الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

إسرائيل.. و«نصر مزعوم»




إعداد : أميرة يونس
رغم الخسائر الفادحة التى تعرض لها الإسرائيليون خلال حرب أكتوبر، يحاول الإعلام الصهيونى المضلل خلق «نصر منشود» على حساب وقائع تاريخية سجلها التاريخ بحروف من نور لمصر، لتضليل المجتمع الإسرائيلى الذى يضج بالعنصرية.
وفى كل عام ومع ذكرى احتفالنا بالنصر تلملم إسرائيل جراحها وتكشف عما كان فى خزائنها من ملفات ووقائع عن الحرب، وتتذكر بحسرة وألم الدرس الذى علمه الجندى المصرى لهم أثناء المعركة، فضلا عن أن عيد الغفران اليهودى يأتى بالتزامن مع نصر أكتوبر العظيم.

 ووصف موقع  «والاه» الإسرائيلى أن حرب 73 تركت ندبة كبيرة فى وجه المجتمع الإسرائيلى الذى منى بهزائم عسكرية وسياسية وأهم الهزائم لهم كانت انهيار أسطورة «الجندى الذى لا يقهر، والخط المنيع» لكن الغطرسة الإسرائيلية منعت من الاعتراف بالهزيمة، وسعت لخلق نصر مزعوم لتهدئة جموع الإسرائيليين بعد ارتفاع حصيلة قتلاهم والتى كانت الأكبر فى تاريخهم منذ قيام الدولة وحتى يومنا هذا، كما أن الخسائر العسكرية لا تحصى، سواء فى سقوط المواقع المحصنة «خط بارليف»، واستيلاء الجيش المصرى عليها، وتدمير مواقع الرادار والمطارات واحتياط القوات، وأن كل هزيمة تعد هزيمة عسكرية من الدرجة الأولى.
وحاولت إسرائيل مرارا وتكرارا تصوير نفسها بالمنتصرة فى حرب أكتوبر، أو «حرب يوم الغفران» كما يطلقون عليها، وذلك فى محاولة بائسة منها لرفع الحرج عن القيادات السياسية والعسكرية إبان الحرب، وهو الأمر الذى باء بالفشل خاصة بعد تكوين لجنة تقصى الحقائق «أجراناط» برئاسة وزير العدل حينها «شيمون أجرانات» فى 21 نوفمبر 1973 بهدف التحقيق فى القصور الذى تصرف به الجيش الإسرائيلى خلال الحرب والكشف عن أسباب الهزيمة، والتى خلصت إلى أنه كان هناك سوء تقدير من القيادات العسكرية فى إسرائيل حول إمكانية الجيش المصرى فى شن هجوم جوى باعتبارها ضعيفة عسكريا، كما أن الجبهة السورية تفتقر للحافز فى القتال مع المصريين، على حسب ما جاء باللجنة.
أدانت لجنة «أجراناط» الجيش ورئيس الأركان «ديفيد بن إليعازر» الذى رفض تحميله لمسئولية الهزيمة النكراء التى أحلت بالجيش الإسرائيلى، والتى دفعته للانتحار لعدم قدرته على تحمل المسئولية وحده، وإدراكاً منه أنه ليس المسئول الوحيد عن الهزيمة. بعدها وقع عدد من الضباط على خطاب أكدوا فيه ظلم تقديرات اللجنة فى تحميل «إليعازر» وحده المسئولية.
ولصناعة هذا النصر المنشود المزعوم، سعت إسرائيل بكل ضراوة إلى تثبيت وضع يمكنها الانطلاق منه– ولو بشكل سياسى- حتى لا تظهر بالمنهزمة من جيوش عربية ادعت فى السابق أنها ضعيف مقارنة بقوتها. ومن بين الأساليب التى مارستها دولة صهيون عدم الالتزام بقرار الأمم المتحدة بقرار وقف اطلاق النار الأول على الجبهتين المصرية والسورية.
