الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«روزاليوسف».. سيدة الصحافة والوطنية!




وطنية السيدة «روزاليوسف» وجدعنتها لم تكن بالكلام والشعارات والهتاف الأجوف الذى يتفنن البعض فى ترديده هذه الأيام!
ولن أحكى أو أكتب عن وطنيتها وبطولاتها فى تأسيس مجلتها سنة 1952 أو تحديها للطغاة والاستبداد، مهما كلفها من مصادرات وتعطيل وإغلاق مجلتها لفترات متباينة.
لكنى أتوقف بالإعجاب والتقدير أمام موقف آخر لها لم ينتبه له أحد، خاصة من أصحاب الشعارات الثورية والهمبكة النضالية!
الموقف حدث عام 1934، وكان قد مضى تسع سنوات على اعتزالها التمثيل وعالم المسرح وانشغلت تماما بمجلتها «روزاليوسف» ومعاركها الوطنية العظيمة.
فى ذلك العام حدث حريق مروع التهم قرية «محلة زياد» عن آخرها، وساد مصر كلها حالة رهيبة من الحزن على ما جرى، وتسابق الناس الفقراء قبل الأغنياء إلى التبرع للمساهمة فى إعادة بناء القرية.
ودعا «مصطفى النحاس باشا» زعيم الوفد وكان فى المعارضة وقتها كل أنصاره ومؤيديه إلى التبرع، وكان على رأس هؤلاء السيدة «روزاليوسف» وكانت حتى ذلك الوقت وفدية الهوى والمبادئ لا الأشخاص!
وقررت «روزاليوسف» بعد تسع سنوات من الاعتزال أن تعود إلى خشبة المسرح وتقدم مسرحيتها الشهيرة «غادة الكاميليا» على مدى ليلتين يخصص دخلهما بالكامل لمساعدة أهالى القرية المنكوبة، وقام الفنان الكبير «زكى طليمات» بإخراج المسرحية، واشترك فى التمثيل كل الممثلين والممثلات القدامى من زملاء «روزاليوسف» بدون أى مقابل.
وعلى مدى أيام بدأ التدريب على المسرحية وكانت «روزاليوسف» وكان شاهدا على ذلك الكاتب والمؤرخ السينمائى الأستاذ «أحمد كامل مرسى» الذى يقول: كانت أكثر المشتركين مواظبة واقتدارا، وقد لاحظ الجميع ممن اشترك معها من الممثلين والممثلات أنها كانت توجه بعض الملاحظات والتعليمات فى بعض الأحيان برقة وأناة فى أثناء عمل البروفات وتذكرهم بكذا وكذا بناء على ما وعته ذاكرتها من تعليمات وملاحظات أستاذها وأستاذ الجيل كله «عزيز عيد» الذى حملت له كل إجلال واحترام وتقدير وإعزاز طوال حياتها الفنية والصحافية ولم تقصر لحظة واحدة فى تعديد مآثره وعلمه الغزير وفضله العظيم على المسرح المصرى.
 وفى الليلة الموعودة ارتفع الستار وظهرت فنانة المسرح الموهوبة فى دورها القديم الذى أجادته وأبدعت فيه إبداعا كبيرا منذ تسع سنوات مضت، وجاءت أفواج من الناس بين متفرج ومعجب وشامت!
ونجحت نجاحا منقطع النظير وتحدث كبار الأدباء ورجال الدولة وأهل الفن عن «روزاليوسف» وعن أمجادها الماضية فى عالم المسرح والتمثيل وأعلنوا أسفهم الشديد لاحتجابها عن هذا الفن العريق، وصرحوا بأن الصحافة قد سلبت من المسرح درته الموهوبة ذات البريق والجاذبية ذات الصوت الخفيض، لكنه ينفذ إلى القلوب.
والطريف كما تقول «روزاليوسف» فيما بعد: «وحضر مصطفى النحاس ومكرم عبيد والنقراشى وغيرهم من زعماء الوفد الحفلة الأولى، فخرج النحاس متحمسا جدا يناقش إخوانه فى طريقة تحول هذه المجموعة إلى فرقة دائمة».
لقد نجحت «الصحفية» فى دور الممثلة، كما سبق أن نجحت الممثلة فى دور الصحفية، وبين تصفيق الجمهور وزملائها من كبار الصحفيين وأصحاب الصحف وقتها تركت «روزاليوسف» خشبة المسرح لتتصدر خشبة السياسة!
أروى هذه الحكاية وفى ذهنى أهل الفن الذين أحبوا الوطن بالكلام، وعمروا سيناء بالكلام، وحاربوا الإرهاب بالطبطبة والدعوة للمصالحة.
الوطنية أفعال لا أقوال، ومصر شبعت كلامًا منا جميعا!
وكما كانت «روزاليوسف» سيدة المسرح ثم سيدة الصحافة، فقد كانت أيضا - ومن خلال عشرات المواقف - سيدة الوطنية!