الجمعة 20 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ثغرات قانونية عديدة تفتح الباب على مصراعيه لإهدار المليارات على الدولة سنويًا




تحقيق - هيثم يونس
 

ثغرات قانونية عديدة تتسبب فى ضياع المليارات على الدولة سنويًا من جراء التهرب الضريبى، ففى الوقت الذى تلجأ فيه الحكومة ممثلة فى وزارة المالية لفتح صفحة جديدة مع مجتمع الأعمال والشركات بالتصالح فى المنازعات الضريبية يجتهد بعض أصحاب الأعمال الأفراد والشركات المساهمة فى البحث عن تلك الثغرات القانونية للنفاذ من خلالها والاستفادة من عدم إحكام صياغة التشريعات الضريبية للتخلص من سداد الضريبة والتهرب من سداد أى مستحقات للدولة، فيما رصد خبراء الضرائب والمتخصصون العديد من الثغرات القانونية، يأتى فى مقدمتها تلك الثغرات التى تتعلق بحد التسجيل الضريبى سواء للأفراد والشركات المساهمة الذى يتم التلاعب من خلاله من قبل بعض رجال الأعمال للتهرب من سداد الضرائب. وكذلك الثغرات الخاصة بالإعفاءات الضريبية والتحايل على القانون بإخفاء حجم أنشطة وأعمال موجودة على أرض الواقع إلى جانب الثغرات القانونية التى مكنت من انتشار الشركات التى تعمل فى تجارة الفواتير المضروبة التى لا تزال تعمل تحت غطاء قانونى! دون أدنى مساءلة بسبب الثغرات القانونية المتعددة التى تمكن من التهرب الضريبى أو ما يسمى بالتجنب الضريبى.
فيما طالب الخبراء والمتخصصون بضرورة إجراء إصلاحات سريعة وجذرية لضبط المجتمع الضريبى سواء على مستوى التشريعات القائمة لسد تلك الثغرات القانونية التى تهدر المليارات على الدولة سنويًا من التهرب الضريبى بسبب طمع أصحاب الأعمال فى جنى الأرباح الطائلة دون سداد مستحقات الدولة إلى جانب ضرورة استحداث آليات جديدة تحول دون وجود خلل فى التطبيق لتلك التشريعات المتعلقة بتحصيل الضرائب بل والعمل على دمج الاقتصاد غير الرسمى ضمن الاقتصاد الكلى ليخضع بدوره لمنظومة الضرائب إلى جانب تغليظ العقوبات لردع الفاسدين سواء من الممولين أصحاب الأعمال أو بعض مأمورى الضرائب أو المحاسبين القانونيين فى الشركات.
وأكد أشرف العربى رئيس مصلحة الضرائب الأسبق أن هناك أنواعًا عديدة من التهرب الضريبى يأتى فى مقدمتها الاقتصاد غير الرسمى لا تعلم الحكومة عنه شيئًا حيث يمثل الاقتصاد غير الرسمى نحو 60٪ من الاقتصاد الكلي، فيما يقدر الاقتصاد الرسمى بنحو 2 تريليون جنيه، بينما يقدر الاقتصاد غير الرسمى فى مصر بنحو 2.5 تريليون جنيه، وبما يفوق الاقتصاد الرسمى بنحو الضعف.
وأشار إلى أن حجم التهرب الضريبى من الاقتصاد غير الرسمى وحده يبلغ 350 مليار جنيه ضرائب تضيع على الدولة سنويًا، أضاف أن هناك أساليب أخرى للتهرب تتعلق بالاقتصاد الرسمى والمدرجين ضمن منظومة الضرائب تتمثل فى عدم التزام أصحاب الأعمال بسداد الضريبة بشكل سليم ومنتظم من خلال عدم الالتزام بتقديم الإقرارات الضريبية فى موعدها أو القيام بعمليات إخفاء للإيرادات أو التلاعب فى الدفاتر.
