الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الطرق الملتوية للكهنوت وتعطيل اللائحة




تحقيق - روبير الفارس
 

أثارت مشكلة ترشيح خادم للرسامة كاهنا فى كنيسة العذراء والأنبا إبراهم بفيصل إمكانية مدى تطبيق اللائحة التى وضعها المجمع المقدس برئاسة البابا تواضروس الثانى على أرض الواقع ففى الوقت الذى أكدت فيه اللائحة على نزاهة التزكيات ـ أى تقديم المدح والافضلية للمرشح ـ تؤكد الشكوى التى حصلنا على نسخة منها والتى قدمها خدام الكنيسة للأنبا ثيوذسيوس اسقف الجيزة على أن القمص بولس سمعان عندما عرض اسم الخادم على الشعب استخدم أسلوبه فى التأثير والتعاطف وتقول الشكوى: «قد أعلن القمص بولس سمعان كاهن الكنيسة عن تزكية الكاهن بعد قداس الجمعة بأسلوب فيه تأثير على رأى الشعب بالموافقة
ويتم الآن جمع تزكيات بأسلوب مخالف للائحة الصادرة من المجمع المقدس وفيه التفاف وضغط وتأثير غير مقبول بالمرة وخارج عن الروح المسيحية متجاهلا مجمع التزكيات الرسمى ورأى الخدام الذين احتكوا بالخادم المرشح لذلك نلتمس من نيافتكم سرعة وقف تلك الممارسات غير المقبولة التى تحدث بالكنيسة» وقد استجاب الانبا ثيودسيوس وأوقف الرسامة، وفى الوقت الذى تحدد فيه اللائحة الحد الأدنى للمرتب للكاهن بـ1500 جنيه وهو مرتب متدن يقوم الانبا باخوم أسقف سوهاج بتحديد المرتب حسب وظيفة المرشح السابقة وما كان يتقاضاه فيها فإذا كان يحصل على 500 جنيه فإن مرتبه يكون 500 جنيه وهكذا!! وفى حين أن اللائحة تحدد ألا تقل سن المرشح عن ثلاثين قام الانبا مرقس أسقف شبرا الخيمة برسامة قس فى العشرينيات من عمره! فعلى من تطبق إذن اللائحة التى وضعها المجمع المقدس لرسامة الكهنة؟!
فى البداية يقول المفكر عادل جرجس، الكهنوت من المتعارف عليه كنسيا ان الشعب هو من يختار راعيه فالشعب هو من يرشح من يراهم يستحقون الكهنوت وما على الاسقف إلا أن يقيم من اختاره الشعب «انتخبوا.... فنقيمهم» (أ6: 3) ولكن البابا تواضروس بمجرد ان اعتلى الكرسى الباباوى حتى شرع فى تغيير لائحة الكهنة باللائحة رقم 21 لسنة 2012 والتى جعل فيها «الترشيح يتم من قبل كهنة الكنيسة بالاغلبية بخطاب موجه للرئاسة الدينية «الاسقف» ويتم أخذ موافقة أعضاء مجلس الكنيسة بالاغلبية بخطاب موجه للرئاسة الدينية، ثم يقيم المرشحون للكهنوت من قبل لجنة تسمى لجنة تقييم المرشحين وهى لجنة يشكلها الأب الاسقف من سبعة آباء كهنة وبعد ذلك تعرض أسماء المرشحين على مجمع التزكيات للكنيسة، التى سيتم بها التصويت والمجمع يتكون من الافراد الذين لهم حق عملية التصويت فى انتخابات الكاهن أو أعضاء مجلس الكنيسة أو أمين عام الخدمة بالكنيسة وتمنح مدة 15 يوما كمهلة زمنية لمن لديه ملاحظات أو اعتراضات على المرشحين لتقديمها بالطريقة التى تحددها لجنة تقييم المرشحين مع مراعاة السرية وتقوم لجنة تقييم المرشحين بفحص الاعتراضات والملاحظات المقدمة وتقديم توصياتها)  ـ مادة 4 ـ وبالطبع ترفض كل الاعتراضات ان سمح بها هكذا اصبح اختيار الكهنة يتم بمعزل عن الشعب وأصبح الكهنوت عائلة منفصلة داخل الكنيسة تنشطر من داخلها وعلى الرغم من أن اللائحة أقصت الشعب من اختيار الكهنة الا أنها لم تكتف بذلك بل وضعت بندا يسمح برسامة كهنة دون قيد أو شرط وتعطى للاسقف السلطة المطلقة فى إقامة من يشاء وقتما يشاء كاهنا ضاربا برغبة الشعب صاحب الحق الاصيل فى الاختيار عرض الحائط وينص البند 10 من اللائحة على «عند رسامة كاهن عام يكتفى بتزكية من الرئاسة الدينية كاستثناء» فالكاهن يجب ان يقام على إحدى الكنائس