الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مستشرق إنجليزى يتناول «تاريخ مصر فى العصور الوسطى»




عرض - محمد خضير

فى إصدار مترجم يعد من أهم الكتب التى صدرت عن هذه الفترة التاريخية، لباحث يُدرك أهميته الباحث المتخصص فى تاريخ مصر الإسلامية، للمستشرق الإنجليزى ستانلى لين بول، صدر كتاب «تاريخ مصر فى العصور الوسطى» عن الدار المصرية اللبنانية، كما يستمتع بقراءته القارئ المثقف، والقارئ العادى على السواء.
ويُعد كتاب «لين بول» من المؤلفات القليلة التى تُعالج تاريخ مصر الإسلامية، منذ الفتح العربى الإسلامى لمصر سنة 18- 20هـ/639 – 641م، وحتى دخول العثمانيين مصر سنة 922 هـ/ 1516م، فى كتاب 752 صفحة من القطع المتوسط.
وقد صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب المهم فى لندن سنة 1901م؛ ليحظى بعد ذلك باهتمام كثيرٍ من الباحثين والمهتمين بالدراسات التاريخية، والذين استفادوا منه فى دراساتهم عن هذه العصور؛ إذ إنه أول كتاب شامل يتناول تاريخ مصر فى هذه الحقبة الطويلة، ألَّفه «لين بول» فى فترة لم يكن قد نُشر فيها من مصادر مصر الإسلامية إلا النذر القليل، ولم تكن الدراسات الجزئية التى بدأت فى الظهور منذ العقد الثالث للقرن العشرين قد وُجدت بعد.
تاريخ مصر فى العصور الوسطى
يُعتبر كتاب «تاريخ مصر فى العصور الوسطى» – كما يقول المترجم – من الكتب القليلة التى تناولت تاريخ مصر الإسلامية على وجه الإجمال، بنظرة شاملة ودقيقة فى الوقت نفسه، فقد حاول مؤلِّفه حصر أهم الأحداث التاريخية وذكر الأسماء والتواريخ والأرقام والإحصائيات ووضع قوائم للولاة والسلاطين والخلفاء، ودعَّم كل ذلك بالصور والأشكال التوضيحية التى بلغت مائة صورة وشكل، هذا فضلًا عن رأيه ونظرته الخاصة كمؤرِّخ ومستشرق غربي، فقد حاول على سبيل المثال التركيز على أحوال الأقباط وكنائسهم وأديرتهم، ونراه يتطرَّق دائمًا لأوقات رخائهم أو شدتهم ويفرد لها الأسطر والصفحات، مع أنه قد استقى معظم معلوماته من الكتب العربية لأشهر المؤرخين المسلمين من أمثال: الطبرى وابن الأثير والمقريزى والسيوطى وغيرهم، هذا مع عدم التغافل عن المصادر الغربية المهمة خاصة فى عصر الحروب الصليبية، مثل جوانفيل الذى رافق حملة لويس التاسع، أو وليم الصوري، وغيرهما ممَّن عاشوا فى ظل أحداث الحروب الصليبية.
إضافة للمكتبة العربية
ورغم أن الكتاب قد صدر فى سنة 1901م كما ذكرنا سلفًا، إلا أنه – كما يقول د. أيمن فؤاد سيد فى تقديمه للترجمة – ما زال من أهم المؤلفات التى تناولت هذه الفترة، إلى جانب كتاب آخر للمستشرق الفرنسى جاستون فييت، أحد أهم العارفين بتاريخ وحضارة مصر الإسلامية، ولا توجد إلى الآن أى كتابات عربية تعدل المادة التى قدمها هذان الكتابان لهذه الحقبة الطويلة من التاريخ المصري، الأمر الذى يجعل نقلهما إلى اللغة العربية يسد فراغًا نوعيًّا فى المكتبة العربية، خاصة أن تاريخ مصر خلال هذه الحقبة الطويلة كان قد شغل اهتمام المستشرقين خلال القرن التاسع عشر، وبشكلٍ خاصٍّ بعد صدور كتاب «وصف مصر» الذى وضعه العلماء المصاحبون للحملة الفرنسية وخصَّصوا فيه جزءًا عن «الدولة الحديثة».
ورغم أن المؤلف صاغ كتابه بأسلوبٍ جزلٍ، وعباراتٍ أدبيةٍ فخمةٍ تنتمى إلى عالم الأدب أكثر من انتمائها إلى غيره – وهى من الصعوبات التى واجهت المترجم كما يقول – إلا أن الكتاب انتشر انتشارًا كبيرًا بين الأوساط العلمية المتخصصة فى جميع أنحاء العالم، ورجع إليه خلال ما يزيد على قرن من الزمان، كل مَنْ كتب عن تاريخ مصر الإسلامية، سواء كان من الغربيين أو المؤرخين المشرقيين فيما بعد، وذلك راجع بالطبع لثقل وشهرة مُؤلِّفه وأهمية كتاباته وجدِّيتها على وجه الإجمال.
ويبدأ الكتاب - الصادر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية - بإهداءٍ مُلفتٍ للمترجم؛ إذ جاء كما يلى: «إلى حقبةٍ من تاريخنا مضت بصالحها وطالحها.. إلى شخوصٍ وأحداثٍ كوَّنت وجدان أمة.. أُهدى هذا العمل.. لعلَّنا نلتمس عن طريق الماضى آفاق المستقبل».
تحليلات ووجهات نظر
وقد وضع «لين بول» كتابه فى أحد عشر فصلًا، وقام فى بداية كل فصل بذكر أهم المصادر الخاصة به، والتى كانت معروفة وقت تأليفه للكتاب، وأهم الآثار الباقية التى ترجع إلى هذا العصر، ولم يكتفِ بالسرد التاريخي، وإنما كانت له الكثير من التحليلات ووجهات النظر التى جعلت الكثير ممن تناولوا هذه الفترة بالدراسة بعد ذلك يحيلون فى هوامشهم إلى كتابه.
ويستمر «لين بول» بأسلوبه الرشيق، فى سرد تفاصيل الفتح العربى الإسلامى لمصر، متناولًا الزحف نحو ممفيس، ومعركة عين شمس، ومعاهدة مصر، كما يتحدَّث عن المقوقس، وحصار بابليون، والتقدم نحو الإسكندرية، والمعاهدة مع الروم.
تبقى الإشارة إلى أن هذا الكتاب المهم، لم يخلُ من المعلومات التى لم تتَّسم بالدقة، وأحيانًا جاءت غير موضوعية، وقد تصدَّى مترجم الكتاب ومحققه أحمد سالم لهذا الأمر من خلال وضع هوامش تُدقِّق غير الدقيق، وتُصحِّح غير الصحيح.