الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

متعة المخاطرة فى عالم السيرك




تحقيق - عمر حسن

عندما تتحول الموهبة لمهنة تستخدم لكسب الرزق يصبح من الصعب التخلى عنها خاصة إن كانت تجمع بين المتعة والضرورة المعيشية.
كل منا يختار وظيفته لكن أحيانا تضع الظروف البعض فى خانة يصعب فيها الاختيار فيكتب لهم القدر وظيفة، هى الاخطر من نوعها فيقبلونها ويحبونها راضين بها تمام الرضا.
فإن تصبح لاعب سيرك تغامر بحياتك يوميا لإسعاد الآخرين مقابل أجر ليس بالكثير، فهى مخاطرة اختار أصحابها أن يعيشوها مدى الحياة واجدين فى ذلك كل المتعة وغير مفكرين فى البحث عن مهنة أخرى.
السيرك فقرات وكل فقرة حكاية وكل حكاية وراءها بطل كرس حياته فى ممارسة شىء يحبه ونشأ عليه منذ الصغر وسط عائلة كبيرة يمارس جميع أعضائها نفس المهنة.
الكابتن «مدحت كوتة» مدرب الاسود والنجل الوحيد لرائدة ترويض الاسود الراحلة «محاسن الحلو» يروى تفاصيل رحلته الطويلة فى هذه المهنة التى كادت تقضى على حياته قبل بضعة شهور فى حادثة هى الاشهر حينما هاجمته مجموعة من الاسود أثناء العرض وأحدثت به اصابات بالغة الخطورة، ولكنه شفى وقرر العودة وكأن شيئا لم يكن.
لم يقرر كوتة أن يكون مروضا لأشرس الحيوانات على الأرض من تلقاء ذاته، بل بالفعل وجد نفسه مدربا للاسود بحكم نشأته فى أسرة الحلو، والتى اشتهرت بترويض الحيوانات المفترسة على مر زمن طويل،وذاع صيتها فى عروض السيرك العربية والأوروبية لتصبح هى الاسرة الوحيدة الراعية لذلك النشاط فى مصر.
أحب كوتة المهنة كما أحبها آباؤه، وبالمثل أحبها أبناؤه وأصبحوا ايضا مروضين للاسود، وحصلوا على شهادات الماجيستير فى ترويض الحيوانات المفترسة.
يفتخر الكابتن مدحت بابنه لفوزه بلقب افضل مدرب للأسود بموسكو هذا العام وابنته المحكمة الدولية فى مجال ترويض الاسود والمدربة ايضا كأبيها قائلا: «المستقبل بره افضل من هنا».
بدأ رحلته المهنية عند تقديمه لأول عرض بمفرده فى سن العشرين وسط حالة من الرهبة فى مواجهة الجمهور لاول مرة، وأشار إلى أن رهبة الجمهور لاتزال ترافقه حتى هذا السن رغم كونه أصبح محترفا قائلا: «الجمهور لازم يتعمله حساب» خاصة أنه يتعامل مع حيوانات لها طبيعة مزاجية خاصة جدا تتغير باستمرار من حين لآخر وكل أسد له طبيعة خاصة فتجد الهادئ والعصبى والمجنون والعدوانى فالتعامل معهم أمام جمهور مسئولية كبيرة تحتم على الحرص.
سافر العديد من الدول حول العالم لتقديم عروض الاسود وأشاد بالسيرك الأوروبى وخاصة السيرك الروسى الذى تمنى ان يحاكيه السيرك المصرى خاصة أن الخبرات متواجدة ولا ينقصنا سوى التمويل المناسب.
