الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تماحيك «الثورتين»!!




كتب : وليد طوغان

متدينون نحن شكليون. منذ نهاية سبيعنيات القرن الماضى،  لم  نعد نعرف من الاسلام إلا الجلابيب البيضاء، وإطلاق اللحى.. وأدعية دخول الخلاء، والخروج منه، كثير من أحوال الحيض.. وأحكام الاستحاضة.. فكانت الكوارث.
ظهر التغيير على الشارع المصرى بشدة بداية الثمانينيات.  أتقنا إغلاق الشوارع بالحصير الأخضر، وتكدست الميادين بمصلى التراويح، بينما تكدست المحاكم فى الوقت نفسه بدعاوى ومنازعات أكل الحقوق وأموال اليتامى، والجور على الأرامل والمطلقات.
من لم تنههِ صلاته فلا صلاة له، لكن المصريين يصلون ويصومون.. ثم يأكلون الحقوق، ويقذفون المحصنات.. أيضًا.
ازدواجية معروفة.. وعادة لم تنقطع. فى روايات «نجيب محفوظ» انزعج  «السيد أحمد عبد الجواد» ملك الهلس والليل والرقص مع العوالم، من رغبة أحدهم فى خطبة واحدة من بناته بالاسم. استغرب أين شاهد العريس ابنته. قلب الدنيا لان البنت طلت من الشباك!!
نحن ايضا كذلك. مزدوجو  الرؤية.. والتفكير.
ارتفعت نسبة الحجاب فى الشارع 50% على الأقل مقارنة بما قبل 30 عامًا، فى الوقت نفسه  لم تنخفض نسبة التقاضى أمام المحاكم، ولا تناسب رقم نزاعات الأحوال الشخصية فى زنانيرى بالانخفاض، مقارنة بما بدا تدينًا فى الشارع.
لماذا التناقض؟
لأننا  ادمنا الميل الى  الطقس أكثر من المضمون، الاحتفال باللفظ أكثر من المعنى عادة مصرية..  ففى حلقات الذكر مثلًا، غالبًا ما تتصاعد الأصوات بالتراتيل حبًا فى النبى، وجمال النبى، وكمال النبى.. بينما تندر قراءة القرآن فى خيم المتصوفة.. ولا تسمعهم يتجاذبون الحديث فى تفسيرات كلام الله!
ملكنا سمات الدين؛ لكننا لم نملك الدين. فلو كانت زيادة نسبة المحجبات، وحرص الشباب على تراويح الشهر الكريم ـ مؤشرًا على زيادة النزعة الدينية فى الشارع؛ فإن وجه العملة الآخر كان يجب أن يقابله استقرار اجتماعى من نوعٍ ما؛ فتنحسر نزاعات الجيرة، وتختفى مشاحنات الطريق، وتتداول حقوق العشرة؛ فتصبح الأموال والأعراض والأنفس مصونة بإلزام المجتمع المتدين.. لا جبرًا بقوة القضاء.
لم يحدث هذا.
أما الذى حدث، أن  زادت أعداد المتهجدين فى العشر الأواخر من رمضان، بينما زادت فى الوقت نفسه جرائم القتل والسرقة وقطع الطريق، وتضخمت صفحات الحوادث بقصص «زنى المحارم»، وقتل بعضنا بعضًا داخل المساجد.. خلال صلاة الجماعة!
قبل وفاته  همس لى عالم الاجتماع الفذ «د. أحمد المجدوب» ـ أن خبرة 70 عامًا أتاحت له استخلاص نتيجة مؤكدة:  «المصريون عندهم برد»، أصابتهم أعراض الإنفلونزا، تكسير فى الجسم.. احمرار فى العين، اضطراب فى الرؤية.. واضطراب فى السلوك، وفى محتوى التفكير.. أيضًا.
للشعوب «إنفلونزا» مثل «إنفلونزا البنى آدم»، وللأزمات الاجتماعية أعراضها. أعراض إنفلونزا المصريين ظهرت فى وقوف الموظف دقائق بين يدى الله فى صلاة قصيرة، قبل عودته لمواربة درج المكتب للإكراميات والرشاوى.
المجتمع الوحيد الذى أضاف أسماء حركية لـ«الرشوة»؛ فسميناها «إكرامية».. وسميناها «تفتيح مخ».. قلنا عليها مرة «مفهومية»، ومرة «ميه».. من يجرى الماء جريانًا، قبل أن نسميها «شاى».
الوحيدون الذين سموا الرشوة «شاى» هم نحن.. لذلك، عادة ما يتلذذ موظفو الحكومة «المؤمنون» باحتساء الشاى بعد كل صلاة؛ فكانت غريبة قصة مجتمع مؤمن.. بيموت فى الشاي!
يصلى الموظف ظهرا.. ويقبل الإكراميات عصرا.. ثم يقف آخر النهار معتصما  مطالبا بزيادة أجره.. إصلاحا لمجتمع قام بثورتين!
ينصلح الحال لما نبطل تماحيك فى الثورتين.