وأوضح رئيس مصلحة الضرائب أن أكثر أوجه التهرب الضريبى فى الوقت الراهن يتم بطريقتين، إما من خلال إخفاء الإيرادات أو زيادة المصروفات، وهنا تأتى قدرة المصلحة وأدواتها فى اكتشاف التهرب ومدى تدريب وتأهيل كوادرها من مأمورى الضرائب على استخدام التكنولوجيا الحديثة فى اكتشاف التهرب الضريبى أو التلاعب فى الحسابات.
وأضاف أن النظام الضريبى وقانون الضرائب يحتوى على ثغرات عديدة ويسمح بأمور قد تستغل فى الأساس لحدوث التهرب الضريبى فعلى سبيل المثال فئة المهنيين وهى الشريحة الأكثر تهربًا من سداد الضرائب نجد أن القانون ينص على أنه فى حالة عدم «إمساك الدفاتر» فإنه لن تعتمد أى مصروفات إلا فى حدود 10٪ من الإيرادات، وبالتالى هنا من يحدد الإيرادات غير هذا الممول فإذا ما حددها بنسبة 10/1٪ فما الفائدة من معاقبته بنسبة 10٪ لاعتماد مصروفاته وهى ثغرة تستخدم فى التهرب الضريبى.
وكشف أن هناك شركات انتشرت مؤخرًا على نطاق واسع وتعمل فى  تجارة الفواتير المزورة لتسهل بدورها عمليات التهرب الضريبى، ويتم ذلك من خلال الثغرات القانونية فالقانون ينص على منح إعفاءات للمشروعات الممولة من بعض الجهات مثل الصندوق الاجتماعى وعندما يقوم شخص بعمل سجل تجارى ويستخرج بطاقة ضريبية يحصل على إعفاء ضريبى لمدة 5 سنوات من الصندوق الاجتماعى أو قطاع المشروعات الصغيرة وبالتالى لا يهتم بالحسابات المتعلقة بحجم البيع أو الشراء لأنه تم إعفاؤه ضريبيًا، ومن السهل عندما يتوجه له أحد التجار لشراء فاتورة تتضمن بضائع بقيمة 10 آلاف جنيه، فى مقابل عمولة أو تسعيرة ثم يثبتها على أنها إيرادات معفاة من الضرائب فليس هناك مشكلة فى إصدار الفاتورة المزورة مقابل عمولة 300 جنيه لتدرج على أنها مصروفات لدى التاجر وبالتالى يتهرب ضريبيًا تحت ستار تجارة الفواتير المضروبة.
فيما أكد محمد البهى رئيس لجنة الضرائب باتحاد الصناعات أن المتهرب من الضرائب يبحث عن آلية للتهرب سواء الكامل أو الجزئى حتى وإن لم تكن هناك ثغرات فى القانون فيحاول فتح الثغرات بيده للتمكن من التهرب.
ويكشف البهى عددًا من الثغرات القانونية منها ما جاء فى قانون ضرائب المبيعات فهناك ما يعرف بحد التسجيل للمصانع والمقدر بنحو 54 ألف جنيه، بينما يبلغ 150 ألف جنيه للتاجر الفرد، فأغلب التجار الذين يقررون التهرب عندما يصلون إلى حد التسجيل بأقل من القيمة المقررة بألف جنيه ويوقف إصدار فواتير أو يقوم بشراء فواتير من الشركات أو المكاتب المتخصصة فى تجارة الفواتير المضروبة حتى لا يصدر فواتير تصل به إلى حد التسجيل المقرر، ويظل هكذا على مدار السنوات المتتالية ليكون غير خاضع للضرائب على المبيعات التى تمتد أيضًا للتهرب من سداد الضرائب العامة.
وأكد البهى أنها منظومة متكاملة تتطلب حلولاً جذرية بشكل متكامل تعالج الاقتصاد غير الرسمى الذى يقوم على بيع الخامات دون إصدار فواتير وهناك من يصنع ويصدر ويبيع المنتجات المصنعة تحت بير السلم دون إصدار فواتير إلى جانب أن هناك أسواقًا عشوائية تقدر بـ1200 سوق فى مصر لا تعترف بالفاتورة الضريبية على الإطلاق فهذا هو حال منظومة الضرائب فى مصر، مشيرًا إلى أن الاقتصاد غير الرسمى يشكل نحو 60٪ من حجم الاقتصاد الكلى أى أن الاقتصاد الخاضع للضريبة لا يتعدى 40٪ مؤكدًا أن دمج الاقتصاد غير الرسمى فى المجتمع الضريبى يمكنه أن يحقق حصيلة تمثل ثلاثة أضعاف حجم الحصيلة الحالية.