ولكن الكاهن العام ليس له كنيسة بعينها ويستطيع ان يعمل فى أى كنيسة وهنا يكون الامر كله بيد الاسقف فتكفى رغبة الاسقف منفردة كمسوغ لاقامة الكاهن وهو ما يسرع من عملية إقامة جيش من الكهنة فى وقت سريع يتم فرضهم على الواقع الكنسى لتغييره ولم يكتف البابا باستخدام سلطاته لتغيير لائحة الكهنة بل ألغى طقس اعتراض الشعب على المرشح للكهنوت وهو الطقس الذى كان يتم اثناء صلاة رسامة الكاهن يأمر الاسقف المرشح للكهنوت بالمرور وسط الشعب يم يعود الى الاسقف ليسأل الاسقف الشعب أن كان هناك من يعترض على الرسامة فإن اعترض أحد ألغيت الرسامة وإن لم يعترض أحد طلب الاسقف من الشعب جميعا أن يقولوا «اكسيوس» أى مستحق فلقد ألغى دانييل هذا الطقس لانه لو أتم الطقس فسوف يعترض كل من فى الكنيسة على الكهنة الثلاثة فدانييل نفسه مرفوض من الشعب والسؤال الآن الذى يقفز أمامنا بقوة هو لمصلحة من يتم تغيير قوانين الكنيسة بالمخالفة للإنجيل والتقليد الكنسى وقوانين آباء الكنيسة وإلغاء طقوس الكنيسة؟ وحتى نجيب عن هذا السؤال علينا ان نرصد الاجواء جيدا والتى ستظهر معها اجابة السؤال فلم يعد هناك مجال للشك بعد أن الحرب ضروس بين البابا والحرس القديم حرب تكسير عظام فالحرس القديم يمول الكثير من الحركات الكنسية التى تعمل داخل الكاتدرائية لتشويه صورة البابا وليس من المستبعد وتاريخ الكنيسة شاهد على ذلك انه لو تعاظم الرفض الشعبى للبابا يمكن ازاحته من على كرسيه واحلال آخر مكانه فالبابا يؤانس السابع تم عزله وحل محله البابا غبريال الثالث فالبابا تواضروس اذن اصبح فى حاجة ماسة الى تجييش حرسه الجديد ليس لحسم النزاع ولكن لعمل توازن فى الصراع فقداسته لا يملك من عناصر القوة بعد ما يمكنه من حسم الصراع لصالحه فلا شىء يقف أمام رغبة البابا فى تكوين حرسه الجديد من اساقفة وكهنة فهو السلطة التشريعية والتنفيذية داخل الكنيسة فهو من يسن القوانين ويقوم على تنفيذها ويستخدم كل سلطاته وبشكل متسارع لتثبيت اعمدة نظامه داخل الكنيسة وسوف تكون الدعوة للاصلاح التى يتبناها البابا مرحليا ستارا للمزيد من الفساد المضاد للفساد القديم ولا يتوقع ان يؤتى هذا الاصلاح ثماره قريبا فالبابا يقرب منه أهل الثقة وليس أهل الخبرة على الرغم من شبهات الفساد التى تحوم حول البعض من رجالات البابا.
ويقوم الكاتب باهر عادل الكهنوت فى الكنيسة أبوة روحية، وكتب القديس يوحنا ذهبى الفم كتابا بعنوان «الكهنوت» لأهمية الموضوع، وتوجد نماذج كثيرة مضيئة ـ فى تاريخنا المعاصر ـ للكهنوت مثل أبونا بيشوى كامل وأبونا ميخائيل ابراهيم فهؤلاء عاشوا كما يحق لانجيل المسيح! وليس هم فقط بل كثيرون عاشوا ومازالوا يحرسون رعية الله بأمانة واستقامة.
لكن للاسف الواقع القبطى «يغلب عليه» الطابع السيىء الان فضعف الكهنوت ناتج بالأساس من ضعف الشعب «الكاهن يخرج من الشعب» والشعب المصرى عموما تنتشر فيه الامية وحتى التعليم مضروب!
فتوجد نماذج للكهنة ـ للاسف ـ تشوه صورة الدين وتشوه صورة الله فى عيون الناس!
فالبعض يتشبه بالقديسين والحرفية الشديدة والتعصب ينفر الناس من العقيدة حتى لو كانت سليمة!
فإذا اختلفت مع كاهن فى أى شىء يقول لك: «لا حل ولا بركة» وهذا لا يجوز ولا ينبغى أن يكون موجودا حيث إن خروج بالسلطان الكنسى عن اختصاصاته وانحرافه إلى الشعوذة واستغلال أمية الشعب سواء التعليمية أو حتى الثقافية!
وعادة تقبيل يد الكاهن عادة سيئة تعطى سلطة مطلقة وتجعل العامة والبسطاء يؤلهون رجال الكهنوت! ويستخدمها بعض رجال الكهنوت كسلطة وتحقير من شأن الآخرين!