وعن الحادثة التى تعرض لها منذ بضعة أشهر، يرفض كوتة أن يتذكرها تماما ويجد انها تؤثر نفسيا عليه بشكل كبير كلما استعاد تفاصيلها فيقول: «أنا شوفت الموت بعينيا واتشاهدت وسلمت أمرى لله»، أما تفاصيل الحادث فتدور حول مشاجرة نشبت بين أسد أفريقى وأسد روسى بسبب الغيرة تدخل على اثرها الكابتن مدحت لفض الاشتباك، إلا أن الاسد الافريقى هجم عليه بسبب خوفه، ونتيجة فقدان «كوتة» توازنه ووقوعه بدأ الاسد يشعر انه فى موقف ضعف ويهاجمه بشراسة، وبدأت باقى الاسود بالهجوم عليه، الا أن الكابتن عصام الحلو خال الكابتن كوتة تدخل على الفور بإطلاق عدة أعيرة نارية فى الهواء ودخل القفص وبمجرد رؤية الاسود له فى موقع قوة هرعوا إلى الداخل بشكل هستيرى، ونقل «كوتة» الى مستشفى العجوزة.
وأضاف أنه تلقى عدداً كبيراً من الاتصالات من قبل الاقارب والمحبين وانه يشعر حينها بمدى حب الناس له فهون عليه ذلك قسوة الحادث ومع ذلك يرى أن معاشرة الاسود أفضل من معاشرة البشر فالاسد صريح وفق تعبيره أى أنه من المعروف انه حيوان مفترس للجميع فبناء عليه نتعامل معه وفق ذلك، أما الانسان فيقتل ويغدر ويتظاهر بالمودة قائلا: الحيوان غدار أه بس بتتعامل معاه على عيبه، اما دلوقتى أصحاب الديانة الواحدة ممكن يقتلوا بعض والاسم إنسان».
وعن علاقته بالأسود فهو يعتبرهم ابناءه ويحبهم كثيرا ويتفاعل معهم خارج صالة العرض، فالمنزل ملىء بالاسود والتعامل معهم شىء عادى ومألوف بالنسبة اليه، كما يتركهم ايضا لممارسة حياتهم داخل مساكنهم، ويكافأهم بتناول قطع اللحم ليشعرهم بأنهم قد حققوا انجازا.
يعتز كثيرا بمحبة الناس له ويستشعر سعادة غامرة داخل صالة العرض عندما يرى المتعة فى وجوه الحضور ويعتبرها الكنز الحقيقى له، رغم سوء التقدير المادى إلا أنه يعترف بفضل السيرك القومى عليه ويجد فيه المدرسة الأم التى تخرج منها باقى السيركات فى مصر.
يستنكر كوتة على الدولة اهمالها المادى لفنانى السيرك بشكل عام قائلا: «راتبى لا يتجاوز ألف وأربعمائة جنيه ويعتبر أعلى راتب فى السيرك» ويستقل المخصصات المادية للاسد شهريا وهى خمسة عشر ألف جنيه للاسد الواحد شاملة التغذية والاشراف الطبى والعلاج وصيانة الاجهزة وتهيئة مكان المعيشة من قش وأقفاص حديدية، مضيفا أن تكاليف رعاية الاسد الواحد تتكلف أكثر من ذلك ومطالبا معاملته ماديا مثل أسد حديقة الحيوان الذى يصرف عليه أكثر من ذلك، رغم أن الاسود التابعة للسيرك تعتبر من أرقى السلالات والتى أضيف لها مؤخرا الاسد الابيض من جنوب شرق آسيا ويعتبر ذلك الاسد من سلالة نادرة فضلا عن شكله الجذاب وطبيعته الشرسة.
وأضاف أنه ربما يعمل بالسيركات الخاصة مثله مثل باقى لاعبي السيرك شرط التأمين الكافى والحفاظ على اسمه وصيته، ولكنه يفضل اكثر العمل داخل السيرك القومى الذى نشأ فيه.
وأشار إلى أنه يتم التأمين عليه من جانب الدولة ولكنه بمبلغ ليس كافيا لمدى الخطورة التى يتعرض لها ولكنه لا يعبأ بذلك بقدر حبه لمهنته وانه سيظل يقدم هذه العروض ومازال يوجد العطاء لديه وسيجتهد فى تقديم كل جديد فقط لإسعاد الجمهور، واختتم قائلا: العمر بيد الله وحده وأنا فخور بمهنتى».