وأكد د.محمد فاروق عضو المجلس المصرى للشئون الاقتصادية أن أنواع الضرائب المفروضة متعددة منها الضريبة العقارية والمبيعات والدخل وضريبة الأرباح للشركات وكل دورة منها لها منظومة خاصة وأساليب متباينة للتهرب الضريبى فالتهرب من ضرائب المبيعات يتم من خلال ثغرات تختلف عن تلك المستخدمة فى التهرب من ضرائب أرباح الشركات حيث تقوم الشركات بعمل مراكز مالية سنوية متضمنة قائمة الدخل التى تنتهى بقيمة الأرباح بعد خصم جميع المصروفات، طبقًا للقوانين المحاسبية المطبقة على الشركات، وبعد موافقة مجلس الإدارة عليها واعتماد المحاسب القانونى ليتم تقديمها لمأمورية الضرائب التابعة لها يتم إجراء دراسة لها إما بالموافقة على ما جاء من قيمة الدخل واحتساب الضريبة عليها أو الاعتراض على ما قدمته الشركة من بيانات وبمقتضاها تقدر المأمورية قيمة أعلى للضريبة وتقوم الشركة بإجراء طعن داخل المأمورية التابعة لها وأن لم يتم الاتفاق بين الطرفين يتم تحويل الأمر إلى لجنة مشكلة لفض النزاع قبل طرحها إلى ساحة القضاء إلا أن هذه المنظومة قد تتعرض برمتها لشبهة فساد وقبل لجوء الأمر إلى ساحة القضاء فمن الممكن أن يخفى الممول حجم أعمال بموافقة مجلس إدارة الشركة ويتم تقديم رشوى للمحاسب القانونى للتكتم على ذلك إلى جانب تقديم رشاوى وهدايا إلى بعض مأمورى الضرائب الفاسدين للموافقة على إقرار الشركة المتضمن قيمة أرباح ضئيلة لاحتساب ضريبة هزيلة عليها.
وطالب بأن يتم تغليظ العقوبات إلى جنائية وإلى مستوى تصنيف العقوبات المخلة بالشرف على أى طرف فاسد فى المنظومة الضريبية سواء ممول أو شركة أو مأمور أو مفتش لتسهيل التهرب الضريبى وضياع مستحقات الدولة والشطب لجميع المخالفين من النقابات التابعين لها أو من مزاولة المهنة فيما بعد.
وتفند سامية مصيلحى خبير ضرائب ورئيس لجنة ضرائب الاستثمار بالمصلحة العامة للضرائب أسباب وثغرات قانونية أخرى تؤدى إلى التهرب الضريبى يأتى فى مقدمتها عدم وجود ثقافة ضريبية وإعلام ضريبى جيد يصل للممول أو المواطن الفرد ليرسخ ثقافة شرف أداء الضريبة، وبأن التهرب الضريبى جريمة مخلة بالشرف مثلما يحدث فى دول العالم المتقدمة، التى يعلم كل مواطن فيها ما له من حقوق وما  عليه من الواجبات المفترض أداؤها.
وأضافت أن الفهلوة المصرية سبب رئيسى فى التهرب حيث يعتبر كل شخص صاحب عمل تجارى أو نشاط ما بأن التهرب من سداد الضريبة بمثابة نوع من الفهولة والذكاء، أو قد يشعر صاحب العمل بأنه يسدد ضرائب للدولة فى مقابل عدم حصوله على خدمات جيدة أو ما يطمح إليه من مختلف الخدمات الأخرى سواء الصحية العلاجية أو غيرها فيضطر للتهرب.. إضافة إلى ما ينص عليه القانون بأن هناك إعفاء ضريبيًا قدره 7 آلاف جنيه للفرد صاحب النشاط التجارى فى مقابل الأعباء العائلية، ويرى الممول أنها غير كافية وأنه يستحق المزيد من الإعفاءات، كما أن الشركات لها إعفاءات أخرى واردة فى القانون ولها حسابات أخرى.
