السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«بدر» تهـزم «شـوفاخ يـونيم»




يتكشف كل يوم الجديد فيما حققه الجندى المصرى وكان أقرب للإعجاز منه للأداء البشرى الطبيعى.. ملحمة العبور شارك فيها الجميع من «السادات» القائد الأعلى الهدف الرئيسى للمصريين قبل العبور كان تأمين عمليات الهجوم والعبور عبر مجموعة إجراءات واسعة النطاق لتحقيق المفاجأة على جميع المستويات الاستراتيجية والتكنيكية حتى لا تتنبه القيادة العسكرية الإسرائيلية بنية الهجوم العربى مما سيعطيها الاستجابة السريعة للإنذار وتعبئة الاحتياط وشن ضربة إجهاضية مضادة خطيرة النتائج على القوات المصرية المهاجمة، خاصة فى جبهة سيناء، حيث توجد مشكلات عبور القناة واقتحام خط بارليف.. لتحقيق ذلك تم إجراء تدريبات مفصلة ومتكررة للقوات المشتركة فى الهجوم بأماكن مشابهة لمسرح العمليات لاختيار الخطط الموضوعة وضمان كفاءة تنفيذها.. كما صنعت أدوات وعربات صغيرة تدفع بالأيدى لنقل ما لا يستطيع الجندى حمله من الذخيرة والمعدات خلال صعود الحاجز الترابى فى المرحلة الأولى للهجوم والتقدم بها نحو العمق المحدد لرءوس الجسور.
وكان الخداع المصرى لإسرائيل وإخفاء نية الهجوم قائماً على الاستمرار فى بناء خطوط الدفاع على الجبهة وفى العمق، بحيث يبدو الجهد الرئيسى للجيش المصرى وكأنه منصب على الاستعداد للدفاع، وتحريك القوات فى اتجاهات مختلفة وثانوية وإجراء تحركات عرضية داخل الجبهة وعكسية من وإلى تحت ستار التدريب مع التغيير المستمر فى حجم وأوضاع القوات المعدة للهجوم خلال فترة من 3: 4 شهور قبل موعد الهجوم على مجموعات صغيرة.. ودفع القوات الرئيسية من العمق إلى الجبهة قبل ثلاثة أسابيع من بدء الهجوم تحت ستار القيام بأعمال هندسية لإجراء مناورة كبرى مشتركة ثم بدء القتال الفعلى أثناء المرحلة الأخيرة من هذه المناورة وإعداد حفر وملاجئ للجسور ومعدات العبور وقطع المدفعية والآليات المختلفة بحيث تصل فى آخر وقت ممكن إلى الجبهة وتخبأ فورا تحت شباك تمويه جيدة.. كل ذلك مع الإبقاء على مظاهر الحياة والحركة اليومية العادية للقوات على ضفة القناة الغربية حتى لحظة بدء القصف الجوى والمدفعى.
وكان لحصر المعلومات المتعلقة بخطط الهجوم وتوقيته فى أضيق نطاق ممكن ولآخر وقت ممكن أثر فعال.. ولذلك لم يبلغ قادة الفرق بموعد الهجوم إلا ليلة 5 أكتوبر، ولم يبلغ هؤلاء قادة الألوية إلا فى الساعة السادسة من صباح يوم 6 أكتوبر، ثم أبلغ قادة مجموعات الاقتحام الأولى فى الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم نفسه، أى قبل بدء الهجوم بثلاث ساعات فقط.
كما مورست أيضا بعض إجراءات الخداع الإعلامية والدبلوماسية المضللة، وجرى تسريح دفعة من جنود الجيش العامل عددها عشرون ألف جندى قبل بدء العمليات بمدة 48 ساعة.. وفى النهاية لم تستطع المخابرات الإسرائيلية اكتشاف نية الهجوم على كلتا الجبهتين إلا فى صباح يوم السادس من أكتوبر وعلى أساس أنه سيبدأ فى السادسة مساء لا فى الثانية بعد الظهر.
وكان العامل الرئيسى الذى ساهم فى تضليل المخابرات والقيادتين العسكرية والسياسية الإسرائيليتين ليس فقط سلسلة الإجراءات المصرية ولكن أيضا الشعور بالثقة المبالغ فيه لدى الإسرائيليين بعد حرب 67 ومرور ست سنوات على الاحتلال للأراضى العربية والذى صاحبه تقليل مبالغ فيه أيضا من القدرات القتالية المصرية ونوايا القيادة السياسية فى مصر لشن حرب هجومية مهما كانت محدودة ضد إسرائيل.
