الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عودة الصنم الأكبر

عودة الصنم الأكبر
عودة الصنم الأكبر




كتب - سراج وصفى

عشرات السيدات وقفن منذ أيام أمام دار القضاء العالى، يهتفن للجيش والشرطة، والرئيس والشعب، ومبارك والعكش.. يصرخن ضد الإرهاب الأسود تحديدا وضد «نكسة يناير».. ويطالبن بإسقاط حكم المرشد والإخوان واعدام الخونة والثأر للشهداء.
كل واحدة منهن رفعت فردة حذاء عسكرى «بيادة» فوق رأسها.. تعبيرا عن مبلغ الحب الذى وصلت إليه، وفرط الوطنية التى تعتصر قلبها.. والتى تجعلها تزاحم جارتها فى الوقوف امام الكاميرا لالتقاط الصور، وهى ترفع دليل محبتها فوق رأسها..
وربما كانت من المحظوظات لتسجل مع مراسل لقناة وطنية أيضا.. فتخبره أننا كلنا «ضد الإرهاب اللى ف سينا، وقناة الجزيرة، واحنا مع الريس فى قناة السويس»، وكثير من الهمهمة والتفتفة التى تخرج من فمها لزوم الحماس والانفعال..
قبلها بيوم كانت وقفة مشابهة فى نفس المكان لرجال وشباب وأطفال.. لديهم نفس الملامح ونفس الابتسامة المتخلفة تقريبا.. كأنهم «قطعية واحدة» وهم يرفعون لافتات موحدة مكتوب عليها «ضد مؤامرة 25 يناير».. رغم أن الوقفة بالاساس لإدانة مقتل الجنود فى سيناء.
إذا أضفنا للمشهدين مئات من التصريحات المقززة التى تخرج من إعلاميين وخبراء ومسئولين.. والتى تحاول الربط بين أى حادث أو كارثة أو أوضاع متردية وثورة يناير.. يمكننا ببساطة أن ندرك استماتة «كواحيل» ومرتزقة نظام مبارك للعودة مرة أخرى إلى المشهد.. وتحقيق أى مكاسب على «قفا» المصريين البسطاء.. واستغلال أى كارثة وتحويلها لمهرجان للطنطنة والنفاق الرخيص.. بدلا من ان نجعلها فرصة لمحاسبة المقصرين والاعتراف بالأخطاء وترتيب الاولويات..
لن أناقش تلك المحاولات البائسة وجدواها.. ولن تزعجنى حتى لو وصلت إلى حد قيام أحمد عز بالترتيب للانتخابات البرلمانية المقبلة.. أو إعلان لصوص «الوطنى» عن قوائمهم فى تلك الانتخابات..
أرى كل ذلك من باب اليأس وفقدان الأمل وقلة الحيلة.. فليس لدى هؤلاء اكثر من المحاولة ثم المحاولة ثم لاشيء.. لا نتائج ليحصدوها ولا فرص لديهم أكثر من زيارة الصنم الاكبر على سرير شيخوخته، وتبادل الحكايات والعصائر معه.. ومصمصة الشفاه على أيامه الغابرة فى الجلسات الخاصة.. هؤلاء جميعا فعل ماض احتقر المصريون.. فداسه المصريون بالاحذية..
ما سر ثقتى.. ومن أين يأتينى كل هذا التفاؤل.. وهم تقريبا عادوا ليحتلوا صدارة المشهد مرة أخرى..
ظنى أنها عودة مؤقتة وتواجد هش لن يستمر طويلا.. لأسباب عدة أهمها المؤسسة العسكرية ذاتها التى يحاولون شراء رضاها برفع الاحذية على الرءوس.. أو بدفع جحافل الاعلاميين والممثلين ولاعبى الكرة لالتقاط الصور والبكاء أمام الشاشة.. بحجة دعم الجيش والرغبة فى محاربة الارهاب.. فى حين أن الحقيقة المعلومة للجميع أن فلول مبارك وعبيده أشد كراهية وعداوة للمؤسسة العسكرية من الاخوان أنفسهم.. لا ينسى هؤلاء أن الجيش هو الذى أطاح بإله العجوة الخاص بهم.. استجابة لرغبة الملايين فى الشوارع والميادين.. لم ينس أى منهم التحية التى قدمها المجلس العسكرى لشهداء يناير.. ولا مئات المدرعات التى جابت الشوارع وهى تحمل عبارة «يسقط مبارك الخاين العميل».. ولا هتاف الثورة الشهير «واحد اتنين.... الجيش المصرى فين».
وإذا حاولوا التخلص من تلك الذكريات المؤلمة ستصدمهم فاجعة الدستور الذى ينص على أنها «ثورة فريدة بين الثورات الكبرى فى تاريخ الإنسانية».
حتى إذا نحينا الكراهية جانبا.. فلن يلتقى مسار هؤلاء ومسار النظام الحالى.. مهما بدا من تقارب أحيانا.. ببساطة لأن العقيدة مختلفة والاهداف متناقضة.. ولعلنا نذكر محاولات الدفع بشفيق للرئاسة ودعوة السيسى للاستمرار فى منصبه وزيرا للدفاع.. وهى الدعوة التى استمرت لايام قليلة قبل أن تخرس ألسنة أصحابها ويعلن شفيق استمراره فى أداء العمرة لاكثر من عامين.
النظام الحالى يعرف ذلك وأكثر.. ويعرف أن ثورة يناير هى حقيقة تسد عين الشمس.. وأن مطالب العيش والحرية والكرامة الانسانية لا يمكن التنازل عنها ولا الالتفاف حولها.. وأن المصريين يصبرون صبرا جميلا.. لكنهم عباقرة فى فرض إرادتهم فى النهاية.. فليس أقل من أن يعلن انحيازه بوضوح وأن يغلق الباب الآن فى وجه من يحاول تشويه الثورة لصالح لصوص.. خرجوا من السجون طامعين فى استعادة أماكنهم، بمجرد البكاء أمام الشاشة.. أو رفع البيادة فوق الرأس.