الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أقبلت يا يوم السادس من أكتوبر




د. عبد الله النجار

بدأت أول نفس فى حياتى بعد انفصالى عن بطن أمى يوم السادس من أكتوبر، وبدأت أول نفس فى حياة تسودها العزة والكرامة والإحساس بالفخر يوم السادس من أكتوبر، فهذا اليوم العزيز «السادس من أكتوبر» هو يوم ميلادى وهو يوم إحساسى بالكرامة، ولهذا كان لى فى يوم السادس من أكتوبر معنى يزيد فى الإحساس بعزته وجلاله وسموه أكثر من أى إنسان على ظهر الأرض، اللهم إلا أولئك الذين يتفقون معى فى مولدهم يوم السادس من أكتوبر وهم قلة بالنسبة لعدد أفراد الشعب المصرى، وأقل بالنسبة لعدد أفراد الشعب العربى، ومع ذلك فإننى أكاد أجزم بأن قيمة يوم السادس من أكتوبر، كيوم للعزة والكرامة أغلى عندى وأكبر وأثمن منها لدى أى مصرى، ولهذا أظل وحيدًا فى الاعتزاز بهذا اليوم، كيوم لمولدى وكيوم لإحساسى بعزة النصر وكرامة الانتصار على أعتى أمم الأرض ظلمًا وتجبرًا وتكبرًا، ولا يسوغ أن يكون هذا الإحساس المتميز بمنزلة هذا اليوم لكاتب تلك السطور مثار غيرة من أحد، ولا أقول حسدًا أو كرهًا، فإن التنافس فى الاعتزاز بأيام الكرامة العربية، والانتصار الوطنى، لا يجوز أن يكون مبعث حقد أو ضغينة بين المتنافسين فيه، بل يجب أن يكون سببًا للحب والترابط، والوحدة والتآلف بين أبناء الوطن الذى انتصر فى هذا اليوم المجيد.
ولأننى أحب يوم السادس من أكتوبر حبا ذا شقين أولهما: وطنى باعتبار أن يوم السادس من أكتوبر هو يوم من أيام العزة والكرامة الوطنية، بل يأتى على رأس تلك الأيام وفى القمة منها، وثانيهما: شخصى باعتبار أننى ولدت فى يوم السادس من أكتوبر، مع اختلاف فى الأعوام، أقول: لأننى أحب يوم السادس من أكتوبر هذا الحب المتميز، فإننى أحاول - كلما عاد هذا اليوم كيوم عيد للمصريين وللعرب والمسلمين - أن أغلب الجانب الوطنى فى هذا اليوم على الجانب الشخصى، وأتنازل عن العام الذى ولدت فى السادس من أكتوبر فيه، لحساب هذا اليوم فى العام الذى حدث فيه الانتصار الوطنى على أعتى القوى الظالمة والمعتدية فى عصرنا ومع هذا التنازل فإن خير يوم السادس من أكتوبر لا يزال يعطى أكله فقد أعادنى إلى عالم الشباب واختزل من عمرى الورقى المدون فى شهادة الميلاد ما يقرب من خمسة وعشرين عاما، وأصبحت الآن بفضل الله، ثم بفضل عطائه فى يوم السادس من أكتوبر، شابًا فتيًا بلغ غاية القوة والفتوة فى شبابه، وصار فى نهايات الأربعين من عمره، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الاحتفال بيوم ميلاد أى شخص يكلفه كثيرًا من المال لشراء المأكولات والحلوى التى تسمى بالأفرنجى (تورتة) والمشروبات الغازية والشموع وما إلى ذلك من لوازم الاحتفال بأعياد الميلاد التى قد تصل فى بعض الحالات ولدى بعض الأشخاص إلى مال كثير يرصد لهذا الغرض وينفق فيه.
أما أنا، فإننى حينما أشهد بوادر الاحتفال الرسمى والوطنى بهذا اليوم العظيم الأغر وأرى الطائرات الحربية تزأر فى سماء مصر والقاهرة لتذكر الناس ببطولات هذا اليوم، وأتابع ما يصدره المسئولون من قرارات، وما يفعلونه من الأمور المعتادة فى مثل تلك الاحتفالات الوطنية الكبرى كتمجيد أصحاب البطولات فى معارك السادس من أكتوبر وعلى رأسهم الجندى المجهول وقبر المرحوم الرئيس محمد أنور السادات وما يجرى من وضع أكاليل الزهور على قبور الشهداء، أكاد أشعر بفخر خاص لأن ذكرى هذا النصر وتمجيد أولئك الشهداء قد وافق يوم مولدى، وكأن هذه الاحتفالات الرسمية تقيمها الدولة كل عام خصيصًا لى. أو كأننى مصر ومصر أنا.