هذا الأمر أدى إلى تعطيل العقول الإسرائيلية المختلفة سواء فى المخابرات أو القيادات العسكرية والسياسية ولدى الرأى العام مما حجب الرؤية الصحيحة وجعلهم عاجزين عن إدراك أبعاد التحركات المختلفة التى نقلتها صور الأقمار الصناعية الأمريكية وطائرات الاستطلاع وتقارير المخابرات والعملاء السريين.
مصر بدورها لم تترك شيئا للصدفة حتى تحقق المفاجأة الاستراتيجية.. لأن 6 أكتوبر الذى وقع عليه اختيار القيادة العربية المشتركة ضمن الأيام الصالحة للعمليات الهجومية فى كلتا الجبهتين، فهو كان العاشر من رمضان الذى لا تحدث فى هذا الشهر عادة نشاطات مهمة فى الوقت نفسه كان يوم «عيد الغفران» الإسرائيلى الذى تقل فيه الحركة واليقظة الأمنية إلى أقل حد عادة طوال السنة.. فضلا عن أن الساعة الثانية بعد الظهر ليست توقيتًا تقليديًا لبدء العمليات الهجومية الكبرى التى تبدأ عادة خلال الليل أو عند الفجر، ووفقًا لحالة التفوق الجوى الذى يتمتع به المهاجم، أو لرغبة فى استغلال ظلمة الليل فى تثبيت مواقع قوات المشاة المكلفة باقتحام النطاق الدفاعى الأول الذى تغطيه مواقع هندسية تمهيدًا لدفع المدرعات بعد ذلك، وكان اختيار الساعة الثانية بعد الظهر يشكل حلاً وسطاً ملائمًا لظروف التوازن الجوى العربى- الإسرائيلى ومتطلبات التغلب على العقبات الأولية التى تواجه القوات المهاجمة، ذلك لأن ساعات النهار كانت ضرورية لتوجيه الضربة الجوية المصرية فى العمق العملياتى للعدو على كلتا الجبهتين- كما أنها تتيح زيادة إحكام رمى التمهيد المدفعى ورمى الدعم فيما بعد ضد  تحركات الاحتياطى المدرع الإسرائيلى القريب من الجبهة فضلاً عن ضرورتها فى فتح الثغرات بالجدار الترابى على الضفة الشرقية، بحيث يمكن أن تقام الجسور ويجرى تشغيل المعديات خلال الساعات الأولى من الليل ومن ثم تعبر الدبابات والعربات المدرعة القناة فى ساعات الليل المتوسطة والأخيرة تحت أقل تأثير ممكن من جانب الطيران الإسرائيلى.
 خطة «برج الحمام»
 وضعت إسرائيل خطة لصد أى هجوم مصرى محتمل قبل حرب أكتوبر وأطلق عليها «شوفاخ يونيم» أى «برج الحمام» وكان العميد «شموئيل جوئيل» قد تولى فى 15 يوليو 73 قيادة المنطقة الجنوبية التى تشمل شبه جزيرة سيناء المحتلة خلفًا للعميد «آرييل شارون» الذى أحيل إلى التقاعد ليعمل بالسياسة كنائب عن تكتل الليكود.
 وبدأ «جوئيل» على الفور تفقد المواقع الدفاعية فى خط بارليف واقترح على القيادة العامة الإسرائيلية ضرورة إعادة فتح 14 موقعًا دفاعيًا كان شارون قد أغلقها.. وتم بالفعل تشغيل منشآت حاجز النار المعدة منذ سنة 1971 لإشعال سطح مياه القناة بطبقة من البترول المشتعل حال بدء عبور القوات المصرية لها، وذلك بعد أن كان إهمال الصيانة قد أدى إلى تعطيل معظمها، وقد تم بالفعل إعداد هذه المنشأة للعمل فى حصنين من حصون خط بارليف أحدهما إلى الشمال قليلاً من الإسماعيلية والآخر شمال البحيرات المرة عند الدفرسوار.
 وكانت الخطة الدفاعية الإسرائيلية تقوم على أساس استخدام حصون خط بارليف كنقاط ارتكاز دفاعية، على أن تقوم الدبابات المتجمعة فى الخط الثانى بالتقدم نحو القناة عند اللزوم لسد الثغرات القائمة بين الحصون واستخدام مصاطب إطلاق النار المعدة لها على الجسر الترابى، ثم تقوم وحدات الاحتياطى الموجودة فى العمق بالتقدم نحو القناة لشن هجمات معاكسة وتصفية أى رءوس جسور تنجح القوات المصرية فى إقامتها على الضفة الشرقية.
