السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قطر وتمويل الإرهاب




ترجمة - وسام النحراوى

فى الوقت الذى انخرطت فيه الولايات المتحدة فى تشكيل ائتلاف دولى مستعد لمواجهة تنظيم «داعش»، شدد مسئولون أمريكيون كبار ونادت صحف أمريكية وبريطانية بأهمية استخدام وسائل التأثير والإقناع إلى جانب الضربات العسكرية، مضيفين أن أى جهد لمواجهة «داعش» والقضاء عليه يجب أن يشمل بشكل خاص تركيزاً متجدداً على رصد مصادر تمويلها، لكن ذلك يتطلب جهدًا دوليًا حقيقيًا يعتمد نجاحه على أقل الشركاء فعالية، حسبما جاء فى دراسة أجرتها صحيفة «ذى هيل» الأمريكية.


هنا يأتى دور قطر، دولة خليجية صغيرة لكن غنية تميل إلى التودد للحركات الإسلامية بدءًا من «حماس» فى فلسطين إلى الميليشيات الإسلامية فى ليبيا مرورًا بجماعة «الإخوان المسلمين» فى مصر وصولاً إلى «حركة طالبان»  فى أفغانستان.
وذكر نائب وزير الخزانة الأمريكية ديفيد كوهين بأن قطر، على وجه الخصوص، تعطى صلاحية سامحة لتمويل الإرهاب، مشيرًا إلى أن الرقابة القطرية متساهلة لدرجة أن عدداًَ من الممولين الذين يتخذون من قطر مقرًا لهم يعملون كممثلين محليين لشبكات أكبر تمويل الإرهاب مقرها الكويت.
وأضاف كوهين الذى لم يشأ أن يكشف عن معلومات استخباراتية حساسة، إلى تقارير صحفية تشير إلى أن قطر لا تدعم «حماس» فحسب، بل أيضًا تنظيمات متشددة تعمل فى سوريا، مختتمًا قوله: إن أقل ما يمكن قوله هو أن ذلك يهدد بتفاقم وضع منفجر بطريقة خطرة بشكل خاص وغير مرغوب به.
وبعد ضغوطات متزايدة ومتواصلة نتيجة اتهامات بأن قطر مستمرة بتمويل المتشددين فى سوريا والعراق، اتخذ أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثان على عاتقه طمأنة المجتمع الدولى بأن نظامه لا علاقة له بكل ذلك، لكنه اعترف بأن «تلك التنظيمات ممولة بشكل جزئى من الخارج»، لذا فقد أصدرت قطر قانونًا جديدًا لتشكيل هيئة تنظيمية للجمعيات الخيرية المحلية التى تشترك بالعمل السياسى أو ترسل الأموال إلى الخارج أو تحصل على مساهمات من الخارج.
وعلقت الدراسة على هذه الخطوة بالترحيب كونها فى الاتجاه الصحيح، بيد أنها لن تأتى بالنتائج المرجوة إذا لم يتم تطبيق القانون وإنفاذه.
ولسوء الحظ، فإن قطر لها تاريخ بسن قوانين مماثلة وإحداث جلبة حوله من دون متابعة أو تطبيق، وقامت الدراسة باستعراض هذا التاريخ.
ففى عام 2004، أقرت قطر قانونًا لمكافحة تمويل الإرهاب وأسست وحدة استخبارات مالية وأنشأت الهيئة القطرية للأعمال الخيرية.
وفى عام 2006 أقرت قانونًا آخر وسع الرقابة على الجمعيات الخيرية وأعطى سلطات إضافية لوزارة الخدمة المدنية والإسكان.
وأشارت الدراسة إلى أنه وبلاشك تعد هذه الإجراءات خطوات إيجابية، لكن حين قدم فريق تقييم مشترك من «صندوق النقد الدولى» للتدقيق بعمليات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بعد عامين على ذلك القانون، برزت مشاكل كبيرة.
وجاء فى تقرير الصندوق إن تمويل الإرهاب يعد جريمة فى قطر لكن تعريفه يبقى محدودًا، فلقد تبين أن المرسوم الإدارى الذى أنشأ وحدة الاستخبارات المالية غير مطابق لقانون مكافحة غسل الأموال فى قطر، حيث وجد التقرير أن النظام الذى ينص على الإعلان عن أى أموال تنقل عبر الحدود «غير مطبق وغير فعال».