ومن العجائب فى حياتى أننى فى العام الذى استشهد فيه المرحوم الرئيس أنور السادات رأيت رؤيا منامية لم أفهم تفسيرها إلا عندما استشهد، رأيت أنى أركب فى مقدمة قطار مكون من عدد كبير من العربات وفى آخر عربة منه يجلس المرحوم الرئيس محمد أنور السادات، فى نفس الموضع من العربة الذى أجلس فيه من مقدمتها كأننى أول شخص يرى ما هو أمام القطار، والمرحوم الرئيس محمد أنور السادات يرى كل ما وراء القطار، وأثناء الرؤيا شعرت بحيرة: لماذا يجلس الرئيس السادات فى نهاية آخر عربة من نفس القطار الذى أجلس فى مقدمة أول عربة منه؟ لقد كان ذلك القطار هو نفس يوم السادس من أكتوبر، فيه بداية حياتى وفيه نهاية حياة الرئيس السادات، ولم أفهم هذا التأويل إلا بعد أن داهم العالم نبأ استشهاده فى نفس اليوم الذى ولدت فيه، وفى يوم النصر الذى قاد أبطاله الزعيم الشهيد.
 فى يوم السادس من أكتوبر استرد المصريون سيناء العزيزة بعد أن استمات الإسرائيليون فى الاحتفاظ بها وظنوا أنهم لن يغادروها بعد السد الفولاذى الذى أقاموه على امتداد القناة من الجهة الشرقية والمعروف بخط (بارليف)، وبنوا على ذلك الظن آمالاً عريضة دعموها بالخيال الذى صوروا به للمصريين وللعالم أن اجتياز هذا الخط ليس شبه مستحيل، بل مستحيل ولا يمكن اختراقه، ومن فيض هذا الإحساس الكاذب بالأمان، والمخدوع بالأساطير التى نسجت عن خط بارليف، كان الجنود الإسرائيليون يستترون خلفه ويرقصون ويمرحون ويشربون الخمور وتعزف لهم القيان كما عزفت لأبى لهب قبيل غزوة بدر، ولم يكد ظهر هذا اليوم الأغر العظيم يحل حتى تغير كل شىء، وأصبح الحلم سرابا، وبدا العدو الذى كان يظهر منذ ساعات كالطاووس من شدة الخيلاء، ذليلا يبكى كالنساء، ويستعطف العالم لإنقاذه من بين أيدى أبطالنا المصريين وما حدث فيه يعد معجزة عسكرية بكل المقاييس، وهى معجزة أبدعها أبطالنا الأحرار البواسل الذين نذروا حياتهم لحماية بلدهم من الأخطار الخارجية والداخلية، وليس لهم من غاية سوى ذلك، أبطال جيشنا الذين يقدمون حياتهم رهنا لأى خطر يهدد مصر، ولهم تحالف مع النصر، وعلاقة متميزة مع الله، الذى يمنح النصر لمن ينصره من عباده، إنهم الصادقون مع الله، أبناء جيشنا هم الذين صنعوا مجد السادس من أكتوبر، وهم الذين صنعوا المجد فى عصرنا، وهم الذين أنقذوا مصر من أيدى الخائنين واستردوها إلى حضن أبنائها المصريين، بعد أن أصبح بينها وبين التلاشى والضياع لحظة، جيش مصر هو الذى أنجب الأبطال، وأنجب الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى أحيا أمجاد الوطنية المصرية من جديد، وبعث الحياة فى تاريخ مصر، وتحدى القوى العالمية التى أرادت أن تمكر بالكنانة، وواجهها فى وضح النهار وليس فى الخفاء، فأنقذ بلده، وأنقذ أمته، وسيظل يوم السادس من أكتوبر يتمخض بالخير ويلد الأمجاد لمصر والعرب إلى أن يبلغ المجد عنان السماء.