الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

آثار اسطبل عنتر بالمنيا تشكو التعديات




 
الانفلات الأمنى الذى صاحب ثورة 25 يناير واستمر بعدها شجع العديد من محترفى التجارة الحرام لانتهاك العديد من المواقع الأثرية سواء بالحفر أو التنقيب من أجل البحث عن الآثار فيها، وهى الظاهرة التى تنتشر بكثرة فى محافظات الصعيد والمناطق القريبة من الآثار، ومن أهم المناطق التى تعرضت لتعديات منقطة «اسطبل عنتر» الأثرية التابعة لمنطقة آثار تحمل نفس الاسم فى محافظة المنيا.
 
 
«روزاليوسف» رصدت أحوال تلك المنطقة والتعديات التى لحقت بها بالمستندات والصور لعرض المشكلة أمام المسئولين بحثا عن حلول لتلك الانتهاكات الواقعة على ثروة مصر الأثرية.
فى البداية ترجع تسمية منطقة آثار اسطبل عنتر إلى رواية مفادها أن «عنتر بن شداد» قدم إلى المنيا وأقام فيها بعض الوقت وأقام اسطبلا لخيوله مما جعل الناس تطلق عليها اسطبل عنتر وعرفت بهذا الاسم حتى الآن، وتقع تحديدا فى البر الشرقى أمام مركز أبو قرقاص بالمنيا وجنوب مقابر بنى حسن الشهيرة بعدة كيلو مترات، ويوجد بها معبد صخرى للآلهة «باخت» والتى شبهها اليونان بإلهتهم «ارتميس» ولذلك سميت المنطقة بكهف ارتميس والمعبد اقامته الملكة حتشبسوت، ولم يكتمل بناؤه حيث كان به بهو يستند سقفه على صفين من الأعمدة بكل منها أربعة أعمدة ولم يتبق سوى ثلاثة والحجرة الداخلية مساحتها 21 قدما مربعا.
 
 
وترجع أهمية المعبد حسب الآثارى «بكر ممدوح» كبير مفتشين بمنطقة آثار المنيا إلى النقش الموجود على واجهته الأمامية لحتشبسوت والتى تشير فيه إلى التخريب الذى قام به الهكسوس، وهذا يعد أقرب تسجيل معاصر حصلنا عليه لأحوال البلاد فى هذه الفترة، كما يوجد فى المنطقة كهف يحمل اسم اسكندر الثانى وهو ابن الاسكندر الأكبر ودوكسانا، وجبانات ترجع إلى العصر المتأخر وجبانة للقطط.
 
 
بكر أطلق استغاثة قائلاً: إن المنطقة منذ عام تقريبا وهى مستهدفة من اللصوص لكن الوضع تفاقم مؤخرًا لدرجة أن التعديات باتت تحدث بصورة شبه يومية بالحفر والتنقيب خلسة لا يضبط المتعدون وبالتالى يكون الفاعل مجهولاً، كما أن المنطقة ذات مساحة كبيرة تمتد لعدة كيلو مترات ورغم ذلك لا يقوم على حراستها سوى حارس آثار ومعه مراقب أمن واثنين فقط من قوة شرطة السياحة والآثار فى كل نوباتجية - نوبة حراسة - مع العلم أن حراس الآثار بالمنطقة ومراقبى الأمن غير مسلحين نهائيا والسلاح الموجود لدى الشرطة عبارة عن بندقية ومسدس، ومتسائلاً: كيف يحرس عدد قليل كهذا كل تلك المساحات؟ مشيرا إلى المطالبات المستمرة بتعزيز نقاط الحراسة حول المنطقة لحماية الآثار بها ولا مجيب من المسئولين.
 
 
وأشار بكر - والكلام على عهدته- إلى أن بعض مفتشى الآثار بالمنيا يتردد أنهم متورطون فى بعض التعديات وحصلوا على رشاوى لتسهيلها دون أن يذكر أسماء محددة، لافتا إلى أن شكل العديد من الحفر التى رصدها هو وزملاؤه فى محاضرهم وبلاغاتهم توحى بأن الحفر أدى للعثور على بعض القطع الأثرية.
 
ولفت بكر إلى كثافة بلاغات التعديات اليومية التى ترسل إلى تفتيش آثار شمال المنيا، ويأتى المفتشون للمعاينة والمحاضر فى النهاية يكون مصيرها الحفظ فى الأدراج، متسائلاً: لمصلحة من هذا السكوت؟ وهل ننتظر حتى تضيع المنطقة؟ خاصة أن الأمر وصل فى إحدى المرات إلى أن اللصوص قاموا بإطلاق النار على القوة الموجودة بالمكان وحاصروهم وكادوا يصيبوهم، وقامت مجموعة أخرى بالحفر واتصل الحراس بى عبر الهاتف وقالوا لى: «اسمع ضرب النار ونحن لا حول لنا ولا قوة وليس بيدينا شىء نفعله» وقد تكرر إطلاق النار على الحراس عدة مرات.
 
