الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

كتاب أمريكى: «النكسة بداية النصر»..وارتباك «تل أبيب» قلل الخسائر البشرية العربية فى موجات العبور الأولى




واحد وأربعون عاما مرت على حرب أكتوبر المجيدة ولا يزال الكتاب الغربيون مستمرين فى الحديث عنها وإصدار أحدث الكتب باللغات المختلفة لكشف الستار عن الكثير من الحقائق التى لم تعرف بعد عن النصر العظيم.
الكاتبان «أنتونى كورسمان» و«أبراهام واجنر» عرضا فى كتابهما «دراسات الحروب الحديثة والصدمات العربية الإسرائيلية» ما أحدثته حرب أكتوبر من تغيير لخارطة القوى العسكرية بالمنطقة، واكدوا أنها لم تكن وليدة فكرة لحظية أو خطة وقتية، وهى الفكرة المغالطة التى نجح السادات فى تصديرها للعدو الصهيوني، لكن الخطة جاءت وفقا لترتيبات وآليات ذات بعد استراتيإعداد - وسام النحراوى
 فقد كشف الكاتبان أن التخطيط لتلك الحرب بدأ منذ عام 1969، حتى جاء عام الحسم فى أكتوبر 1973، مضيفا أن العمل لم يكن مقتصراً على الدعم الهندسى فقط، ولكن الجانب الحربى أيضا كان له دور مماثل.
وبرر الكاتب الأمريكى «كورسمان» فى كتابه «دروس الحرب الحديثة» أن المخابرات الإسرائيلية تجاهلت بشكل أو بآخر التقدم العسكرى المصرى بسبب انتصار إسرائيل على الجيش المصرى فى عام 1967، ووصفها له بـ«النصر الكاسح»، لدرجة أن إسرائيل اكتفت بتحقيق ذلك الانتصار، ولم تستكمله بالبحث عن نقاط ضعفها العسكرية، ومالت إلى الاعتقاد بضعف العرب الحضاري، وأنه أمر محتوم فى عدم قدرة العرب على تعلم فنون الحرب، وليس نتيجة ضعف فى التنظيم والقيادة. ثم انشغلت إسرائيل بمشكلة امتصاص الأراضى المحتلة، وبحرب الاستنزاف، ولم تلحظ وقتها أن مصر بدأت أولى خطواتها نحو التقدم العسكرى وذلك عندما حقق لنش مصرى أول نصر رئيسى فى أول أكتوبر 1967، عندما أطلق صاروخا أغرق المدمرة «إيلات»، وكان هذا أول بيان عملى عن تطور الصواريخ فى الحروب البحرية.
واستمر الكتاب فى عرض الشواهد التى كان يجب على الموساد أن يلتفت إليها ليدرك أن الخبرة العسكرية لمصر كانت فى تقدم، ففى سبتمبر وأكتوبر 1968 قامت مصر بإجلاء مواطنيها من مدن القناة، وشنت مصر قصفا مدفعيا قصيراً من 150 موقعاً، وسقطت 5000 دانة فى الساعة على المواقع الإسرائيلية فى القناة فى فترتين منفصلتين، وأدى ذلك إلى قيام إسرائيل بتحصين مواقعها فى القناة، وإنشاء منطقة أمامية مزودة بالملاجئ، وأنشأت شبكة واسعة من الطرق ونقاط العبور والمواقع الدفاعية، رغم عدم قدرتها على تدعيم هذا النظام بالأفراد، وكان هذا النظام يتوقف على الإنذار المبكر والتعبئة.
فى المقابل أنشأ المصريون مصاطب رملية على طول الضفة الغربية للقناة لحماية المواقع المصرية من النيران الإسرائيلية، وإخفاء القوات عن المراقبة، وأنشأوا شبكة من الطرق بطول 2000 كم للسماح بسرعة تحرك التدعيمات بمنطقة القناة والتحركات الطولية والعرضية على طول الضفة الغربية، وقاموا بإنشاء 20 قاعدة جوية مزودة بالدشم وشبكة كثيفة من مواقع الدفاع الجوى.
وفى الوقت الذى اعتبرت فيه إسرائيل أن هذه الغارات هجمات إزعاج، كان لها تأثير رائع على معنويات المصريين، فقد أصبح لديهم اعتقاد بأن الإسرائيليين لديهم نقاط ضعف، وأن بإمكان المصريين اختراق دفاعات إسرائيل، كما قامت مصر بطلعات جوية عبر القناة، وحاولت اختراق المجال الجوى لسيناء، وقامت مقاتلة مصرية «ميج – 21» بإسقاط طائرة إسرائيلية «فانتوم» لأول مرة فى 9 سبتمبر 1969 ومع ذلك لم تكن مصر ناجحة فى القتال «جو – جو»، فقد فقدت مصر 60 مقاتلة فيما بين 1967 ويناير 1970، بينما فقدت إسرائيل ست مقاتلات بين عامى 1967 و1970.