يقدم السيرك أيضا العديد من الفقرات التى تتفاوت خطورتها مثل الاكروبات والمشى على السلك المتحرك، والسلم الهوائى والميزان الطائر وغيره من الفقرات ومن ضمنها فقرة الحربة الصينية وأدوات المطبخ التى يقدمها الفنان محمد نوبى والذى يتولى ايضا مدير شعبة الجيزة.
الفنان محمد النوبى لاعب بالسيرك القومى ويقدم فقرة تسمى الحربة الصينية وهى فقرة مستحدثة تعتمد على فن السرعة والتحكم.
يروى النوبى تفاصيل التحاقه بالسيرك القومى سنة 1971 عن طريق خالته التى كانت تعمل مدربة بالسيرك القومى ثم رشح بعد ذلك لبعثة سنة 1973 وحصل على بكالوريوس فنون السيرك من جمهورية الصين، كما اشترك فى العديد من المهرجانات حول العالم فى كثير من الدول مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا وأمريكا وكندا وغيرها.
يجد النوبى أن المهن داخل السيرك موروثة بشكل كبير، فهى عبارة عن عائلات كل منها ترعى نشاطا معينا منذ فترة وتعمل على توريث هذه المهنة عبر الاجيال فعلى سبيل المثال تعمل أخته بالمهنة ذاتها وكذلك عمومته وأبناء عمومته، فهى عبارة عن سلسلة تورث عبر الاجيال.
وترجع الاستعانة بكثرة للعنصر النسائى فى عروض السيرك بسبب ليونة الجسد التى تتميز به الفتاة عن الشاب فقد حباها الله قدرة فائقة على اكتساب الليونة أكثر من الرجل لذلك يتم الاستعانة بهن بشكل أكثر من الرجال فى العروض من التوازن والاكروبات.
يستكمل قائلا: «أكسبتنى طبيعة عملى داخل السيرك جرأة وقوة فى التركيز تختلف عن أى شخص آخر»، أما عن الرابطة التى تضمهم فلا يوجد سوى نقابة المهن التمثيلية، ولا توجد لديهم نقابة مستقلة، ويعتبر النوبى مهنة لاعب السيرك مهنة غير مربحة وبالرغم من ذلك يعمل بها لحبه الشديد لهذه المهنة الذى ولد فوجد نفسه أحد أعضاء أسرة ممارسة لهذه المهنة فسار على دربهم وأحبها مثلهم وتعلق بها فهو لم يتخيل نفسه يوما فى مهنة أخرى كالطبيب أو المهندس وقال إنه إذا كان لابد له منذ طفولته اختيار مهنة فسوف يختار هذه المهنة أيضا لحبه الشديد لها.
ويطلب من الدولة أن تهتم قليلا بالسيرك باعتباره سيرك وحيد فى الشرق الاوسط، كما يرجو ايضا تحسين وضعه المادى فهو موظف على درجة مدير عام ومع ذلك يتقاضى ستمائة جنيه فقط فى الشهر ولديه أربعة أبناء من بينهم ابن يمارس المهنة ذاتها.
كما أوضح أن لاعب السيرك يتدرب ثلاث سنوات بمعدل ثمانى ساعات يوميا ليقدم فقرة مدتها خمس دقائق، فهم قلة نادرة ينبغى الاهتمام بهم بشكل افضل ورعايتهم ماديا ومعنويا، واختتم قائلا: «أعشق السيرك ولن أتركه حتى الموت».
أيضا 52 عاما هى المدة التى قضتها لويزا حكيم فى السيرك القومى تقدم فقراتها الخطرة والتى انتهت بالرقص مع الثعابين، تخرجت فى الكلية الايطالية «ليوناردو دافنشى» قسم رسم وحصلت على دبلوم معهد الموسيقى العربية.
بدأت رحلتها مع السيرك عندما أمر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بإنشاء السيرك القومى فالتحقت به وتلقت التدريب على يد خبراء روس فى «الترابيز» و«العقلة» و«البامبوك المعلق».
