الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إخلاء سيناء من المدنيين أصبح واجباً شرعياً




كتب : د. عبدالله النجار

من المعلوم أن الحكم الشرعى يتغير بتغير علته لأنه يدور معها وجوداً وعدما، كما أصبح من الواضح أن حجم الإجرام فى جرائم الإرهاب التى ترتكب واخرها تلك الجريمة النكراء التى قام بها الإرهابيون فى مستهل العام الهجرى الجديد، فاق كل الحدود وتجاوز جميع المحظورات الشرعية فى الإسلام ويكفى لبيان ذلك أنه قد حصد فى تلك الجريمة النكراء أكثر من ثلاثين بطلا من أعظم وأنبل وأجل أبطالنا، ناهيك عن الجرحى والمصابين الذين أصيبوا، والذين لا يقل عددهم عن هذا العدد، ولم يقتصر الأمر على عدد هؤلاء الضحايا الشرفاء، بل إن وقت ارتكاب تلك الجريمة النكراء يمثل بعدا آخر فى التعدى على الأبرياء والاستخفاف الكامل بجميع مبادئ الإسلام، حيث وقعت تلك الجريمة النكراء فى الأشهر الحرم وهى التى حرم الله فيها القتال بين المسلمين، وبين المسلمين وغير المسلمين، وهذه الأشهر هى ذو القعدة وذو الحجة والمحرم «أول العام الهجرى» ورجب، وقد ارتكبت تلك الجريمة فى مستهل شهر المحرم أحد الأشهر الحرم التى أوجب الله فيها الكف عن القتال فى قوله تعالى: «إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً فى كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم فلا تظلموا فيهن أنفسكم» أى لا تحملوا أنفسكم ما لاتطيق وذلك بمنع القتال فيها.
وقد اشتهر أمر تحريم القتال فى تلك الأشهر فى الشرائع السابقة، حتى كان الشخص يلقى قاتل أبيه فيها فلا يقربه بسوء، وقد أقر الإسلام هذا المبدأ الإنسانى فى كتابه وسنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ واجماع علماء الأمة خلفا وسلفا من غير تكبر من أحد، فجاءت الجريمة الإرهابية النكراء فى ذلك الوقت لتدل على أن الذين ارتكبوها مجرمون بعيدون عن هدى الدين وقدسية أحكامه وأنهم لا يمتون إلى صحيح أحكام الإسلام بصلة، لاسيما إذا ما أخذنا فى الحسبان جسامة الحرمات التى ارتكبت فيها وهى استحلال تلك الدماء الزكية الطاهرة بهذا الاستحقاق وبذلك التآمر الوقح الخسيس.
بقيت مسألة أسلوب المواجهة وكيفية التعامل مع أولئك الإرهابيين وهى القصد من تحرير هذا المقال.
لقد تحدث فقهاء الشريعة فى تلك المسألة قصدا وهم يعالجون أسلوب المواجهة مع الأعداء الذين يصدرون الخطر للأمة، ويقيمون الحروب معها قصداً لهدم سلطان الأمة، والتمهيد لإشاعة الفوضى حتى تسقط الدولة، وفى هذا الصدد يفرق الفقهاء بين حالة المواجهة المباشرة مع العدو، وهى لا تثير صعوبة لأنه يجب التعامل معه مباشرة، والاستمرار فى مواجهته حتى يتم القضاء عليه أو تحجيم خطره، أما الذى يثير الكلام واقتضى التحقيق من الفقهاء هو حالة المواجهة غير المباشرة مع العدو، وذلك فى الحالات التى يتحصن فيها الاعداء أو المتآمرون بالدروع البشرية، من المدنيين وذلك باتخاذ الأطفال والنساء دروعا بشرية، أو التخفى خلف الأبنية المدنية التى يسكنها مواطنون مسالمون لا صلة لهم بممارسة الأعمال القتالية، وهى مسألة «التترس» بتلك الفئات البريئة وفى هذه الحالة يجب ابتداء، وعلى سبيل الوجوب الشرعى، إبعاد المدنيين عن ساحة المواجهة، وذلك بإخلاء المنطقة التى يجرى فيها القتال منهم حتى يتم القضاء على تلك البؤر الإجرامية المتترسة بالأبرياء وأساس هذا الوجوب أن فيه انقاذا لنفوس بريئة يريد المجرمون أن تقتل دون ذنب أو هدف سوى الإفلات من أن تصيبهم نيران الحق، وإنقاذ نفوس الأبرياء واجب شرعى، فما يؤدى إليه وهو الاخلاء واجب كما أن إخلاء المنطقة من المدنيين فيه تمكين للقضاء على المجرمين وملاحقتهم بالعقاب النابع من جنس ما يفعلونه وقتال المجرمين واجب قطعاً لمادة الفساد، وسداً لمفسدة انهيار الأمن وسقوط الدولة وحتى لا تسقط بسقوطها مبادئ الإسلام وقيم الإيمان، وما يؤدى لذلك يكون واجبا، فيكون الإخلاء واجباً حتى لا يتترس المعتدون بهم، ويصلون من خلالهم إلى ما يربون إليه، وأننى أذكر المسئولين عن أمن سيناء فى مصر عن الوجهة الشرعية البحتة وفى إطار الحكم الشرعى الصحيح أن يبادروا بإخلاء مناطق المواجهة مع الإرهابيين فى سيناء من المدنيين حتى لا يتترس بهم الإرهابيون.
وأنا على ثقة أن هذا الأمر لن يغيب عن فطنتهم وخبرتهم، وحرص المعهود على أمن هذا البلد واستقراره، أيها الأبطال العظام يا أبناء جيش مصر العظيم وشرطتها: إن الثقة فى الله وفيكم بلا حدود، فأنتم عيون الوطن الساهرة وأنتم درعه وسيفه وأنتم حماة ثغوره، والحارسون لحدود الله ومبادئ شرعه وأحكام دينه على أرضه، تحية لكم، ولكل فرد شرفه الله بالانتساب لكم، والرفقة معكم فى تلك المهمة الشريفة التى اختصكم الله بها، وجعلكم يد قدرته، وسيف قدره الذى يجريه لحماية الحق والمبادئ، فهنيئا لكم بما حباكم به ربكم وخالقكم أنكم على الحق، فلا تشكو فى ذلك لحظة، وخصومكم على الباطل فلا تغفلوا عن تلك الحقيقة.
وأما الذين سقطوا منكم شهداء فهنيئا لهم أنهم أحياء عند ربهم يرزقون وهم يعيشون معكم ومعنا لم يموتوا، أنهم يشهدون ما تقدمون من بطولات ويقولون لكم لسان الحال والمقال: اصبروا وصابروا ورابطوا وأبشروا فإن نصر الله خليفكم لا محالة، لأنكم تنصرون دينه، وتنصرونه وقد حكم، وحكمه ماض لا مرد له فقال: «ولينصرن الله من ينصره» وأنتم جند الله وقد قال سبحانه: «وإن جندنا لهم الغالبون» وقد وجب لكم وعد الله بالنصر والغلبة على أعدائكم والله معكم ولن يتركم أعمالكم، فتحية لكم وتهنئة للشهداء ولأهلهم وذويهم العزة والفخر والشرف.