الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

جزر إسرائيلية فى باب المندب تهدد الأمن العربى

جزر إسرائيلية فى باب المندب تهدد الأمن العربى
جزر إسرائيلية فى باب المندب تهدد الأمن العربى




تحقيق - سيد مصطفى

«هذا يعتبر تهديد لنا ان احنا بنخاف على مصير العالم، وبنخاف على مصيرنا» بهذه الكلمات تحدث عبدالناصر عن إفريقيا وشرح سر اهتمامه بها، والآن وبعد عقود من وفاة الزعيم يعتقد الكثير من المصريين أن تهديد المياه هو الورقة الوحيدة التى تهدد مصر من إفريقيا، ولكن لم يلتفت المصريون إلى التهديد الأخطر عند مضيق باب المندب، الذى شهد أحد أطرافه عند اليمن تقدما للخطر الإيراني، لتظهر الحقائق عن نفوذ وسيطرة أخطر منه وهى السيطرة الإسرائيلية بالمضيق والتى تهدد الملاحة المصرية فى البحر الأحمر وقناة السويس بشكل مباشر.
وبالفعل منذ أن التفتت أعين المصريين عن القارة السمراء وأهملتها، بدأت إسرائيل فى عملية ملء الفراغ المصرى هناك، وشرعت فى استخدامها ساحة خلفية للحرب مع مصر، تختلف عن الساحة الأمامية التى لطالما اشتعلت بها المواجهات لأكثر من 36 عاما، لتحول الامتداد الطبيعى المصرى إلى سكين على رقبة المصريين، لتنخفض أصوات المساندة العربية الإفريقية لتعلو أصوات أجراس الخطر على مصر.
تكمن المشكلة فى جزر «دهلك» التى تمت لها صفقة إيجار فى غفلة عربية لإسرائيل مع إريتريا حيث اتفقت معها إسرائيل على استئجار جزيرتى «حاليب وفاطمة» وبناء قاعدة عسكرية فى كل منهما ثم على جزيرتى «سنتيان وديميرا».
قال الدكتور عمرو زكريا الخبير فى الشئون الإسرائيلية، والمترجم لكتاب «إسرائيل وإفريقيا» للدبلوماسى الإسرائيلى آريه عوتيد الذى عمل سفيرا للدولة العبرية فى أكثر من دولة إفريقية: إن القصة بدأت بالنسبة لإسرائيل بالتواجد فى إثيوبيا التى كان هدفها الأساسى السيطرة على مضيق باب المندب، ثم انتقلت الى اريتريا، وهى الدولة التى انفصلت عن إثيوبيا وسيطرت على الميناءين الخاصين بإثيوبيا على البحر الأحمر، لتصبح اثيوبيا بلا موانئ وتعتبر دولة حبيسة، وبذلك انتقلت الاهمية الاستراتيجية لإريتريا بدلاً من إثيوبيا، ولذلك يوجد لإريتريا سفير إسرائيلى مقيم وهذا لا يوجد سوى بـ14 دولة فقط للدولة العبرية حول العالم، بينما لا يوجد سفير مقيم بإثيوبيا، بالرغم من العلاقات الاقتصادية بين اثيوبيا وإسرائيل ويهود الفلاشا.
وأكد عمرو فى تصريحات خاصة أن التعاون بين البلدين شمل مجالات متعددة فهناك تعاون اقتصادى وعسكرى، وكانت كل من اثيوبيا وإريتريا يتهمان بعضهما البعض بانهما تتلقيان المساعدة من إسرائيل.
وأشار عمرو إلى ان الجزيرتين استخدمتا فى العمل المخابراتى حيث نشرت إسرائيل عناصر مخابراتية وعسكرية فى ظل التعاون العسكرى بينهما، واستخدمت إسرائيل المنطقة لمراقبة اليمن والسعودية، وهى سياسة إسرائيلية فى مراقبة الآخر، حيث قاموا بمراقبة الهند وإيران عبر علاقاتهم بباكستان.
