الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«النخبوى» يتحدث إليكم




بدأ «النخبوى» العتيد حديثه فى اللقاء التليفزيونى بكلمة «فى الواقع».. وصمت لحظة.. ثم أعقبها بكلمة «فى الحقيقة».. ثم صمت لحظة.. ثم شرع فى التأكيد أنه الأصدق والأشرف والأكثر نبلاً وشجاعة وعمقاً وغوراً من كل «النخبويين».. لا يناور ولا يخادع ولا يتلون ولا يبغى سوى وجه الحقيقة.. ويستشهد بقول مأثور للشيخ الإمام «محمد عبده» هو: من عرف الحق عز عليه أن يراه مهضوماً..
ثم صاح فى انفعال وحرارة: «لابد من التسامح مع الإخوان.. التسامح فضيلة.. والمصالحة واجبة.. الثورة لا يليق بها أن تنتقم وتتشفى.. لا يجب أن تستبعد أحداً.. ولا تقصى تياراً ولا تخاصم فصيلاً سياسياً له دوره وتأثيره وتاريخه الهام فى الحركة الوطنية.
إذا كانوا قد خدعونا جميعاً حينما وظفوا الدين لبناء دولة فاشية تروج للعنف والإستبداد فى مواجهة المصريين «الاعداء» فلا يجب أن نستجيب لجهل أدعياء الوطنية والإنتماء الذين يريدون استدعاء الدولة البوليسية للبطش بالإخوان بدعوى أنهم ليسوا «مصريين» وليسوا «وطنيين» وجاءوا لغزو «مصر» وتحقيق دولة الخلافة وتطبيق الشريعة بناء على وثيقة «خيرت الشاطر»..
إنى حينما أتكلم عن «المصالحة» إنما أربطها بضوابط من آليات السلمية والدمج والاستيعاب وقبول الآخر.. صحيح أن الآخر ليس «أنا».. لكن فى الوقت نفسه لا ينبغى علينا أن نكون كالفلاسفة الملحدين الذين يرفعون شعار «إن الجحيم هو الآخرون».. لا يجب علينا إذاً أن نكون «طيور ظلام المرحلة» على حد تعبير زميل نخبوى جهبذ.. حيث نسهم كمثقفين ومفكرين بإسهامات رائعة فى الدفاع عن مبادئ الحرية والديمقراطية.. بينما نتورط فى مواقف تتناقض مع هذه المبادئ.. بل نمارس شوفينية الطرد والاستبعاد باتجاه آخرين سيطلون معنا فى الوطن.. ولو اختلفنا معهم «الإخوان واليمين الدينى».. ما همه كمان بيتقتلوا.. مجرمين لكن بشر.. مصاص دماء لكن «بنى آدمين» برضه.. داعشيون وسفاحون لكن مجاهدون.. أعوذ بالله من انعدام الإنسانية.. يا ساتر على التورط فى ازدواجية المعايير.
لا استقرار إذاً بدون مصالحة عادلة.. اندماج الإخوان «الأفراد» فى العملية السياسية مطلوب.. وكذلك السلفيون الأحباء بقيادة «حزب النور».. إنه حزب لطيف.. أليف.. سمح.. راق.. حضارى.. إن السلفيين قلوبهم بريئة كقلوب الأطفال.. إنهم أحباب الله.. لا تصدق أنهم أطاحوا برأس تمثال «طه حسين» بمسقط رأسه فى «المنيا».. ونقبوا تمثال «أم كلثوم» فى المنصورة.. وأرادوا تفجير «الأهرامات» و«أبو الهول» وتكفير المجتمع واحتقار المرأة.. وتزويج القاصرات.. وإباحة الختان والترويج لجهاد المناكحة.. إنه لهو أطفال وهزل مراهقين ليس أكثر.. لابد من تواجدهم فى المعادلة السياسية.. وبالمناسبة فإن مصطلح «المعادلة السياسية» من تأليفى.. أنا أول من قلته.. كما أننى أول من ناديت «بالتوافق الوطني» والاصطفاف.
ينهى «النخبوى» العتيد الحوار.. ويسرع خارجاً من البلاتوه فى رشاقة وحيوية.. يلهث خلفه صبى يحمل حقيبة جلدية منتفخة بالدولارات ومجموعة من الكرافتات الأنيقة.. يفتح الصبى الحقيبة ويستبدل له الكرافت ويتناول المبلغ الذى يعطيه له مدير الإنتاج.. ويضعه فى الحقيبة.. ويهرول خلف «النخبوى».. إلى بلاتوه آخر.. يصرخ «النخبوى».. وقد استقر فى مواجهة كاميرا فى قناة فضائية أخرى:
- إن الإخوان قتلة.. مجرمون.. عصابة إرهابية.. تاريخهم دموى.. ماضيهم تآمرى حقير.. حاضرهم ملطخ بدماء الشهداء.. مستقبلهم مظلم.. لابد من إقصائهم.. لا تسامح ولا تصالح مع تشكيل عصابى.. ليسوا فصيلاً سياسياً بل أعضاء منظمة إرهابية دولية.. المصالحة خيانة للوطن.. التسامح تفريط فى حق الشهداء.. لا استقرار بدون إبعادهم تماماً من المعادلة السياسية.. فالدم والحوار لا يجتمعان.. لا توافق وطنى تحت تهديد السيوف والمولوتوف والسحل وسفك الدماء.. ألا تتابع مواصلة طلاب تنظيم الإخوان أعمال العنف داخل الجامعات الآن.. إنهم يستخدمون الطلقات النارية والتراشق بالحجارة مع الطلبة ويلقون بالشماريخ.. ألم يصل إلى علمك أن كتائب «حسم» الإخوانية أمهلت وزارة الداخلية مهلة لإخلاء سبيل الفتيات المنتميات للتنظيم وهددت باستهداف أفراد الجيش والشرطة إذا لم يطلق سراحهن خلال فترة محددة.. وقالت «سترون منا ما يرعبكم ولن يمر عليكم يوم دون أن نطاردكم.. واعلموا أن دماءكم باتت أرخص مما تتصورون.. ولا دية لأمثالكم».. لا.. لا.. لا تصالح البتة مع من يمارسون الإرهاب ضد الشعب ويسعون لإشعال الحرب الأهلية.. ويتآمرون ضد جيش «مصر».
أما السلفيون وحزبهم فهم الوجه الآخر للإرهاب الإخوانى.. إنهم يتبادلون الأدوار ويتناوبون فى ارتداء الأقنعة.. لم يشاركوا فى الثورة.. ولما قهرت الملايين الإخوان أسرعوا ليظهروا فى المشهد ليجمعوا الغنائم ويرثوا من اغتصبوا السلطة وتاجروا بالدين.. ونهبوا خزائن الدولة واستباحوا الدماء وأشعلوا الفتنة.. وفرضوا ثقافة الحلال والحرام وحاولوا تغيير هوية «مصر».
إن السلفيين الذين يطرحون أنفسهم كبديل للإخوان.. إنما هم فى النهاية يخاصمون «الدولة المدنية» ويؤمنون إيماناً راسخاً بالدولة الدينية..  يجروننا إلى عصور سحيقة وإلى ردة حضارية.
بالمناسبة مصطلح «الردة الحضارية» من تأليفى.. أنا أول من قلته.. كما أننى أول من قلت «لا تصالح».. وليس الشاعر الراحل «أمل دنقل»، ومن عرف الحق عز عليه أن يراه مهضوماً».