الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

لغز هروب الشباب من القطاع الخاص




تحقيق- ثناء اليمانى

على الرغم من ارتفاع الأجور فى شركات ومصانع القطاع الخاص نجد عزوفًا من الشباب عن العمل فى القطاع الخاص وذلك لعدم التزام من يديرها بما ورد فى قانون العمل من حرمان العاملين من المعاشات ومكافأة نهاية الخدمة ما دفع الشباب إلى اللجوء والبحث عن أية فرصة عمل فى القطاعات الحكومية نظرًا لما تتمتع به من استقرار وظيفى وتأمينات ومعاشات مناسبة مما يعكس بدوره زيادة عدد العاملين داخل القطاع الحكومى.
فيما ارتفعت نسبة البطالة فى مصر إلىحوالى 25٪ عام 2014 وذلك بحسب تقرير منظمة العمل الدولية فى حين أوضح تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أن معدل البطالة للعام الحالى يبلغ 14.3٪ من قوة العمل.

يقول حمدى عبدالحميد «عاطل» إنه عمل أمين مخازن بأحد مصانع الملابس الجاهزة بواقع 8 ساعات يوميًا فى مقابل أجر 500 جنيه وعلى الرغم من أن المبلغ لا يلبى احتياجاته ولا يكفى مصاريفه الشخصية لم يستطع ترك العمل لعدم وجود آخر ما دفع صاحب العمل لاستغلال حاجاته وأصبح يكلفنى بمهام فوق مهامى منها العمل لساعات إضافية وإجبارى على السفر لنقل البضائع من المصنع إلى مدن أخرى دون حافز إضافى أو أى مقابل مادى لافتًا إلى أنه حينما طالب بزيادة أجره رفض صاحب العمل وخفض رتبته لفرد أمن بالمصنع مما جعله يشعر بالإحباط واضطر إلى ترك العمل.
ويوضح مصطفى سعد عامل بأحد مصانع القطاع الخاص بمنطقة السادس من أكتوبر بنظام الورديات 12 ساعة لكل منها بمقابل 1000 جنيه حيث يقطن فى طره البلد بحلوان ولا يستطيع الوصول إلى العمل فى ميعاد ورديته وعلى الرغم من خروجه من بيته 3 صباحًا يصل إلى عمله فى الخامسة صباحًا وتكلفه المواصلات ذهابًا وإيابًا 600 جنيه شهريًآ أى ما يتخطى نصف راتبه.
ويشير مصطفى إلى أنه اضطر للعمل بهذه الشروط المجحفة بعقد مؤقت دون تأمينات اجتماعية أو صحية حتى لا يضطر إلى الجلوس بدون عمل.
ويقول ياسين مبروك إن فكرة القطاع الخاص فكرة صحيحة ولكنها تطبق فى مصر بطريقة خاطئة فمع غياب القانون والدور الرقابى يتم إهدار حق الموظف فى القطاع الخاص خاصة أن سلبيات القرارات العقوبية أكثر من مميزاتها لعدم ربط الأجور بزيادة الأسعار يرسى له القلب فالراتب لا يغطى احتياجات الفرد من مواصلات ومأكل ومشرب وأيضًا عدم توفير سكن للمغتربين مما يزيد العبء على عمال القطاع الخاص.
ويرى أحمد التهامى أن القطاع الخاص الذى يوجد فى مصر يعتبر حكرًا على رجال الأعمال فهم يتحكمون فى العمال كما يشاءون ويقومون بفصل أى موظف بحسب أهوائهم فى ظل وجود قوانين تطبق فعليًا لتحمى حقوقهم بل هم يأخذون من القوانين التى تفرضها الدولة للقطاع الخاص ما يحققون بها مصالحهم الشخصية فقط لأن القطاع الخاص يحتوى على نسبة كبيرة من الشباب الذى يبحث عن العمل والاستقرار.
