السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الخطاب الثقافى الغائب

الخطاب الثقافى الغائب
الخطاب الثقافى الغائب




كتب - د.حسام عطا

كيف نحارب الإرهاب على الصعيد الفكرى والثافى والإعلامى؟
سؤال كبير لم تتحدد الإجابة عنه بشكل محترف؟
لا شك أن إعلان المواقف فى الداخل والخارج ضرورة، وتشكيل جبهة موحدة من الأحزاب السياسية والإعلام المصرى لمواجهة الدعاية السياسية المغرضة الفجة الداعمة للإرهاب أمر ضرورى.
ولكن وبشكل عملى وعلمى محدد ومن خلال خطة تستند إلى أهداف بعينها قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى لا يزال الأمر يحتاج لعمل واضح على الصعيد المهنى الثقافى والفكرى والإعلامى.
الرسالة ببساطة هى تفكيك خطاب الإسلام السياسى القائم على التفكير والمظلومية والبحث عن الخلافة، والإسلام منه برىء وهو يستهدف عددا من المرسل إليهم وهم:
أولا: صورة مصر فى الخارج حيث يجب حصار الوهم الإعلامى المغرض حول صورة مصر فى الخارج فيما يتعلق بحقوق الإنسان وبمشروعية الدولة المصرية الجديدة المتأسسة على شرعية ثورية فى 25 يناير و 30 يونيو معا، وعلى استحقاق انتخابى شفاف وعلى تأييد شعبى كبير، والعمل المحترف المنتظم فى هذا الشأن يجب ألا يتوقف.
ثانيا: فضاء الداخل العام ودعوته إلى عدم الارتباك وانتظام خططه اليومية بداية من خطط الإصلاح الاقتصادى وصولا لانتظام الفعاليات اليومية العادية. حيث انتظام فضاء الداخل اليومى فى الأعمال الاعتيادية هو الرد العملى على أن الإرهاب ليس إيقاعا أساسيا ولكنه استثناء أسود فى حياة مصر اليومية التى تصلى فى المساجد وتشرب قهوة الصباح وتذهب للعمل وتقيم أعراس الزواج وتغنى فى المساء.
وهو الأمر الذى ينبغى رصده إعلاميا وطرحه على الشاشات حتى يطمئن الشارع العام فى مصر على رغيف الخبز وكوب الشاى وطابور الصباح فى المدرسة، وصوت أم كلثوم فى المساء.
ثالثا: الأعضاء المنظمون القاطنون فى السجون الآن فى إطار مراجعات فكرية منظمة، وهؤلاء هم أقدر من غيرهم على خلخلة الاعتقاد الخاطئ لعدد كبير من الأفراد المستترين والنائمين فى الخارج، وهو أمر لدينا فى مصر خبرة تاريخية فيه منذ مراجعات الجماعة الإسلامية الشهيرة والتى حققت فى معظمها نتائج إيجابية واضحة.
رابعا: وهو المستهدف الأهم وهو ما نطلق عليه فى الخطاب الثقافى بالإطار المرجعى للجمهور، وهو يتكون من عدة عناصر اجتماعية، دينية، ثقافية، جمالية، نفسية، لعدد من الناس هم البيئة الحاضنة للإرهاب والمتعاطفين معه وغير المهتمين بمحاربته، وأول خصائص هؤلاء الذين يشكلون الإطار المرجعى الداعم للإرهاب أنهم يعانون من غياب فكرة المواطنة، نظرا للاشتباك التاريخى بين المثقف والفقيه لصالح غياب ثقافة المواطنة القائمة على الحرية والديمقراطية، وحقوق المواطنة الأساسية فى المسكن والمأكل والتعليم وما إلى ذلك، وهو ما أدى إلى وجود مجموعات كبيرة من البشر فى مصر خاصة من الشباب يعانون من غياب الأمل فى الغد ومن قسوة الحاضر وبؤس الماضى.
وهؤلاء يجب أن يكونوا الهدف الأول للخطاب الثقافى المحمول إعلاميا، وللخطاب الفكرى المباشر فى عشوائيات عواصم المدن والأحياء الفقيرة، وفى قرى مصر المعزولة وأطرافها الخشنة، وعلى فضاء الشبكة الدولية للمعلومات الممتلئ بأنصاف المتعلمين القادمين من دعم الجمعيات الخيرية التى عوضت غياب الدور المهم للدولة منذ الثمانينيات وحتى 25 يناير فى الرعاية الاجتماعية والصحية والثقافية وصناعة الانتماء لجماعة ما لا لوطن يشعر هؤلاء فيه بأنهم مواطنون لا رعايا منسيون.