وفى هذا الصدد نشرت صحيفة «يديعوت احرونوت» الإسرائيلية مقابلة لعدد من جنود الاحتياط الذين تم حشدهم لجبهة القتال فى سيناء، حيث التقى الجنود القدامى لاستعادة الذكريات، وأخرج كل منهم ما فى جعبته من صور ومقاطع فيديو مصورة.
تكشف هذه المقابلة عن تفاصيل جديدة عن فترة من فترات الحرب التى تلت قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار. وكشف الجنود أن إسرائيل لم تلتزم بقرار وقف إطلاق النار، وأنها استدعت دورية تدعى «الدورية المقدسية» من موقعها على الحدود الأردنية للدفع بها ولرصد التحركات المصرية أثناء فترة وقف إطلاق النار.
وتعتمد مهام الدورية الإسرائيلية على التحرك للاستطلاع خلف الخطوط ورصد المواقع المصرية، متجولين وسط حقول المانجو شرق خط القناة بالإسماعيلية  فى نهاية أكتوبر 1973 لتأمين الحدود، وفى نهاية الحرب صدرت أوامر بالتحرك جنوبا نحو الحدود المصرية للتواجد فى المنطقة التى كانت القوات الإسرائيلية قد نجحت فى الاستيلاء عليها أثناء عملية فتح الثغرة، ما يؤكد عدم التزام الجانب الإسرائيلى بوقف التحركات العسكرية.
وقص أحد جنود الاحتياط أن الدورية وصلت فى الساعات الأربع والعشرون الأخيرة من المعارك الرهيبة، مسترجعا ذكرياته وقال : «قام  الجنرال « أرئيل شارون» – قائد الفرقة المدرعة – بتوجيه تحذيرا للدورية بأن عليهم الالتزام بالطريق لأن المعارك سوف تتجدد مرة أخرى».
ورصدت تلك الدورية مواقع الصواريخ المصرية وأبلغتها للقيادة فورا، واستولت على القواعد المصرية الفارغة. وحاولت بهذا إظهار «انتصار مفقود» لهم بزعم أنهم حققوا إنتصارات - ولو نسبية - باسترجاع مواقع مصرية شرق القناة.
كذلك كشف الجنود عن تحركات جوية إسرائيلية فى سماء سيناء خلال فترة وقف إطلاق النار، مؤكدين أنهم كانوا يخرجون لصيد الأسماك فى القناة باستخدام القنابل اليدوية على زوارقهم فى محاولة منهم لاستفزاز الجنود المصريين على الجبهة الأخرى للقناة والذين التزموا بقرار الأمم المتحدة، حيث إعتاد الإسرائيليون الخروج لمياه القناة لصيد الأسماك على مرأى ومسمع نقطة المراقبة التابعة للأمم المتحدة.
ومن بين المشاهد التى تذكرها الجنود وأبرزت مرارة الهزيمة الساحقة التى لا يستطيعوا محوها، هو حين تذكروا التحركات الإسرائيلية التى سبقت الإنسحاب الإسرائيلى من المناطق القريبة من القناة، وظهور الونشات التى قامت برفع الدبابات الإسرائيلية المدمرة.
فيما نشرت القناة الثانية الإسرائيلية تقريرا عن وحدة من القوات الخاصة الإسرائيلية التى تم الدفع بها لمنطقة البحيرات المرة، حيث تم الدفع بها بعد قرار الأمم المتحدة، وكشف التقرير عن عمليات عدائية من جانب تلك الوحدة، إذ كسرت الصمت وأطلقت النار على القوات المصرية.
كل تلك الأساليب استخدمتها إسرائيل فى محاولة مبكرة، إدراكاً منها بثقل الهزيمة التى ستتجرعها، ويؤكد الجميع أن الثغرة كانت فقط محاولة لخلق موقف للتفاوض حوله، وليس انتصاراً عسكرياً بالمعنى المقصود. لكنها على أرض الواقع منيت بهزائم فادحة، عسكرياً وسياسياً.