أما علاء كامل حاصل على ليسانس حقوق فيقول تعرضت للعمل فى إحدى المناطق الصناعية ولكنى رفضت لبعدها عن المناطق السكنية وتكلفة المواصلات العالية وعدم توافر أتوبيسات تابعة للمصنع تنقل العاملين فى حين أن الرواتب ضعيفة لا تكفل له لعيش حياة كريمة.
وترى سهام محمد حاصلة على بكالوريوس خدمة اجتماعية أن العمل فى شركات القطاع الخاص يعتمد على الوساطة والمحسوبية فهما جديران لتأهيلك للعمل فى المكان المناسب من عدمه موضحًا أنها ذهبت للعمل فى إحدى شركات الأدوية بمؤهلها وواجهت مشكلة الوساطة لأن المناصب الإدارية دائمًا محجوزة للمعارف وذوى المحسوبية ومهما كان مؤهلك فالعمل المتاح لك قدر «الواسطة» الخاصة بك.
ويقول هشام بنا رئيس اللجنة النقابية بشركة الغزل والنسيج ليس هناك ما يلزم القطاع الخاص بقانون العمل لأن القطاع الخاص يضع بنود عقد العمل بما يتناسب مع مصلحته فقط دون الالتفات إلى مصلحة العامل سواء كان من تحديد أجور أو ساعات العمل.
وينوه إلى أن أسباب عزوف الشباب عن العمل فى المناطق الصناعية الجديدة من وجهة نظرهم هو بُعد المناطق الصناعية عن المناطق السكنية وعدم توفير وسائل مواصلات تنقل العاملين من عملهم إلى مناطق سكنهم والعكس لذلك يجب على صاحب العمل أن يوفر وسائل نقل ملائمة للعاملين وأيضًا رفع رواتبهم بالطريقة التى تتناسب مع المجهود المبذول منهم لعدد الساعات.
أما محمد وهبة الله الأمين العام لاتحاد عمال مصر يقول إن القطاع الخاص فى الوقت الحالى لا يلتزم بقانون العمل وعندما يطلب من الشاب التوقيع على استقالته قبل عمله يضيع الحقوق المادية والمعنوية للعمال مؤكدًا ضرورة أن يخضع القطاع الخاص لمراقبة من القوى العاملة حتى يحافظ على العاملين هناك وبالتالى يحفز الشباب للإقبال على العمل الخاص دون خوف.
ويرى رئيس اللجنة النقابية بشركة الغزل والنسيج أنه يجب تطبيق الحد الأدنى للأجور على العاملين فى القطاع الخاص وتوفير مواصلات من المناطق الصناعية إلى داخل القاهرة على أنه تقوم الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص بتوفير مناطق سكنية مناسبة وقريبة من تلك المناطق الصناعية لتوفير المبالغ المالية والصحية للعاملين ولتحفيز الشباب على العمل فى هذه المناطق.
ويضيف وهبة الله أنه بعد انتخابات البرلمان المقبل سيتم تقديم مشروع سن عقوبات رادعة لمن لا يلتزم بقانون العمل ويتسبب فى ضياع حقوق العمال.
وتقول سحر عثمان نائب رئيس اتحاد عمال مصر إن عدم وجود توازن فى قانون العمل الموحد 12 لسنة 2013 وعدم وجود رقابة من القوى العاملة على القطاع الخاص سمحت لأصحاب الشركات والمصانع بالقيام ببعض الممارسات التى تتسبب فى ضياع حقوق العمال منها الفصل التعسفى وعدم وجود حد أدنى للأجور مشددًا على تعديل قانون التأمينات الاجتماعية بما يتلاءم مع ظروف رجال الأعمال وحقوق العاملين.
وتطالب عثمان رجال الأعمال بأن يقوموا بالمسئولية الاجتماعية تجاه المجتمع وعلى قدر الحوافز والتسهيلات التى تمنح للقطاع الخاص لابد من منح العاملين ضمانات كافية تحثهم وتشجعهم على العمل بالمناطق الصناعية.