 
وتساءل بكر: ولصالح من يتم التغاضى عن بلاغ تعدى أرسلته إلى مكتب الآثار فى مايو الماضى وقعت عليه أنا وأثاريون آخرون هما رضا صلاح ومحمد فتحى عبارة عن زرع أشجار فى جزء من المنطقة ووجود حفر بعمق ثلاثة أمتار كانت بغرض دق ماسورة مياه للاستيلاء على المنطقة، والأدهى أن الفاعل معروف وتم ارسال الأسماء إلى شرطة السياحة والآثار ورغم ذلك تمت تسوية الموضوع، فلماذا لم تتخذ الإجراءات القانونية فى هذا الشأن؟ حيث قام المعتدون ليلا بردم الحفرة واقتلاع الأشجار «ويا دار ما دخلك شر» - حسب قوله - لماذا هذا التقاعس؟ أناشد وزيرى الآثار والداخلية لحماية المنطقة.
 
واقعة أخرى جاءت فى احد البلاغات موجه إلى مفتش آثار منطقة آثار اسطبل عنتر ذكر فيه أن أشخاصا كانوا موجودين داخل المنطقة الأثرية ليلا ويرجح وجودهم للتنقيب على الآثار وغير معروف أعدادهم بسبب الظلام وتم الاتصال هاتفيا بقسم شرطة السياحة والآثار بالمنيا وقامت الشرطة الموجودة لحراسة المنطقة بالتعامل معهم بإطلاق الأعيرة النارية لتهديدهم وعندها فوجئنا بوابل من الذخيرة الحية أطلق علينا وقمنا بالتراجع للخلف إلى نقطة الحراسة الموجودة بالمنطقة.
 
هؤلاء الأشخاص قاموا بالحفر لم يستطع أحد الاقتراب منهم بسبب الأسلحة التى بحوزتهم وعدم قدرة أفراد الحراسة والشرطة الموجودين على مواجهتهم أو التعامل معهم، وقد استمر هذا الوضع حتى الساعة الخامسة صباحا حيث غادروا المنطقة الأثرية، وبعدها عثر مسئولو الآثار على 5 حفر بطول جبانة المسلمين والعديد من فوارغ الطلقات النارية.
 
عدد كبير من مفتشى آثار المنيا أكدوا أن مسلسل نهب المواقع الأثرية والتعدى عليها بالمحافظة مازال مستمرا، والعديد منها يتعرض للحفر والتعديات من قبل اللصوص والخارجين عن القانون، وشرطة السياحة والآثار لا تفعل شيئاً حيال ذلك الأمر الذى يصعب من اجابة السؤال: من ينقذ تراث مصر من النهب؟
 
ودللوا على ذلك بموقع تل الحيبة الأثرى الذى يتعرض لنهب يومى بصورة شبه منتظمة وحتى الآن لم يقم أحد بتسجيل ما نهبه اللصوص، ولم يشكل فريق من الأثاريين المصريين أو الأجانب العاملين هناك لتسجيل الموقع وتحديد الخسائر فهذا التل تكمن أهميته فى أنه يلقى الضوء على شخصية مصر القديمة فى عصر الانتقال الثالث، وهو عصر مربك للغاية لأن حجم الآثار التى تنتمى إليه محدودة وغامضة فى التاريخ القديم، وما يحزن ويعد كارثيا أن الثقافة لا يمكن أن تجدد أو تعيد انتاجها من جديد، فخسارة الأدلة الأثرية لا يمكن أن تقدر بثمن، فحلم أى آثارى هو الحفر بالمواقع التاريخية والأثرية عسى أن يحصل على تراث أو اكتشاف جديد يمكن أن يحسب له وينضم للكنوز الأثرية، إلا أننا فى الحقيقة نخسر تاريخا وكنوزا سوف تؤثر على الأجيال القادمة.
 
محسن على مفتش آثار من المنيا أكد أنهم جميعا متفقون على ضرورة مخاطبة كل المناطق الأثرية لإرسال بيان واقعى بما تعرضت له من أعمال حفر وتخريب منذ أحداث الثورة، وضرورة تفعيل دور مراقبى الأمن وتسليحهم والتفكير جديا فى ضرورة انشاء كيان جديد لحماية الآثار تكون مهمته تشكيل دوريات مرور ليلية ونهارية على المواقع الأثرية.
 
 
الدكتور عبد الحميد معروف - رئيس قطاع الآثار المصرية بوزارة الدولة لشئون الآثار - أشار إلى وجود عجز كبير فى الحراسة والأمن المسئول عن حماية الآثار المصرية فى المناطق المختلفة داخل مصر، ولمواجهة ذلك عقد القطاع مؤخرا اجتماعاً موسعا مع القيادات الأمنية بحضور وزير الآثار، وعقدت اتفاقية بين الجانبين لتأمين المواقع الأثرية والمخازن الموجودة بها وتسليح الحراسات المتواجدة عليها، وجار حاليا العمل على زيادة عدد الحراس فى المناطق الأثرية، إلا أن العقبة التى تواجه ذلك هى ضعف الاعتمادات المالية التى يعلمها الجميع لعدم وجود موارد بسبب ركود حركة السياحة، ويتم بحث إيجاد موارد بديلة لحل هذه المشكلة.
 
 
وأوضح أن إدارة التعديات والإزالات الموجودة فى الوزارة تقوم بدور كبير لكن يجب أن تفعل أكثر مما تقوم به حاليا، وضرورة التنسيق بينها وجميع المناطق الأثرية وتفعيل الإزالات الفورية بالتنسيق والتعاون مع المحليات فى كل منطقة