ثم تحولت المقاتلات الإسرائيلية إلى غارات فى العمق، وقد نجحت إلى حد كبير، الأمر الذى أجبر السوفييت على منح مصر عددا كبيرا من صواريخ «سام – 3»، وزادوا من تواجدهم العسكر
وبحلول يونيو 1970 نجح السوفييت فى نصب 55 موقعا لصواريخ «سام -3»، ثم بدأت تظهر طائرات «ميج - 21» يقودها طيارون سوفييت، وأدى نمو القوة المصرية بسرعة إلى زيادة خسائر إسرائيل التى فقدت 200 طائرة من قواتها الجوية خلال ستة أشهر تالية، وحافظ السوفييت على الصواريخ على بعد 30 كم من القناة، وتعرضوا لبعض الخسائر، شملت خمس مقاتلات ميج 21 بطياريها فى يوم واحد هو 30 يوليو 1970 ومع ذلك ردت أمريكا بتزويد إسرائيل بأعداد أكبر من طائرات «الفانتوم» والصواريخ «هوك» ومعدات الحرب الإلكترونية المتقدمة، وبدأت مخاطر الحرب تزداد بين الطرفين.
وفى أغسطس 1970 صدر قرار وقف إطلاق النار بدعم من الولايات المتحدة، قبل أن تتمكن إسرائيل من التغلب على صواريخ «سام - 3» أو تدرك التأثير الهائل للتطور الذى حدث لوسائل الدفاع الجوى المصرى.
وترى مصادر أن إسرائيل كان لديها المؤشرات الصحيحة التى تنذر بالحرب، لكنها فشلت فى الرصد السليم لمعنى التغيرات التفصيلية فى بناء القوات العربية فيما بين 1970 و1973، رغم العديد من المشروعات التدريبية التى كانت «بروفات» لهجومهم المقبل.
وفى اليوم الذى بدأت فيه الحرب حدث ارتباك تام فى القيادة العسكرية الإسرائيلية، وأدى ذلك إلى تقليل الخسائر البشرية العربية فى موجات العبور الأولى.
أما كتاب «الأيام المؤلمة فى إسرائيل» للكاتب الفرنسى جان كلود جيبوه فقد تناول الساعات الأخيرة فى حياة ديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء لاسرائيل، واصفا حالته بأنه راح يتابع سقوط إسرائيل الحاد وهى تهوى هذه المرة من علوها الشامخ الذى اطمأنت إليه حتى القاع، ولم يتحمل ما حدث وتوفى فى 1 ديسمبر 1973 أى بعد حرب أكتوبر بشهرين.
وتساءل جيبوه: هل كان الرئيس المصرى أنور السادات يتصور وهو يطلق فى الساعة الثانية من السادس من أكتوبر دباباته وجنوده لعبور قناة السويس أنه إنما أطلق قوة عاتية رهيبة كان من شأنها تغيير هذا العالم ، إن كل شيء من أوروبا إلى أمريكا ومن إفريقيا إلى آسيا لم يبق على حاله التى كان عليها منذ حرب «يوم عيد الغفران»، كما يسميها الغرب، فان شيئا ما أكثر عمقا قد انقلب رأسا على عقب فى تلك العلاقة التى كانت قائمة بين العالم الصناعى ومستعمراته القديمة.
بينما وصف الصحفى البريطانى دافيد هيرست فى كتابه «البندقية وغصن الزيتون» حرب أكتوبر بـ«الزلزال»، فلأول مرة فى تاريخ الصهيونية حاول العرب ونجحوا فى فرض أمر واقع بقوة السلاح ولم تكن النكسة مجرد نكسة عسكرية بل إنها أصابت جميع العناصر السيكولوجية والدبلوماسية والاقتصادية التى تتكون منها قوة وحيوية أى أمة.
ويؤكد هيرست أن الإسرائيليين قد دفعوا ثمنا غاليا لمجرد محافظتهم على حالة التعادل بينهم وبين مهاجميهم وفقدوا فى ظرف ثلاثة أسابيع وفقا للأرقام الرسمية ٢٥٢٣ رجلا وهى خسارة تبلغ من حيث النسبة ما خسرته أمريكا خلال عشر سنوات فى حرب فيتنام مرتين ونصف المرة. لقد أسفرت الحروب الإسرائيلية العربية السابقة عن صدور سيل من الكتب المصورة المصقولة الورق تخليدا لذكرى النصر، إما فى هذه المرة فان أول كتاب صدر فى إسرائيل كان يحمل اسم «لمحدال» أى التقصير.
وأكد الكاتب البريطانى فى كتابه أنه مع بداية حرب ١٩٧٣ أخذ المسئولون فى إسرائيل فى تبادل الاتهامات والاهانات سواء كان ذلك فى الصحف المحلية أو العالمية، واستقبلت الأمهات الثكلى والأرامل فيما بعد موشى ديان المعبود الذى هوى بالهتافات التى تصفه بأنه سفاك وكانت الحروب السابقة تعقبها استعراضات عسكرية مهيبة فى ذكرى عيد الاستقلال، مع استعراض الغنائم التى تـم الاستيلاء عليها من العدو، أما فى هذه المرة فان شيئا من هذا لم يحدث بل على العكس سرعان ما عرف الإسرائيليون أن معرضا كبيرا للغنائم قد افتتح فى القاهرة ولأول مرة أيضا شاهد الإسرائيليون المنظر المخزى لأسراهم ورءوسهم منكسة على شاشات التليفزيون العربى.جى