وعلى الرغم من امتلاكها الصلاحية لضبط الأموال المرتبطة بعمليات غسل الأموال أو  تمويل الإرهاب وتجميدها وحجزها، إلا أن أى عملية من هذا النوع لم تتم باعتبار أن أى قضية غسل أموال لم ترفع أمام المحاكم.
وأشارت الدراسة إلى أنه، وعلى العكس، فقد أتاحت السلطات القطرية ملاذًا آمنًا لشخصية ورد اسمها على قائمة الإرهاب العالمية بالقرار 1267 وأن أى إجراءات لم تتخذ بحق أموالها أو أصولها.
وفى عام 2010، أقرت قطر قانونًا جديدًا فى مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب يوجب بشكل خاص على الادعاء تجميد أموال المنظمات التى تضعها الأمم المتحدة على قائمة الإرهاب، وأعطيت لجنة مكافحة الإرهاب الوطنية صلاحية تحديد الإرهابيين بشكل مستقل عن الأمم المتحدة، غير أن اللجنة لم تسجل أى منظمة.
وفى حين تلزم القوانين المرعية المؤسسات المالية تسجيل تقارير تحويل مشبوهة، إلا أن وحدة الاستخبارات المالية لم تحل إلى الادعاء سوى قضية واحدة للتحقيق منذ 2013.
أما إذا نظرنا إلى إعلان قطر الأخير الذى أعادت التأكيد فيه التزامها فرض الرقابة على قطاع الأعمال الخيرية، نرى أن مسودة القانون كانت جاهزة منذ العام الماضى لكن القانون لم يقر إلا بعد ضغوطات دولية كبيرة.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد لاحظت العام الماضى أن وزارة العمل والشئون الاجتماعية تراقب المنظمات الخيرية غير الحكومية وتعطيها التراخيص رسميًا وتلزم الشركاء الخارجيين بالخضوع للتدقيق والترخيص.
غير أن ذلك لم يحدث ويعود السبب بشكل جزئى إلى أن الجمعيات الخيرية التى تعمل ضمن المركز المالى فى قطر معفاة من التسجيل أو الرقابة.
وفى التقرير السنوى الأخير لوزارة الخارجية الأمريكية عن الاتجاهات الإرهابية، وصفت الوزارة عملية إشراف قطر على التبرعات المحلية للمنظمات الخارجية بأنها «غير متناسقة»، وهو تعبير منتقى بدقة، ووجدت أن تطبيق السلطات القطرية لقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بأنه «ناقص» وتشوبه «ثغرات كبيرة».
وبحسب أحد المسئولين الأمريكيين، فإن موقف قطر حتى اليوم يكتفى «بتمرير قانون وتكون المشكلة قد حلت».
من هنا، ليس من الغريب أن تضع وزارة الخزانة الأمريكية الأكاديمى ورجل الأعمال القطرى عبدالرحمن النعيمى على قائمة الإرهاب، مشيرة إلى أنه أمر بتحويل نحو 600 ألف دولار لتنظيم «القاعدة» عبر ممثل لها فى سوريا هو أبوخالد السورى، وكان ينوى تحويل 50 ألف دولار إضافية.
وذكرت الخزانة أن النعيمى لم يبخل على تنظيمات أخرى بالمال وأرسل أموالاً لتنظيم «القاعدة» فى العراق (التى تعرف الآن بـ«داعش»)، وإلى حركة «الشباب» فى الصومال.
وحتى الآن، مازال تطبيق القوانين وإنفاذها لا يشكل مكونًا مهمًا فى مقاربة قطر لتلك المسائل، وتشدد السلطات القطرية للمستثمرين والنقاد على السواء بأنها تشرع القوانين، وهى قوانين تبدو على الورق متماسكة وصارمة غير أنها لا تطبق أو تنفذ.
ويشكل تمرير القانون الأخير فى قطر أمرًا عاديًا حيث إن السلطات القطرية أقرت قوانين مشابهة فى الماضى دون أن تتخذ الإجراءات التى أجازتها القوانين لدوائرها وأجهزتها.
