الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

البيان الهام




كتب : د.حسام عطا

«وضح لجميع المواطنين، خلال العامين الماضيين، أن الثورة قد هادنت المسئولين عن الفساد الذى حل بالبلاد فى العهود الماضية وأعطتهم الفرصة، تلو الفرصة ليطهروا نفوسهم من المطامع والشهوات حتى يتجه الجميع نحو بناء نهضة الأمة وسمعتها وكيانها بعد أن أوشكت على الانهيار.
ولكن للأسف الشديد ظهر للشعب فى جلاء ووضوح كيف تكتلت صفوف المفسدين والرجعيين والمستغلين وكيف جاهروا بآرائهم فى الانتصارات التى حققتها الثورة للشعب توطئة لإلغائها والقضاء عليها إذا عاد الحال إلى ما كان عليه قبل الثورة، وتحققت آمال اعداء الشعب فى العودة إلى الحكم، ولا شك أن الوسط الصحفى ضم عناصر شاركت فى فساد العهود الماضية وساهمت فى الدفاع عن أخطاء جسيمة فى حق الوطن والشعب واحترفت تضليل الرأى العام والعبث بعقول الجماهير فى سبيل المآرب الشخصية والحزبية، التى باعدت بين الأمة وبين أهدافها وصرفتها عنها، وعن الكفاح فى سبيلها».
ما سبق كان نص بيان مجلس قيادة ثورة 1952 نشرته الصحف بتاريخ 16 إبريل 1954، وكان تدخلاً حاداً من الدولة أعقبه حل مجلس نقابة الصحفيين، ووضعت الدولة يدها على كل منافذ صناعة الرأى العام، وكانت إحدى العلامات الواضحة لبدء الدولة الشمولية الراعية للمواطنين، ولكنها على الصعيد الاقتصادى والاجتماعى سمحت بحراك مجتمعى حقيقى عبر التعليم العام الجيد المجانى وعبر عدالة اجتماعية على المستوى الاقتصادى حققت العيش الكريم للفقراء، ودعمت الطبقة المتوسطة المصرية.
وما أشبه الليلة بالبارحة، حيث صدر بتاريخ 15 أكتوبر الجارى قرار من مجلس الوزراء طال انتظاره بتكوين المجلس الوطنى للإعلام لرعاية شئون المهنة.
هذه المرة لم يعد الأمر قاصراً على الصحافة، فالوسائل الإعلامية الرقمية لا حصر لها.
بالتأكيد تختلف الظروف الموضوعية تماماً الآن، فمصر تحرص على الاقتصاد الحر ولا تسعى لتأميم وسائل التعبير، وإن كان الرئيس المنتخب عبدالفتاح السيسى قد أشار خمس إشارات فى خطابات متعددة له إلى ضرورة ضبط الأداء الإعلامى، ولكن سلوك السلطة التنفيذية هذه المرة سلوك يستند إلى الدستور ويستمد منه الشرعية ويؤسس لفهم معاصر للإعلام يحاول أن يباعد بينه وبين سيطرة الدولة لأننا نسعى لدولة ديمقراطية حديثة، وهى دولة - كما أراد الدستور المصرى - لا تملك وزارة للإعلام شأنها شأن معظم الديمقراطيات المستقرة، وفى هذا الإطار ومصر تطلق حرية الإعلام الخاص يجب أن تحكم قبضتها بالتطوير والدعم الكامل للهيئة المصرية العامة للاستعلامات لتخاطب عبرها الرأى العام الداخلى والخارجى من خلال قناة رسمية واضحة، حتى تترك لوسائل الإعلام الأخرى حرية العمل والقيام بالأدوار الرئيسية للإعلام، ومن أهمها فى تقديرى الاهتمام بالرأى العام، واستعادة الذوق العام الحضارى وترتيب سلم القيم المجتمعى، وصناعة الأمل فى المستقبل، وحمل محتوى ثقافى عميق بسيط جذاب محترف.
ولذلك فالدور المنتظر الآن من المجلس الموقر ليس فقط ضبط المهنية الإعلامية ولكن ومع ضبطها الاصرار على الحرية وترسيخ مبدأ حوار الأفكار والمصالح والمعتقدات السياسية والمجتمعية المختلفة، ودعوة المسئولين للرد على ما يتم نشره من مشكلات وإيضاح حقائق ما قد يظهر من اتهامات لرفع الالتباس.
أما صمت مواقع المسئولية امام ما يكتب وينشر من مشكلات وإتهامات وشائعات وقصور فى الأداء فهى الطريقة التى تصنع القلق لدى الرأى العام، وعبر آلاف الشاشات يصنع الإعلام الآن الذوق الفنى العام وعليه فى هذا الأمر مسئولية واضحة لإعادة تقديم نماذج القدوة والاحتذاء، ولمقاومة اليأس.
إن مصر وهى تخرج من اكتئاب عام طويل وتصحو لتحاول التدريب السليم على أفعال الحرية يجب أن نسعى جميعنا ككتاب وفنانين ومسئولين تنفيذيين وحكوميين ومعارضين وناشطين فى المجتمع المدنى نحو احترام الرأى العام والتعبير عنه بصدق، وصناعته وتغييره حتى لا نعود لأيام كان بمصر رأى عام معلن وآخر مسكوت عنه مما سبب الفصام السياسى والثقافى والاجتماعى، والسعى لوجود رأى عام حيوى قوى صادق ضرورة لمصر الحديثة الديمقراطية القادمة، وشرط حدوث ذلك الحرية وتعيين المواقع الصريح والدقيق بين ما هو إعلام حر، وإعلام الدولة المقيد الرسمى وبيته التاريخى الهيئة العامة للاستعلامات، لأن بقاء ما هو رسمى قوياً واضحاً يتيح لما هو غير رسمى أن يلعب أدوار المحاسبة والمراقبة المهنية للمجتمع وللدولة معاً.
وهو الأمر الذى سيحقق المصداقية للإعلام الحر المستقل ولدوائر الإعلام الرسمية معاً، وذلك عبر وجود سياسات تحريرية واضحة لكل وسيلة من وسائل الإعلام.
المهنية إذن هى مهر الحرية الكاملة، والحرية هى شرط الدولة الحديثة، وهى دولة تدخل فى حوار حقيقى مع الرأى العام تسمعه جيداً ويسمعها بدوره، يغير من سلوكها وتغير هى منه، ولذلك فالبحث عن آليات حقيقية لضمان المهنية والحرية معاً هو السبيل الصعب لضبط المنظومة الإعلامية وتطويرها وتمكينها من دورها الحقيقى فى صنع مصر المستقبل.