وأضاف عمرو بأن إسرائيل تقوم عبر المضيق بمراقبة السفن التى تدخل إليه، وبالتالى للبحر الاحمر، وتمنع السفن التى تراها معادية لإسرائيل مثلما حدث مع السفينتين الايرانيتين التى طلبت من مصر عدم عبورهما قناة السويس ومصر رفضت، كما انها تعاملت مع السفينة التى كانت متوجهة لغزة بعد عبورها من المضيق، وقامت بالقبض على من فيها، وهذا يدل على اهمية وجودها بالمضيق، وثانيا هو تأمين السفن الإسرائيلية التى تدخل المضيق خاصة مع وجود أساطيل إسلامية اخرى، كالاسطول الايرانى، ودول عربية تشرف على البحر كاليمن ومصر والسعودية.
وأكد عمرو ان إسرائيل لن تسمح لإيران باغلاق مضيق باب المندب وستقوم بالتدخل، وذلك لانه المنفذ الوحيد لميناء إيلات، ومعنى ايقافه إغلاق الميناء الذى يعتبر من اهم الموانئ الإسرائيلية.
ويقول الدكتور جمال الرفاعى أستاذ اللغة العبرية بكلية الآداب جامعة عين شمس: إن الصفقة تمت فى عام 1995 بين إسرائيل واريتريا، واشتملت على جزيرتى «فاطمة وحاليب» بأرخبيل دهلك، وذلك مقابل بليون دولار وقد تسلمتها لإريتريا مقابل شحنة سلاح أمريكية الصنع تسلمتها اريتريا، وحتى الآن إسرائيل لم تقم بعمليات معينة، الجزيرتان تتيحان لإسرائيل التحكم فى المضيق، وان تتحرك جنوبا بما يهدد الأمن العربى.
ووصف الرفاعى فى تصريحات خاصة الوجود الإيرانى والإسرائيلى فى المضيق بانه صراع على البحر الأحمر بين القوى الإقليمية العظمى، حيث كل منهما جاء الى تلك المنطقة لتأمين مصالحه.
ويقول العميد حسن حمودة عميد الأمن الوطنى السابق المختص بشئون الصهيونية، والحاصل على درجة الماجستير عن دراسته «إسرائيل فى إفريقيا»: إن المشكلة تكمن فى نظرة دولة اريتريا للعرب حيث ان الدولة تتحدث العربية ويوجد بها نسبة مسلمين لا بأس بها وبالرغم من ذلك لم تنضم لجامعة الدول العربية، لعدائها الشديد للعرب، وشعورها بأنهم أهملوها، بينما من ساندتها هى إسرائيل، بالرغم ان مصر هى السبب فى انشاء دولة إريتريا، فمصر هى من رعت جبهة تحرير اريتريا، وساعد فى نجاحاتها رجال عبدالناصر فى إفريقيا مثل محمد فايق، كما أن أسياسى أفورقى شخص عنده عداء شديد للعرب بالرغم من ادعائه غير ذلك، ولكن هذا التقارب الإريترى - الإسرائيلى بدأ منذ أواخر عصر السادات وأوائل عصر مبارك حين ولت مصر وجهها عن إفريقيا، وبعد الاستقلال حدثت الاتفاقية، وكان المهندس الأساسى لها هو إسحق رابين، وبالرغم من كونه صاحب المحادثات الاشهر مع الفلسطينيين للسلام فى اوسلو ويدعم مبدأ التقارب، فهذا لا يعنى انه لا يقوم بعمل علاقات او نفوذ لإسرائيل بالبحر الأحمر.
وعلى الجانب الآخر بيّن حسن ان إسرائيل تستفيد من الجزيرتين على وجهين الأول هو أعمال التجسس التى ذكرناها، والثانى هو استخدام الجزيرتين وجزء اخر فى الباسفيكى - المحيط الهادئ - كموطن بديل لليهود إذا ضرب موطنهم الحالى، وهو شىء غير مكلف لأنها جزر غير مأهولة، فثمن الجزيرة لا يتعدى شقة فى الولايات المتحدة اشتراها أحد أثرياء العرب، وتبعتها فى تلك السياسة بعض الدول ومنها دول عربية كقطر.