وجاء تطمين أمير قطر بعد يوم من إعلان القانون الجديد أن «قطر لم ولن تدعم المنظمات الإرهابية أبدًا».
إن سن القوانين التى ترعى الأعمال الخيرية خطوة لابد منها، لكن فى نهاية المطاف تبقى الحاجة لتنفيذها، أما الاختبار الأكبر فلا يمكن فى أن تفتتح قطر هيئة رقابة على الأعمال الخيرية، بل أن تتخذ تلك الهيئة إجراءات بحق عمليات تمويل الإرهاب الحاصلة فى البلاد.
فى السياق نفسه، أعدت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تقريرًا يتناول دعم قطر للمتطرفين فى الشرق الأوسط، مؤكدة أنه ينفر منها حلفاؤها داخل وخارج المنطقة.
وأشارت الصحيفة إلى تصريحات الداعية الشيخ حجاج العجمى فى مؤتمر عقد مؤخرًا فى الدوحة، وضم عددًا من الأثرياء القطريين، وقال خلالها: «امنحوا أموالكم لأولئك الذين ينفقونها على الجهاد وليس للمساعدات الأخرى».
وبحسب تقرير «نيويورك تايمز»، وضعت الحكومة الأمريكية «العجمى» ضمن قائمة المانحين الرئيسيين لفرع تنظيم القاعدة فى سوريا، موضحة أن الداعية المثير للجدل عمل طيلة سنوات عدة من العاصمة القطرية، ما يعد دليلاً قاطعًا على دعم قطر للجماعات الإرهابية حول المنطقة من خلال توفير ملاذ آمن ووساطات دبلوماسية، ومساعدات مالية، بل وبالأسلحة فى بعض الأحيان.
ورصد تقرير الصحيفة الأمريكية خمسة ممولين لتنظيم القاعدة فى سوريا ــ بخلاف العجمى يعملون فى الدوحة، ويعتلون منابر المساجد التى تديرها الدولة القطرية، فضلاً عن ظهورهم على قناة الجزيرة بشكل منتظم.
وأضافت الصحيفة الأمريكية أن نظرة السعودية والإمارات ومصر لقطر باعتبارها راعيًا رئيسيًا للإرهاب تتفق مع وجهة نظر البعض فى واشنطن ممن يتهمون الدوحة بتقديم الدعم المباشرة لتنظيم «داعش».
وتنتقل «نيويورك تايمز» فى تقريرها من سوريا والعراق، إلى اليمن، مشيرة إلى أنه فى عام 2010 قدمت الحكومة القطرية مساعدات 1.2 مليون دولار، لبناء مسجد للشيخ عبدالوهاب الحميقانى، الذى وضع ضمن قائمة ممولى الإرهاب وجامعى التبرعات الرئيسيين لتنظيم القاعدة فى منطقة الخليج».
كما كشفت صحيفة «ديلى ميل» البريطانية نقلاً عن مسئولين أمريكيين أن «أمير الانتحاريين» فى التنظيم، طارق بن الطاهر الحرزى، تمكن من جمع 2 مليون دولار للعمليات العسكرية من جهة تمويل قطرية، والحرزى يعد الوسيط بين قيادة تنظيم «القاعدة» فى باكستان والممولين فى الخلية، لذا تم إضافته مؤخرًا لقائمة الإرهابيين العالميين.
وأضافت الصحيفة أن الحرزى يعد بمثابة أمير «داعش» فى منطقة لحدود بين سوريا وتركيا، وهو المسئول عن تجنيد وتسهيل سفر المقاتلين فى التنظيم، بالإضافة إلى تدريبه للمتشددين الأجانب الجدد قبل إرسالهم إلى سوريا.
وأكدت المالية الأمريكية أن تمويل الإرهاب قد سهل حركة الأوروبيين إلى تركيا، كما أنه نظم الهجمات الانتحارية فى العراق، وساعد التنظيم فى تطوير قدرات مقاتليه.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الفضائح تستدعى اتخاذ إجراءات مشددة من قبل قطر، لتضيق الخناق على الأموال التى ساعدت «داعش» لتحقيق أهدافه.