ولا يغيب عن الذاكرة الصوت الشهير لجندى إسرائيلى يستغيث بقادته لنجدته من أيدى المصريين بعد أن قتل زملاؤه وبات وحيدا، وهو مقطع منتشر على المواقع ومنها «يوتيوب». ولعل معركة «المزرعة الصينية» من أبرز الأدلة على الفشل العسكرى الإسرائيلى، إذ واجهت قوات كتيبة مصرية وحدة لواء «شارون» المدرع وألحقت به هزائم فادحة وحققت الهدف التكتيكى بوقف تقدم القوات الإسرائيلية لقيادة «شارون».
وعلى ذكر معركة «المزرعة الصينية» عرضت القناة الثانية الإسرائيلية يوميات المعركة، مشيرة إلى أنه مع بدء الجسر الجوى الأمريكى حاولت إسرائيل التقدم على محاور القناة، وبدأوا التخطيط لعبور 400 دبابة للضفة الغربية من قناة السويس لإحتلال السويس والمضى قدما صوب القاهرة. فرقتان مدرعتان إسرائيليان بقيادة كل من اللواء «شارون» واللواء  «أدان».
وأضافت أن  الجنرال «حاييم بارليف» رئيس عمليات الجيش قال حينها لـ«شارون» : «آمال الإسرائيليين باتت معلقة عليك»، وطالبه بنصب رأس كوبرى بطول أربعة كيلو مترات، وأن هذا الأمر أصبح ملقى على عاتقه. كان «شارون» يرغب فى عبور القناة لكنه أدرك أنه لا يمتلك دعماً من جانب القيادة، وبدأ تحركه فى المنطقة الخاوية بين الجيشين الثانى والثالث الميدانى على الضفة الغربية للقناة، ونصب بالفعل رأس الكوبرى الذى كانت مهمته فى الأساس حمايته.
وفى مساء الخامس عشر من أكتوبر حين بدأت قوات شارون بمهاجمة «المزرعة الصينية»، أدرك الجانب المصرى أهمية تلك العملية، وأن مصير الحرب فى سيناء سيتم تحديده فى تلك المنطقة، وبدأت معركة غير سابقة النظير، قتال متلاحم، الوجه فى الوجه، وتمسك الجنود المصريون بتلك النقطة لثلاث ليال. ويقص هنا «يائير ليتبتش» قائد إحدى سرايا الدبابات، قائلاً: «إن الوضع كان عصيب» مشيراً إلى أن دبابة قائده قد اشتعلت ولم يتعرف على هويته ، وشعر أنه أصبح وحيدا.
أضاف «ليتبتش» بأنه تراجع لباقى القوات، وتحرك بين الدبابات الإسرائيلية المدمرة، واستمرت القوات المصرية فى القصف، ووصلت المعارك لذروتها واستطاعت القوات المصرية وقف تقدم تلك القوات. وفى نهاية الأمر اضطرت القوات الإسرائيلية إلى الالتفاف على بعد كيلومترات من المكان لعبور القناة بعد الفشل الذريع فى مواجهة القوات المصرية. وهو ما وصفه قادة عسكريون إسرائيليون ببدء المأساة الحقيقية فى صباح 16 أكتوبر، فقد سعى «شارون» فى التقدم أكثر بعيدا عن أوامر قيادته، وأصيب قائد جبهة سيناء «بارليف» ورئيس الأركان «بن إليعازر» بخيبة أمل شديدة، فلقد أمن «شارون» نقطة عبوره لكنه لم يحتل الطريق للقناة «المزرعة الصينية».
أما فيما يتعلق بالهزيمة السياسية فمكن الوقوف عليه بسهولة ، وهو إضطرار إسرئيل للجلوس على طاولة المفاوضات بعد هرع حليفها الأعظم « واشنطن « حيث ضغطت واشنطن وإدارة الرئيس «ريتشارد نيكسون» على حكومة «جولدا مائير « للتفاوض مع المصريين وسارع بإرسال مستشاره «هنرى كيسنجر» لبحث الوضع فى القاهرة مع الرئيس المصرى «محمد أنور السادات» .