الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

مفيدة عبد الرحمن أول عربية ترتدى «الروب الأسود»




لقرابة الستين عاما امتدت مسيرة مفيدة عبدالرحمن أول مصرية وعربية مارست المحاماة، وترافعت فى أكثر من ٤٠٠ قضية مهمة شغل بعضها الرأى العام لسنوات طويلة، فكان طبيعيا أن تحتل مكانتها كأبرز رموز الحركة النسائية المصرية، وإن لم تحظ بشهرة هدى شعراوى، التى زاملتها فى «الاتحاد النسائى».
مولد «مفيدة» كان فى التاسع عشر من يناير عام ١٩١٤ بحى الدرب الأحمر، وكان أبوها عبدالرحمن محمد موهوباً بجمال الخط، فكتب المصحف بيده نحو تسع عشرة مرة، ثم أنشأ مطبعة خصيصا لطبع المصحف الذى نشر فيه ملايين النسخ، وكان منفتحا، وعلم أبناءه الخمسة تعليما راقيا، أما زوجها الكاتب الإسلامى محمد عبداللطيف «ابن الخطيب»، فقد عكف على تفسير القرآن وله العديد من الكتب والأبحاث.
أما عن سيرتها التعليمية فقد التحقت «مومة»، كما كان يدللها أبوها، برياض الأطفال، ثم المدرسة الابتدائية فالثانوية، وحصلت على البكالوريا «الثانوية العامة» من المدرسة السنية بحى السيدة زينب عام ١٩٣٤.
وصرفها زواجها المبكر عام ١٩٣٣ عن دراسة الطب الذى ولعت به كشقيقتها الكبرى الدكتورة «توحيدة»، التى أرسلها أبوها إلى إنجلترا لدراسة الطب فى العشرينيات، وقنعت «مفيدة» بدراسة القانون بجامعة فؤاد الأول «جامعة القاهرة»، حيث التحقت بها عام ١٩٣٥ وتخرجت عام ١٩٣٩.
ولما كان دخول الجامعة محظورا على المرأة المتزوجة آنذاك، فقد تشفع لها الدكتور محمد كامل مرسى باشا وعبدالرازق السنهورى باشا، لتكون بذلك أول أم وزوجة تدخل الجامعة. ولجأت إلى محمد على علوبة باشا، التماسا لوظيفة حكومية راتبها ٧ جنيهات، وقد شجعها وأعانها على ممارسة المحاماة، ودفعت عنها هدى شعراوى جنيهاً قيمة اشتراك عضوية الاتحاد النسائى المصرى، فانخرطت فى العمل العام، ومثلت دائرة الأزبكية والظاهر فى البرلمان لدورات عديدة، وشغلت رئاسة جمعية نساء الإسلام منذ ١٩٦٠ حتى رحيلها.
أنشأت مفيدة عبدالرحمن العديد من «مكاتب توجيه الأسرة» التى عنيت بالتصدى لمشاكل الأسرة، فضلاً عن «بيوت الطالبات» التى آوت مئات المغتربات من خارج القاهرة، وشغلت عضوية مجلس نقابة المحامين، ودربت العشرات منهم، ثم تقاعدت عندما بلغت الثمانين، ورحلت عن عالمنا، صباح ٣ سبتمبر ٢٠٠٢ عن «٨٨ عاما».
اشتغلت مفيدة عبدالرحمن بالمحاماة، وتألق اسمها وذاع صيتها، فكانت أول محامية تقيد أمام محكمة النقض وأول سيدة تنضم إلى لجان تعديل القوانين، وأول محامية فى العالم العربى تترافع أمام المحاكم العسكرية، فلا غرو أن تصبح رئيسة الاتحاد الدولى للمحاميات والقانونيات بالقاهرة، وأن تصير بلا منازع رائدة المحاميات العربيات، وأن تقوم بجولات فى أوروبا بدعوة من هيئة الأمم المتحدة لدراسة نظم الأسرة والطفولة.
كانت مفيدة عبدالرحمن سيدة فوق العادة فقد استطاعت وهى أم لتسعة أبناء «سبعة ذكور وابنتان»، أن تمارس المحاماة بنبوغ وتميز، علاوة على دورها فى الحياة السياسية، كعضو بمجلس الشعب من عام ١٩٦٠ حتى عام ١٩٧٦، رافعة شعارها الرائع: «أنا مع تحرير المرأة وضد تحررها».