وأضافت أن القانون سبق أن سمح بالإعفاء عن أى فرد ليس لديه ملف ضريبى ودون توجيه تهمة التهرب الضريبى أو أى إدانة فى مقابل أن يأتى ليستخرج بطاقة ضريبية ويسجل منشأنه ومع ذلك لم يتقدم أحد.
كما أن هذه الثغرات القانونية قد يلجأ إليها رجل الأعمال لإنشاء شركتين تتمتع إحداهما بحجم من الإعفاءات الضريبية لفترة زمنية معينة ويقوم بترحيل الأرباح على تلك الشركة المعفاة من سداد الضرائب واحتساب المصروفات على الشركة الخاضعة للضريبة وبالتالى يقلل من حجم الأرباح المحققة على الورق ويسدد ضريبة ضئيلة عليها لا تتناسب وحجم النشاط القائم لديه وهنا يكون قد تجنب الضريبة بالقانون ومصلحة الضرائب ليس بإمكانها محاسبته، مؤكدة أن قانون 53 لسنة 2014م عالج إلى حد ما التجنب الضريبى ولابد وأن تضعه المصلحة فى الاعتبار للحد من التهرب الضريبى، وهناك ثغرة أخرى تمكن من التهرب الضريبى مثل أن يتعمد التاجر عدم سداد الضرائب فى موعدها ومن ثم الاحتيال على القانون لعدم سداد تلك الضريبة، وقد يكتشف مفتشو الضرائب الأمر فتقوم المصلحة باحتساب الضريبة المستحقة والتعويضات الناجمة عن الإدانة بالتهرب الضريبى وقد لا تكتشف ذلك.
وقال د.عادل عامر رئيس مركز الدراسات الاقتصادية والقانونية والاجتماعية إن هناك نوعاً من التضارب بشأن تطبيق التعديلات الجديدة لقانون الضرائب رقم 91 لسنة 2005 التى وردت فى القانون الجديد قم 20 لسنة 2013، حيث تجتهد مأموريات الضرائب فى تطبيق التعديل التشريعى الخاص بالمادة 136 من باب أحكام التهرب الضريبى، وتلجأ إلى العمل بهذه المادة بأثر رجعى رغم إلغائها ضمن تعديلات القانون الأخيرة واستبدالها بفقرة جديدة تمت إضافتها للمدة 87 مكرر بباب أحكام الفحص، والسبب فى ذلك أن المادة القديمة الملغاة تنص على نسب غرامات أكبر من المادة الواردة فى التعديل الجديد، وذلك فى حالة إذا أدرج الممول مبلغ الضريبة  فى الإقرار الضريبى بأقل من قيمة الضريبة المقدرة نهائيًا!
كما تعمل كل مأمورية وفقًا لاجتهاداتها الشخصية فى تطبيق القانون، بعضها يعمل بصيغة القانون القديم والبعض الآخر يعمل وفقًا للتعديلات الجديدة، الأمر الذى أدى إلى تصاعد الخلافات حاليًا بين مصلحة الضرائب والممولين، مما يهدد بزيادة الدعاوى القضائية بين الطرفين بسبب تلك الخلافات أو يزيد من معدلات التهرب أو التجنب الضريبى.
وأضاف أن أكثر الفئات تهربًا هم أصحاب المهن الحرة، خاصة الأطباء، والمدرسين، ومراكز الدروس الخصوصية، والفنانين، والمذيعين، ومقدمى ومعدى البرامج التليفزيونية، والنشاط العقارى، وشركات تقسيم الأراضى، والفئات التى تخفى إيراداتها، الأمر الذى يستلزم تكثيف ملاحقة المتهربين، لسداد المستحقات المقررة عليهم.