الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

روح أكتوبر.. أسئلة معلقة




كتب - د. حسام عطا

إنه ذات السؤال الذى نسأله كل عام فى ذكرى انتصار السادس من أكتوبر 1973، لماذا لا يوجد عمل فنى كبير يبتعد عن الطابع الاحتفالى العابر ويدخل بالنصر العبقرى نحو المنطقة الساحرة للفن عندما يكون حراً وعميقاً؟ إنها السنة الواحدة والأربعون ولازلنا نكرر السؤال، أما السؤال الجديد عن غياب عمل فنى يخلد ثورة مصر فى 25 يناير وتصحيح مسارها فى 30 يونيو، فأتمنى ألا نظل نسأله لسنوات طوال وبذلك فحقيقة السؤال تبقى، هل الفن المصرى عبقرى فى المقاومة كسول فى تأريخ النصر؟ وهل هناك أسباب أخرى يمكن أن تجيب عن السؤال المعلق؟
الجدير بالذكر والتكرار والتأكيد أنه كلما جاء أكتوبر حضرت روح انتصار مصر 1973 لتشحذ الإرادة المصرية وتطهر القلوب من الوهن، والشعب المصرى العظيم الذى يصنع المعجزات عندما يحضر صراع الحرب والثورة وهو صراع وجود يتحول لطاقة عمل وإصرار لا حدود لها.
انتصار الجيش المصرى فى أكتوبر 1973 وعبور أكبر مانع مائى وخط دفاعى عرفته الإنسانية فى حروبها.
فالشعب المصرى كله انتصر ودعم جيشه فى الحرب وفى الاستعداد لها،وقد كانت الحرب هى رغبة مصر كلها بشعبها وجيشها لاستعادة الكرامة المصرية، وهو الأمر الذى تكرر فى الثورة عندما أرادت مصر فى 25 يناير ثم 30 يونيو أن تنتصر على الفساد والجمود والترهل والخرافة والمشروعات الأممية التى لا وطن لها ممثلة فى مشروع الخلافة الإسلامية الوهمى، وهما العبور الثانى لمصر وقد كان الجيش المنحاز لإرادة المصريين وللثوابت الوطنية فاعلاً أساسياً فيهما.
أما كيفية الحفاظ على تلك الحالة الشعورية الجماعية القادرة على التضحية والفداء والتى تهون فيها الحياة دفاعاً عن المثل العليا والقناعات الوطنية، فهى روح مصر العبقرية التى تحافظ على حرية الفرد وتنوع الجماعات مع اتحادها فى هدف واحد يحقق القول الشهير «المصريون كل فى واحد»، فهذا هو السؤال الصعب.
لماذا نصنع المعجزات ثم تأتى رياح الأيام العادية لتفككا جمع لا يلوى على شىء؟
لماذا ننجز ما يبهر شعوب الأرض ثم نتفتت فى عدم البحث عن القوت وصراعات الأحقاد الصغيرة اللا مجدية؟
ولماذا عقب كل نصر عبقرى فى تاريخ مصر الحديث نعود لنصنع تعاسات اجتماعية واقتصادية ونهمل الأبطال وندعم اللامنتمين إلا للمصالح الصغيرة؟
الإجابة أننا فى كل مرة ننسى دعم مفهوم المواطنة القائم على العيش الكريم والحرية الشخصية والسياسية والاجتماعية والثقافية، ونترك هؤلاء الذين ينتظرون فى دفء مكاسبهم ليبقوا فى كل مرة فى وضع المراقب الذى لا رأى له ولا مشاركة وقت أن يكون للرأى والمشاركة ثمن خطر، ثم يقفزون للحصول على المكاسب.
وقد ظل انتصار أكتوبر محاطاً بقوى التشكيك بسبب صراع السادات مع المثقفين التقدميين المصريين قبل انتصار 1973، وبعده وهو الأمر الذى وصلت حدته إلى عزل يحيى حقى من رئاسة مجلة المجلة ومصادرة مسرحية باب الفتوح لمحمود دياب وسعد أردش فى 1971، كان سعد أردش رحمه الله يسأل نفسه طوال السنوات اللاحقة للنصر، لماذا استمر منعه من العمل بعد نصر أكتوبر إذا كان وقف الأعمال التى تتحدث عن الحرب هو جزء من خطة الخداع الإستراتيجى لإيهام العدو بأن الدولة لا تدعم الرأى العام الراغب فى الحرب؟!! والسؤال من عندى لماذا تركوه فى الجزائر سنوات طويلة بعد النصر، ولماذا بقى محاصراً فى مصر لسنوات طويلة وكأنه حصار لرمز واضح من رموز الثقافة الجادة؟
يحيى حقى وأردش نموذجان لم يملكا قدرة يوسف شاهين على المناورة التى قدمت لنا فيلمه الجميل «العصفور» حيث كان يشير فيه إلى أن النصر والحرية متلازمتان أساسيتان.