لا يجب أن ينظر الكهنة الى أنفسهم على أنهم طبقة فوق الشعب فذكر المتنيح الانبا شنودة مقولة للقديس أغسطينوس يقول فيها: أنا راع لهؤلاء ولكننى أمامك أنا معهم واحد من قطيعك، أنا معلم لهم، ولكننى امامك أتعلم منك معهم» فالناس جميعهم أمام الله سواسية.
مفهوم القيادة فى المسيحية مختلف عن مفاهيم التسلط والتجبر ـ التى تسود العالم للاسف ـ وقول السيد المسيح للتلاميذ: فدعاهم يسوق وقال: «أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم، والعظماء يتسلطون عليهم 26 فلا يكون هكذا فيكم. بل من أراد أن يكون فيكم عظيما فليكن لكم خادما، ومن أراد أن يكون فيكم أولا فليكن لكم عبدا، كما أن ابن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم، وليبدل نفسه فديه عن كثيرين» (مت 20:25 - 28).
ياليتنا نتعلم من معلمنا الاعظم وسيدنا المسيح ولا يجب أن يفهم أحد كلامنا هذا كهجوم ولكن هذا نقد لواقع ننشد أن يكون افضل بإذن الله فيجب فى الاختيار: التأكيد على روحانية الكهنة، وتحسين كليات ومناهج الإكليريكية لتخريج كهنة قادرين على استيعاب الآخر واحتواء المختلف معهم وقادرين على مجاوبة كل من يسألهم عن سبب الرجاء الذى فيهم.
ويقول عيد سعد أكبر مشكلة فى اللائحة هى عدم شرطها الاقتصار على رسامة خريجى الإكليريكية ـ كلية اللاهوت ـ فقط فهناك أعداد غفيرة من خريجيها بلا عمل دون النظر للدراسة وهى جزء من أساس العمل الكهنوتى لانه يجب أن يكون هناك تخصص للاعمال.
أولا: هناك الكاهن الواعظ والكاهن الذى يصلى بالقداسات ليس معنى هذا أن لا يعظ أو يقدس الكل ولكن الله يعطى الانسان وزنه يجب أن يريح بها النفوس فى النهاية هو عمل روحى متكامل، والكاهن يجب أن يكون لديه ثقافة ومعرفة ويجب ان يكون لديه تعليم جامعى مناسب وأن يكون هناك اختيار وموافقة حقيقية من الشعب بنسبة أصوات كبيرة وليس من اختيار مجلس الكنيسة فقط.
ويقول الاعلامى جرجس بشرى المشكلات التى تعانى منها الكنيسة فى معظمها الآن أحد أهم أسباب عدم التدقيق فى اختيار الكهنة، والواقع يؤكد أن هناك كهنة اشخاصاً كانوا غير مؤهلين وتمت رسامتهم كهنة وفرضهم على الشعب فرضا فهناك أساقفة يفرضون على الشعب اشخاصا للكهنوت وضد إرادة الشعب ووصل الأمر أن تدخلت المجاملات فى الرسامات الكهنوتية التى هى أهم وأخطر وظيفة دينية، حيث من الممكن أن نجد أشخاصا رسموا كهنة مجاملة لاحد الاراخنة الكبار مجاملة لاحد الاغنياء بل ووصل الامر الى رصد واقعة خطيرة تم توثيقها لدينا وهى قيام أحد الاساقفة بالصعيد بمنع قبول رسامات خريجى الإكليريكية وأبناء الكهنة جميعا!!
لأن رسامة غير المؤهلين علميا وأكاديميا ولاهوتيا وعقيديا سيؤدى الى مشكلات خطيرة تؤثر على العقيدة والرعية ويجب وعلى الفور وضع قانون صارم لرسامة الكهنة بحيث يشترط أن يكون الكاهن مؤهلات علميا وأكاديميا وأن يكون حسن السير والسلوك والشخص الذى ستتم رسامته يحظى بموافقة أغلبية الشعب وأنه لا يأتى الاسقف بشخص على غير رغبة الرعية وأن يجتاز الشخص المرشح للكهنوت اختبارات نفسية تؤكد سلامة صحته النفسية وأن يحصل على دورات قبل الرسامة فى التوعية السياسية حيث لا يتكلم فى أمور لا يدرك ابعادها وخطورتها على الكنيسة والشعب وأن تتم معرفة الذمة المالية ايضا للمرشح للكهنوت وفى حالة رسامة شخص سواء من غير دارسى الكليات اللاهوتية أو من أبناء الكهنة فلابد أن يكون الشعب موافقا على تزكيته بالاغلبية، فالشعب هو المركز والبطريرك كما فى الرسالة للعبرانيين يقام لاجل الشعب وليس الشعب الذى يقام لاجل البطريرك.