 وكانت المدفعية وعددها عند بدء القتال نحو 70 مدفعًا موزعة على امتداد الطريق الموازى للقناة من مسافة 8كم تقريبا ومكلفة بمساندة هذه الهجمات، ولكن القوة النارية الأساسية المساندة للحصون أو الدبابات كانت ستوفرها طائرات السلاح الجوى  الإسرائيلي، وقد أطلقت القيادة الإسرائيلية على خطة عملياتها الأولية لصد أى هجوم مصرى شامل اسم «برج الحمام».
 وكان لدى «جوئيل» مساء بدء الحرب القوات التالية لواء مشاة من القوات الاحتياطية «لواء القدس»، وكان يتلقى دورته التدريبية السنوية فى حصون القطاع الشمالى من خط بارليف، أما القطاع الجنوبى من الخط فقد كان محتلاً ببعض قوات المشاة النظامية، ولواء مشاة آخر كانت مهمته حماية منطقة المستنقعات وبحيرة البردويل فى القطاع الشمالى من سيناء، ومجموعة ألوية مدرعة بقيادة «إبراهام مندلر» يقع على مقربة من المحور الأوسط فى المنطقة الواقعة بين «الطاسة» و«بير جفجافة»، وكانت هذه المجموعة تضم ثلاثة ألوية مدرعة بها نحو 300 دبابة موزعة عليها بالتساوى تقريبا، أحدها بقيادة العقيد «امنون» وهو اللواء المدرع (14) وكان مكلفًا بالدفاع عن الخط الثانى خلف التحصينات بمسافة 8-10 كم تقريبًا، ابتداءً من شمال الإسماعيلية حتى «رأس سدر» جنوبًا على خليج السويس، وكان ثانى ألوية مجموعة «مندلر» المدرعة بقيادة العقيد «جابى» موجوداً منذ أسبوع قبل بدء الحرب فى العمق العملياتى للقطاع الشمالى ومتأهبًا للتحرك فور تلقى الأوامر الخاصة بالطوارئ إلى منطقة «رمانة وبالوظة» أما اللواء الثالث من المجموعة فكان بقيادة العقيد «دان»  محتشدًا فى العمق العملياتى للمحور الجنوبى وراء ممرى «متلا والجدى» حيث كان يمضى فترة تدريبية ويتأهب كى يحل محل لواء «امنون» على الخط الأمامى ويستفاد من تنظيم وتوزيع القوات الإسرائيلية فى سيناء عشية بدء القتال.
 المفاجأة التى لم يدركها الإسرائيليون أن كل هذه المعلومات عن قواتهم العاملة الموجودة على جبهة سيناء والقادرة على الاشتباك مع القوات المصرية طوال الـ24 ساعة الأولى من القتال، كانت معروفة للقوات المصرية المهاجمة التى كانت تتمتع بتفوق كبير سواء فى عدد الجنود أو كميات الأسلحة المختلفة المستخدمة أو قوة النيران، وكان التفوق لصالح المصريين يبلغ 1:5 فى تشكيلات المشاة و1:3 فى عدد الدبابات و1:30 فى عدد المدافع.
 ويرجع تفوق القوى لصالح المصريين إلى ضخامة الجيش العامل المصرى بالقياس لنظيره الإسرائيلى وأخذ القوات المصرية للمبادأة واتباع استراتيجية هجومية قادرة على تحقيق عنصر المفاجأة على كل المستويات والسبب التحضير الجيد لكل شىء.
 الجبهة المصرية
 كان الجيش الثانى بقيادة اللواء «سعد مأمون» ويضم فرقة المشاة 18 بقيادة العميد فؤاد عزيز غالى بمنطقة «القنطرة غرب» وفرقة المشاة 2 بقيادة العميد حسن أبوسعدة بمنطقة «الفردان» وفرقة المشاة 16 بقيادة العميد عبدالرب النبى حافظ بمنطقة واقعة بين جنوب بحيرة التمساح التى تقع عليها مدينة الإسماعيلية ومنطقة الدفرسوار.
 وفى جانب آخر كانت هناك الفرقة المدرعة 21 بقيادة العميد إبراهيم العرابى والفرقة الميكانيكية 23 بقيادة العميد حسن عبداللطيف.
ويأتى الجيش الثالث بقيادة اللواء محمد عبدالمنعم واصل ليضم فرقة المشاة 7 بقيادة العميد أحمد بدوى وفرقة المشاة 19 بقيادة العميد يوسف عفيفى.. وعلى جانب آخر كانت توجد الفرقة المدرعة الرابعة بقيادة العميد محمد عبدالعزيز قابيل.
وتأتى مهمة السيطرة على طرق الاقتراب المؤدية إلى رءوس الجسور التى ستقيمها الفرق الخمس التى تشكل الجيشين الثانى والثالث.