تألقت بعد ذلك فى عروض السيرك وبدأت فى تقديم عدة فقرات مثل «العقلة» مع رقصة فرعونى و«الملكة كليوباترا» كما قدت رقصة «البامبوك مع شهرزاد» و«الجلاد» وعرضت للعديد من الحوادث ولكنها وقفت على قدميها وعادت من جديد لتقديم فنها المختلف للجمهور.
بعد أن تقدمت بها السن اصبح من الصعب الاستمرار فى تقديم مثل هذه الفقرات فاتجهت الى الرقص مع الثعابين منذ عشرين عاما وحتى الآن.
وعن الفقرة التى تقدمها ترقص الفنانة لويزا يوميا فى السيرك القومى برفقة ثلاث ثعابين: «ثعبان أبيض وثعبان أمريكى والأصلة الهندي» والاخير يعتبر الاغلى ثمنا بينها ويبلغ طوله نحو عشرة امتار وسمكه عشرين سم.
تعرضت لعضات عديدة من جانب الثعابين فى يديها وتعتبر فقرتها من أخطر الفقرات داخل السيرك فالثعبان عندما يعض يعصر ثم يلتف حول الجسد ليكسر العظام ولا يتركه حتى يتأكد من توقف النبض ثم يبدأ فى بلعه مما يجعلها من أخطر الفقرات داخل عروض السيرك فى مصر بالاضافة الى فقرة الترابيز وفقرة الحيوانات المفترسة.
تصمم على تقديم فقرتها للجمهور رغم تخطيها سن المعاش ورغم سوء التقدير المادى التى تتعرض له لكنها تعتز جدا بحب الجمهور لها وتبذل ما فى وسعها لاسعاده وتتحامل على صحتها فى حمل الثعابين رغم أنها تعانى من مشاكل صحية بالظهر. تتمنى الفنانة لويزا من وزارة الثقافة ان تولى الرعاية الكافية للسيرك القومى فى مصر فهو أعرق سيرك فى الشرق الأوسط
ويقول الكابتن عادل رضا مدير عام السيرك القومى إن السيرك فن مختلف تماما عن باقى الفنون كالمسرح أو السينما فهو له مذاق خاص يتسم بالإثارة والمتعة فالسيرك حياة مليئة بالمغامرات يعيشها لاعب السيرك وينقلها بجميع تفاصيلها للجمهور يوميا فى عروضه الفنية، فهو يقدم عروضا خطرة جدا تعرض حياته للخطر ونحن بطبيعتنا شعب يحب الاثارة والتشويق فيأتى الجمهور إلينا من خلال هذا المنطق رغبة فى التجديد ورؤية شىء مختلف وممتع وبتكلفة مناسبة ايضا فالاسعار تتراوح ما بين عشرين وخمسين جنيها تقريبا.
وأوضح أيضا أوجه التعاون بين السيرك القومى المصرى والسيركات الاوروبية حول العالم حيث يتم تبادل الخبرات حيث  يرى رضا ان اقبال الجماهير على السيرك يعتبر اقبالا مرضيا جدا خاصة وأنه سلعة تتماشى مع جميع الاعمار ويناسب العائلة المصرية، ودل على ذلك بتحقيق السيرك ايرادات قاربت المليون وثلاثمائة ألف جنيه خلال موسم العرض الصيفى المتمثل فى شهرى يوليو وأغسطس بالاضافة الى تحقيقه مبلغ ثلاثمائة وأربعين الف جنيه إيرادات خلال أيام العيد الماضى.
ويشكر الكابتن رضا الاهتمام من جانب الاعلام بأخبار السيرك ويعتبرها إحدى الادوات التى ساهمت بشكل كبير فى الترويج لعروض السيرك، ويتمنى من وزارة الثقافة أن تولى اهتماما اكثر للعاملين حتى يدفعهم ذلك لبذل عطاء أكبر يعود بالنفع
على الجمهور.