ولذلك وقد تغيرت الصورة الذهنية للإرهابى الذى يرتدى الجلباب الأبيض القصير ويطلق لحيته، إلى من يرتدى الملابس العصرية ويحترف العمل على أجهزة تكنولوجية محمولة تتصل بفضاء الشبكة العنكبوتية للمعلومات، وهو يعيش فى عصر شياطين الفكر الجهنمى الذى يحاربك بتقسيمك ويدعم أفراد من داخل الأوطان لقتل أوطانهم باسم أفكار وهمية مقدسة، ولذلك فوجود إفاقة فكرية ثقافية إعلامية فى شكل خطط عملية لخطاب البيئة الحاضنة للإرهاب يجب أن يكون هو الهدف الواضح، لأن الإرهاب المنظم ليس هدفا لهذا المشروع الثقافى المفترض بالتأكيد، فالإرهابى لا يذهب للمسرح ولا يحضر الندوات فى الجامعة، ولا يستمع للموسيقى ولا يصدق الشاشات الفضائية، لأن هويته كمواطن تمت سرقتها لصالح أفكار أممية ساذجة، وهى الأفكار التى يجب علينا التصدى لها بهدوء والتركيز على مؤسسات صناعتها ووقف عملية تجنيد شباب جدد لها بتعاون ضرورى بين مؤسستى الأزهر والأوقاف من ناحية والثقافة والإعلام من ناحية أخرى، وتجاوز الخلل الهيكلى والعجز التاريخى فى الأداء البيروقراطى القائم على المصالح الصغيرة، واستعادة مجموعات محترفة بخطط مضيئة ومراكز عمل صغيرة ذكية يسمح لها باستخدام البنية الأساسية للمؤسسات الثقافية والإعلامية ومنابر الخطاب الدينى العام بطريقة تتجاوز مشكلات هذه المؤسسات التاريخية، التى تحتاج لأن تتخلص من أصحاب المصالح الصغيرة الذين سرقوا أهدافها لسنوات طويلة.
لأن الجمهور العام فى البيئات المتعاطفة مع فكرة الإسلام السياسى والذى يشكل تجمعات بعينها وأفراداً متناثرين فى كافة الشرائح الاجتماعية، وهؤلاء هم الذين يجب استهدافهم فكريا بشكل اساسى لحجب البيئة الداعمة للإرهاب، وهو الأمر الذى لم يتحدد فى معظم التصعيد الإعلامى والثقافى الذى استهدف إعلان البيانات والمواقف دون تحديد الخطط والجمهور المستهدف، وعلينا أن نعلم بشكل يستند لعلم خطاب الإطار المرجعى للجمهور المستهدف أن وضع القضية المراد مناقشتها فى صدارة المناقشة أمر خاطئ، فهؤلاء المتعاطفون أو اللامنتمون للمواطنة يصمون آذانهم ويغلقون وسائل الإعلام عندما يسمعون كلمة الإرهاب، كما أنهم يشعرون بالنعاس وبأن الزمن يعود للوراء عندما يسمعون كلمة التنوير، أما الشعار الجذاب الذى يمكن أن يحتوى داخله كل الأفكار الوطنية فهو شعار ثقافة المواطنة وهو مقبول للجميع من أقصى اليمين لأقصى اليسار ومن أعلى السلم الاجتماعى إلى أسفله، ثقافة المواطنة هى القادرة على جذب الجموع الكبيرة فى مصر لخلخلة البيئة الحاضنة للإرهاب ولتشكيك المتعاطفين معها ولتحفيز غير المهتمين بالشأن العام ولنشر الثقافة الديمقراطية ولدعم مكتسبات 25 يناير و30 يونيو التى طالب بها الشعب المصرى كله لبناء مصر المستقبل ولصناعة الأمل، وأول شرط فى وضع تلك الخطط والمشروعات التطبيقية أن نتجاوز مرحلة إعلان المواقف والمواجهة الكلامية والأداء الشخصى والمعارك الجانبية والبحث عن بطولات صغيرة لنضع مشروعات تطبيقية جذابة تبتعد عن رفع شعارات طاردة منفرة نحو ممارسات ثقافية فكرية اجتماعية محببة تتأسس على التخطيط العلمى وتستعين بالخبراء وتعود فى صيغتها العامة للأساس المقبول من الجماعة الوطنية المصرية ألا وهو ثقافة المواطنة، فهل تتوقف بعد أن قتلنا الملل المواجهات الكلامية والثرثرة والبطولات الصغيرة والتصريحات الغرائبية والجعجعة التى بلا طحن لنرى مشروعات ثقافية فكرية اعلامية ممتعة وفاعلة على أرض الواقع؟