أكثر.. وأكثر أن التاريخ يعيد نفسه.. فالزعيم الراحل «جمال عبدالناصر»، الذى كانت تشغله قضية الاستقلال الوطنى «لمصر» وعدم تدخل الدول الأخرى فى شئونها الداخلية.. سبق وأن قرر طرد السفير التركى فى القاهرة «فؤاد طوغاي» فى يناير (1954).. حيث اتهمه «عبدالناصر» بالهجوم المستمر على ثورة الثالث والعشرين من يوليو (1952) وعلى قادتها.. كما وجه الاتهام للحكومة التركية بعدم احترامهم لإرادة الشعب المصرى وثورته ورموزه السياسية.. وبناء عليه فإنه لا يسمح باستمرار العلاقة بين «مصر» و«تركيا» على هذا النحو الممجوج.. فنحن - حسب التصريح الرئاسى - لا نريد أنقرة ولا نحتاج إليها ولا نرحب بها.
وبمناسبة التدخل فى الشأن الداخلى.. فإن اسم الزعيم الراحل «جمال عبدالناصر» يبرز من جديد. ونحن نتذكر خطابه التاريخى الذى ألقاه أمام جماهير «بورسعيد» بمناسبة «عيد النصر» فى يوم (22) ديسمبر (1964).. وتحدث فيه عن معركة السويس.. وعن الإرادة المصرية وعن رفض الضغوط.. والإنذارات.. حيث قال: «نحن لا نقبل ضغطاً من أحد ولا تدخلاً.. إننى أقول هذا الكلام بمناسبة ذهاب السفير الأمريكى لمقابلة نائب رئيس الوزراء للتموين.. وكان «مأموص» وزعلان.. وقعد عنده دقيقتين.. وكان المفروض أن يتكلموا عن التموين.. المواد التموينية التى تأتى لنا من «أمريكا» حسب قانون الحاصلات.. وقال له.. والله لا يمكننى أن أتكلم الآن فى هذا الموضوع.. ليه؟!.. لأن سلوكنا هنا فى «مصر» لا يعجبهم.. أنا أقول إن الذى لا يعجبه سلوكنا يشرب من البحر.. والذى لا يكفيه البحر الأبيض ياخد الأحمر يشربه كمان.. نحن لا نبيع استقلالنا من أجل (30) مليون جنيه قمح.. أو أربعين أو خمسين.
وأصل الحكاية إن طائرة صغيرة قادمة من اتجاه البحر إلى منطقة الإسكندرية.. تصدت لها مقاتلة مصرية طلبت منها تحديد هويتها واتجاهها.. ولم تتلق رداً.. فقامت بإسقاطها وقتل طيارها.. ومضت ساعات وإذا بهوية الطائرة كشفت كطائرة أمريكية مملوكة لصاحب شركة بترول من «تكساس».. وهو صديق شخصى للرئيس «ليندون جونسون» وجاره فى مزرعته فى نفس الولاية «تكساس».. واتصل صاحب الطائرة بصديقه فى البيت الأبيض يبلغه بما حدث لطائرته التى كان يقودها طياره الخاص.. واتصل الرئيس «جونسون» بوزير خارجيته.. وكان ثائراً.. وبدوره اتصل وزير الخارجية الأمريكى بسفيره فى القاهرة الذى أشرف على إجراءات إعداد جثة الطيار للشحن إلى الولايات المتحدة.. ثم عاد إلى سفارته بعد الظهر.. وكتب عدة برقيات إلى «واشنطن» ثم توجه إلى موعده فى وزارة التموين مع الدكتور «كمال رمزى أستينو» وزير التموين.. وأرجأ معه مناقشة موضوع توريد القمح الأمريكى إلى مصر.
يمكننا تذكر تلك الواقعة وعلاقتها بخطاب «عبدالناصر» ونحن نسترجع الموقف الوطنى الذى اتخذه الرئيس «السيسي» تجاه رفضه للمعونة الأمريكية إذا ما ارتبطت بالاستقلال الوطنى والتدخل فى الشأن المصرى.
ولا شك أن الإحساس البغيض بالتبعية للسياسة الأمريكية الذى خلصتنا منه ثورة (30) يونيو.. وأصر «السيسي» على عدم الرضوخ له هو الذى أدى بنا اليوم إلى ذلك الموقف القوى والمشرف والذى نحصد نتائجه الإيجابية الآن.. والذى عبر عنه الرئيس بجملته المهمة فى الأمم المتحدة.. وفى اللقاء مع «أوباما» مؤكداً أن الحكومة المصرية إنما تتبلور سياساتها استجابة للإرادة الشعبية.. والأولويات الوطنية باعتبار ذلك ثمرة لثورتين عظيمتين وضعتا «مصر» على طريق بناء دولة ديمقراطية تعلى من قيم الحرية ويحترم مبادئ حقوق الإنسان وتلبى طموحات الشعب المصرى فى تحقيق التنمية والتقدم.