ربما انقلاب معادلات السياسة المصرية بعد الانتصار العسكرى والسياسى والوطنى الكبير فى 1973 الذى تجسد فى ظهور شعار حزب الله يواجه حزب الشيطان فى الجامعة وإطلاق العنان للإسلام السياسى للتصدى لأفكار التقدميين الوطنيين ومنتجى الثقافة الجادة، ثم الانفتاح الاقتصادى وثقافته وفنونه السوقية، وقدرته على تغيير سلم القيم.. هى جميعها بعض من أسباب غياب إنتاج عمل فنى كبير فى السينما عن السادس من أكتوبر، لأن النصر العسكرى أعقبته هزيمة اجتماعية وتراجع فى التعليم والثقافة والحريات العامة، وهو الأمر الذى يجب أن نحذر منه عقب الانتصار الثورى الذى هو أيضاً انتصار داخلى وإقليمى للعسكرية المصرية واستعادة لتلاحمها العبقرى مع الشعب المصرى.
نعود لأكتوبر الذى تناولته السينما بقدر المستطاع فى عدد لا بأس به من الأفلام، أما المسرح المصرى فحظه من ذلك ضئيل، والدراما التليفزيونية نصيبها من التصدى لأكتوبر هو لا شىء.
وهى الملاحظات التى نكررها كل عام عندما نتحدث عن أكتوبر والفن وتفسيراتها متعددة ولكن النتيجة قائمة مدهشة لماذا لا يوجد لدينا عمل فنى كبير يعبر عن هذا النصر؟!!
وهو الأمر الذى تكرر مع استلهام مصر لروح التحدى وعبورها الثانى فى 25 و30، وقد أشار الدستور المصرى الجديد إلي أنه يتأسس على شرعيتهما الجديدة، وطلب رئيس الجمهورية المنتخب عبد الفتاح السيسى فى خطاب مراسمى شهير عندما تولى مسئوليته الرئاسية بضرورة إنتاج عمل فنى ملحمى يرصد انتصار روح مصر العبقرية منذ 25 يناير وحتى 30 يونيو.
وهو الأمر الذى لم يحدث حتى الآن، لأنه لو حدث لأوقف صراع الثرثرة اللامجدية المعبر عن مصالح صغيرة حول صراع 25 / 30 الوهمى.
أما النسور المنتصرة فى أكتوبر الزعيم عبد الناصر الذى أعاد تأسيس الجيش وخاض حرب الاستنزاف والسادات العبقرى الداهية الذى خدع العالم كله لننتصر ومبارك قائد القوات الجوية آنذاك، والفريق سعد الدين الشاذلى والمشير أحمد إسماعيل وغيرهم من عباقرة العسكرية المصرية الذين لم يظهروا على مسرح السياسية.
هؤلاء يجب أن يحصلوا على حقهم فى التأريخ الفنى لهم مع التأكيد على أن أصحاب النصر الحقيقى هم الأفراد المقاتلون من أبناء هذا الشعب العظيم، الذين قدموا بطولات يجب أن تبقى فى ذاكرة الأمة وضمير الإنسانية، بعيداً عن أى تناقض سياسى بين أنصارهم ورجال حكوماتهم والمؤمنين بهم والمختلفين معهم.
وكذلك مصر 25 / 30 تحتاج حقاً للبدء فى مشروع فنى توثيقى كبير يؤمن بأننا نعيش عصرًا جديدًا يتأسس على مقدرة المسموع المرئى فى التأثير والانتشار..نحتاج حقاً لإبداع عبقرى حر يؤمن بأن الانتصارات الكبرى لها أيضاً بعض الأخطاء وأن الثورات الكبرى لها وجهها المظلم، وأن قيمة الفن تبقى عندما يسأل أين أبطال أكتوبر الآن، كيف يعيشون وماذا يعملون؟ وكيف نحتفل ببطولاتهم الفردية، وأين مصابى 25 يناير و30 يونيو الذين خرجوا لمخاطر الاشتباك بينما بقى البعض قابعاً ليثرثر ويشكك فى كل شيء ويسعى للحصول على المكاسب المباشرة؟! المجد للبسطاء من أبناء مصر، وتخليد ذكراهم العبقرية ضرورة وواجب قومي، هؤلاء الذين قاتلوا لنعيش واستشهدوا لتبقى مصر، فهل يأتى أكتوبر المقبل وقد بدأت مؤسسات صناعة الوعى الثقافية والإعلامية الرسمية والمستقلة والخاصة، فى الإعداد لمشروعات فنية طموحة موضوعية حرة، ربما يتم البدء فيها فوراً والانتهاء منها بعد سنوات عن روح أكتوبر 1973 وتجلياتها فى عبورنا الثانى نحو المستقبل.
وهل يمكن أن تبدأ القوة الناعمة المصرية فى التنبيه لضرورة تخليد ذكرى الشهداء الأبطال، والدعوة لرعاية أسرهم حفاظاً على استمرار روح أكتوبر لدى الأجيال القادمة؟
وهل ندرك حقاً جميعنا فى مصر الآن أن انتصاراتنا فى معركتنا الأصعب وهى المعركة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ومعركة تنظيم الحياة السياسية هو ضرورة لدخول مصر نحو مستقبل أفضل، وهى معركة شرطها الإيمان الصارم بالعيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية فهم معركتنا الأساسية وعلى رموز ما قبل يناير ورموز 25 / 30 أن يدركوا أن هذا التفتيت، وهذا الصراع الناعم غير المعلن هو صراع عبثى ضد عظمة أكتوبر 1973 وعبورنا الثانى فى ثورتنا المصرية التى أبهرت العالم أجمع.