واحتفظت القيادة العامة باحتياط استراتيجى قرب القاهرة تضمن عددًا من التشكيلات المستقلة التى لا تخضع لقيادة ميدانية موحدة، وكان أهم هذه الوحدات الاحتياطية الفرقتين الميكانيكيتين الثالثة بقيادة العميد محمد فرحات والسادسة بقيادة العميد عبدالفاتح محرم.
ولتوفير أكبر دعم نارى ممكن للقوات العابرة للقناة، حشدت القيادة العسكرية المصرية 135 كتيبة مدفعية تضم نحو 2150 مدفعًا للهاون الثقيل وقاذف صواريخ كاتيوشا على طول مناطق عبور فرق المشاة الخمس.
وتحت القيادة المركزية لقائد سلاح المدفعية اللواء محمد سعيد الماحى وقائد مدفعية الجيش الثانى العميد محمد عبدالحليم أبوغزالة وقائد مدفعية الجيش الثالث العميد منير شاش.. تم حشد نحو 1900 مدفع للرمى المستقيم على تحصينات خط بارليف والأسلاك الشائكة المحيطة بها، وضمت مدافع عديمة الارتداد عيار 107مم ومدافع مضادة للدبابات عيار 85 مم و100 مم وقانصات دبابات «إس يو 100» و«ت 54».
فى نفس الوقت خصصت القوات المصرية 190 طائرة ميج 21 وسوخوى 7 وهوكر هنتر، وكان يوجد 24 طائرة عراقية هوكر هنتر فى مصر مساء بدء الحرب، وقد شاركت فى الضربة الجوية الأولى وغيرها من العمليات اللاحقة لقصف المواقع الإسرائيلية وتجمعات الدبابات والمدفعية بعيدة المدى ابتداءً من المنطقة التى تبعد عن القناة ثلاثة كم على اعتبار أن المدفعية ستركز نيرانها الرئيسية على الثلاثة كيلومترات الأولى، بالإضافة لقصف محطات الرادار والاتصالات والقيادات فى «أم خشيب وأم مرجم» وبطاريات صواريخ هوك المضادة للطائرات فى «الطاسة» والمطارات الإسرائيلية المتقدمة «المليز وبير تمادة والعريش» وبطاريات المدفعية 175 مم المتمركزة وراء خط التحصينات وتجمعات القوات الاحتياطية التابعة لقيادة سيناء العسكرية.
ولتوفير أفضل الظروف لنجاح العبور، من حيث تشتيت جهود العدو وإتاحة الفرصة للقوات العابرة كى تزحف على محاور متعددة، وضعت الخطة على أساس قيام خمس فرق مشاة كاملة بالهجوم على طول المواجهة، باستثناء منطقة البحيرات المرة التى لا تصلح لعبور قوات كبيرة الحجم ومنطقة «السنجان» قرب بورسعيد وإنشاء رءوس الجسور على الضفة الشرقية بعرض نحو 8 كم وعمق 2: 3 كم فى قطاع كل فرقة.. جرى خلال هذه المرحلة من الهجوم تطويق مواقع خط بارليف الحصينة عبر الثغرات القائمة بينها والتى يبلغ عرضها فى بعض الحالات 10: 12 كم وإقامة دفاع مضاد للدبابات لصد الهجمات المعاكسة الأولية المتوقعة، وإثر ذلك يتم اقتحام مواقع خط بارليف وتعميق رءوس الجسور إلى مواقع خط بارليف إلى عمق 6: 8 كم.. وفى أثناء الليلة الأولى من الهجوم يقوم سلاح المهندسين ببناء عشرة جسور عائمة ثقيلة وعشرة جسور خفيفة وتشغيل نحو خمسين معدية بين الضفتين بواقع معدية فى قطاع كل كتيبة وذلك لنقل الدفعات الأولى من الدبابات اللازمة لتدعيم رءوس الجسور التى ستتلقى مزيدًا من الهجمات المعاكسة خلال اليوم التالى.. وبعد هذا تربط رءوس الجسور بعضها ببعض فى قطاع كل جيش ويتم تعميقها إلى مسافة 10: 12 كم ثم تجرى وقفة عملياتية.. اسماها المشير أحمد إسماعيل «وقفة تعبوية» مؤقتة تصد خلالها هجمات قوات الاحتياط الإسرائيلية وتنقل أثناءها بطاريات الصواريخ المتحركة إلى الضفة الشرقية لتوسيع إطار مظلة الدفاع الجوى شرق القناة تمهيدًا لتوسيع رءوس الجسور مسافة 20 كم أخرى تقريبًا حتى تصل إلى المداخل