أما أسعد هيكل مستشار قانونى يشير إلى إن التعديلات التى أجريت على قانون العمل فى فترة الرئيس المخلوع ونظيره المعزول أوقعت ظلمًا كبيرًا على العاملين لأنها خولت صاحب العمل سلطة فصل العامل دون الرجوع إلى المحكمة بسبب الاستقالة المسبقة التى يوقع عليها العامل قبل تعيينه ناهيك أن القطاع الخاص يطبق قانون العمل بشكل نظرى فقط أما فى الحقيقة فهو لا يطبق فى حين أن هناك تقاعسًا وإهمالاً من وزارتى القوى العاملة والاستثمار فى الرقابة على القطاع الخاص مشددا على ضرورة تعديل قانون العمل ووضعه على رأس أولويات البرلمان المقبل بالإضافة إلى وضع بنود تكفل حقوق العاملين بالقطاع الخاص.
وتقول الدكتورة أمانى عبدالرحمن أستاذ علم الاجتماع إن الشباب لا يعزف عن العمل بالقطاع الخاص ولكنه لا يجد ما يحفزه على الاستمرار فيه حيث إن رجال الأعمال يستغلون حاجة الشباب للعمل فيطرحون فرص عمل بشروط مجحفة لهم حيث يتطلب العمل بالقطاع الخاص ساعات عمل طويلة بأجر زهيد ويفرضون على العامل توقيع عقد استقالته قبل عقد عمله مما يعرض العامل للفصل التعسفى فى أى وقت دون أن يكون له أى حقوق.
وترى عبدالرحمن أن نقابات العمال عليها أن تقوم بدورها فى المطالبة بحقوق  عمال القطاع الخاص.
وعن سوء المعاملة يحكى أحمد كامل عن تجربته فى العمل بأحد مصانع الملابس الجاهزة فيقول: وافقت على العمل هناك حتى لا أواجه شبح البطالة ولكننى فوجئت بسوء المعاملة فى وقت الراحة 15 دقيقة ليقوم فيها العامل بالطعام والدخول إلى دورات المياه وأيضًا الصلاة والأغرب هنا أنه لا يسمح للعامل بدخول دورات المياه فى غير أوقات الراحة.
وتشير هبة السيد إلى تجربتها فى العمل بإحدى شركات الأدوية وتقول حين التحقت بالعمل هناك وجدت أن العاملين الجدد لا يسمح لهم العمل وهم جالسون على كراسى بل لابد من الوقوف على أقدامهم طوال ساعات عملهم مما تسبب فى مشاكل للكثير منهم بالعمود الفقرى والتهابات بأربطة القدمين ووقت الراحة ساعة منها ربع ساعة حتى يتمكنوا من الوصول إلى المطعم الملحق بالمصنع لتناول الغذاء حيث لا يسمح لهم بإدخال الطعام إلى الشركة حتى الذهاب إلى الحمام لا يكون إلا بتصريح من مشرف القسم ويكون لشخص واحد فقط.
وتلفت هبه إلى أن نظرة المجتمع الدونية للعمل اليدوى أو المهن البسيطة تجعل الشباب يخجل من أن يمتهن هذه الأعمال.
أما الدكتور حسن الخولى فيرى أن المجتمع المصرى مازال محبب لديه العمل الحكومى لأنه يحقق له الاستقرار والأمان الوظيفى من تأمينات اجتماعية وضمان لحقوقه المادية لحصوله على راتبه كل أول شهر دون تأخير أو أعذار من صاحب العمل ولا يكون مضطرًا لتوقيع استقالته قبل توقيع عقد عمله.
ويوضح أن العمل الخاص يحصل على أعلى طاقة إنتاجية لدى العامل مع منحه أقل وقت للراحة وهذا يختلف مع ثقافة الشعب المصرى الذى لم يعتد على العمل بشكل متواصل واستغلال كل دقيقة لصالح العمل.
وعلل الخولى اضطرار الشاب صاحب المؤهلات العليا للعمل فى وظيفة أقل من إمكاناته العلمية يسبب له الإحباط ويشعره بأن المجتمع ينظر له نظرة دونية مما يجعله يترك العمل.