الغربية لممرى «متلا والجدى» شرقًا و(رأس سدر جنوبا على خليج السويس) ونظرا لأن وحدات المشاة المترجلة التى ستعبر القناة فى الموجات الأولى لن تكون مدعمة بدبابات أو مدفعية مضادة للدبابات إلى أن ينهى سلاح المهندسين الترتيبات اللازمة لتشغيل المعديات وإقامة الجسور بعد فتح الثغرات اللازمة عبر الجدار الترابى الضخم الذى أقامته إسرائيل على امتداد القناة بارتفاع يصل إلى 25 متراً فى بعض الأماكن.. فقد جرى تسليح هذه الوحدات بكميات كبيرة من قواذف «الآر بى جى» بواقع ثلاثة قواذف للمجموعة.. وطواقم لإطلاق الصواريخ المضادة للدبابات من طراز «ميلرتكا» السوفيتية الصنع وتعرف فى مصطلحات حلف الأطلسى باسم «ساغر» كما وضعت صواريخ مماثلة على الجدار الترابى الذى أقامته القوات المصرية على الضفة الغربية للقناة ومعها بعض الدبابات والمدافع المضادة للدبابات المعاونة ووحدات المشاة الموجودة فى الضفة الشرقية لتدمير الدبابات الإسرائيلية وبهذا يتوافر لقوات المشاة العابرة للقناة دفاع فعال مضاد للدبابات ودعم قوى بنيران المدفعية ودفاع جوى كفيل بتجميد الطيران الإسرائيلى أثناء المراحل الحرجة من الهجوم وأصبحت المدرعات الإسرائيلية معرضة لنيران مدمرة ومحرومة فى الوقت نفسه من الدعم الجوى القريب ومن المساندة الفعالة لمدفعيتها القليلة العدد وبالقياس للقوة الهائلة للمدفعية المصرية، لكن نجاح قوات المشاة فى إنشاء وتدعيم رءوس جسورها كان متوقفا فى نهاية الأمر على سرعة عبور القناة من قبل الدبابات والآليات والمدافع وتدفق الذخيرة والمؤن والتعزيزات، الأمر الذى كان يتطلب سرعة بناء الجسور العائمة وتشغيل المعديات قبل أن تبدأ قوات الاحتياط الإسرائيلى فى الوصول إلى الجبهة وشن هجوم مضاد عام.. ولذلك كان من الضرورى فتح الثغرات اللازمة فى الجدار الترابى على الضفة الشرقية فى أقصر وقت ممكن، وهنا تعددت الاقتراحات لكيفية نسف الخط منها فكرة «التجريف»، لم تتوقع القيادة الإسرائيلية أن يقوم سلاح المهندسين المصرى فى فترة تقل عن 24 ساعة وبمضخات المياه والوسائل التقليدية فى فتح الثغرات بواسطة «المتفجرات والبلدوزرات» ولقد دعمت كل فرقة مشاة مصرية من الفرق المشاركة فى الهجوم بلواء مدرع إضافى، فضلاً عن كتائب الدبابات الثلاث الملحقة بألويتها لتدعيم قدرتها على صد الهجمات المضادة الإسرائيلية.. وتوسيع رءوس الجسور وتعميقها، أما الفرقة المدرعة والميكانيكية فقد احتفظ بها لاستخدامها فى تطوير الهجوم خلال المرحلة التالية للوقفة العملياتية أو لمواجهة أى تطورات أخرى قد تطرأ على الموقف العسكرى.
بدأ العبور كما هو معروف فى الثانية ظهرًا فى السادس من أكتوبر، وبحلول الساعة الثامنة من صباح يوم الأحد 7 أكتوبر، الموافق الحادى عشر من رمضان كانت قواتنا المصرية قد حققت نجاحًا حاسمًا فى معركة القناة.. فقد عبرت أصعب مانع مائى فى العالم وحطمت خط بارليف فى 18 ساعة وهو رقم قياسى لم تحققه أى عملية عبور فى تاريخ البشرية.. وقد تم ذلك بأقل خسائر ممكنة «50 طائرة و20 دبابة و280 شهيدًا من 10000 رجل»، ويمثل ذلك 2.5٪ فى الطائرات و2٪ فى الدبابات و3٪ فى الرجال.. أما إسرائيل فقد خسرت 30 طائرة و300 دبابة وعدة آلاف من القتلى وخسروا أيضا خط بارليف بالكامل.
ولقد تم سحق ثلاثة ألوية مدرعة ولواء مشاة كانت تدافع عن القناة وأصبحت أسطورة بارليف فى خبر كان.