وأكد حسن أن الجزيرتين تتبعان الإستخبارات الإسرائيلية الموساد، وهى التى تستثمرها، كما أن كل شئونهما تناقش سرياً، وذلك عبر لجنة سرية للأمن القومى، وليست بالجلسات العلنية ومناقشات الكنيست.
 وقال الدكتور محمد أبوغدير أستاذ اللغة العبرية فى كلية الآداب جامعة عين شمس،بأنه وفقا لدراسة إسرائيلية جديدة، فإن إسرائيل قامت بإنشاء مخزن تحت الماء فى مياه المضيق وقبالة السواحل الإريترية، وقد قامت بإنشاء هذا المخزن شركة عملاقة متخصصة فى الإنشاءات تحت الماء، وهو يحتوى على مخزون ضخم من الأسلحة المتطورة، ويمكن لإسرائيل فى أى وقت أن تغلق المضيق.
ويقتصر الوجود الإسرائيلى بالعناصر المخابراتية فوق الأراضى يساعدها الأسطول الإسرائيلى، ولكن لا يوجد بها قواعد عسكرية، وذلك لأن إسرائيل تخشى إرسال جنودها لمسافات بعيدة خوفاً عليهم من القتل، ولكن لها قواعد جوية بهما.
وبالرغم من العداء الشديد بين إثيوبيا وإريتريا نجحت إسرائيل بفضل ما لديها من إمكانات مادية أن تحافظ على علاقات قوية مع الدولتين، كما أن لإسرائيل فى المضيق قوة عسكرية بحرية مكونة من عدة سفن تم إدخالها إلى المنطقة بدعوى محاربة القرصنة، وعن الوجود الإيرانى ومحاولة الحوثيين الوصول لباب المندب، أشار إلى أنها حرب استعراض قوة حيث تستعرض إيران قوتها أمام عدوتها اللدود إسرائيل وكذلك تفعل إسرائيل أمام إيران .
واضاف أبوغدير أن إسرائيل بعلاقاتها الإفريقية نجحت فى تطويق مصر، مثل شرق السودان بدارفور وإثيوبيا، لترسل برسالة تفيد بأنها قادرة على إيذائنا، ففى قصة المياه هناك اتفاق بين إسرائيل واثيوبيا على بيعها للأولى، وظهر مؤخرا من الأمم المتحدة قرار يقضى بان تبيع اى دولة المياه الزائدة على طلبها كسلعة بها بيع او شراء، ولكن المطلوب ان تعبر على مصر، قائلاً «نحن ندفع ثمن 30 سنة انكماشا دوليا وعربيا».
وقد استخدمت كلا من جزر «سنتيان وديميرا» كمراعٍ للمواشى الإسرائيلية فقد انشأت اكبر مصانع لتعليب الأسماك واللحوم فى اكبر جزيرة فى ارخبيل دهلك الإريتيرى، أما جزيرة رأس سنتيان فيقام عليها دورات تدريبية ليهود الفلاشا، وتم استئجار تلك الجزر مقابل بناء إسرائيل محطات كهربائية تزود المحافظات الإريترية بما يلزم من الكهرباء.
وكشف عبدالوهاب دراوشة عضو الكنيست العربى عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» أن إسرائيل تجنى مكاسب من إقامة قواعد عسكرية لها بتلك الجزر، تبدأ بدعم وسرعة تموين قطع الأسطول البحرى الإسرائيلى المنتشر فى البحر الأحمر، كما أن الكارثة الأخرى التى تنذر البحر الأحمر وهى أنها تجرى تجارب نووية فى البحر الأحمر، مستغلة بعدها عن السكان الإسرائيليين وحمايتهم من أخطار أى تسريب إشعاعى قاتل، ثم تستغلها فى دفن النفايات النووية التى ستؤثر حتما على الأجيال الجديدة للشعوب العربية المحيطة بها.
وقال المفكر اليمنى يحيى البولينى الباحث بمركز التأصيل اليمنى للدراسات والبحوث، إنه يمكن عسكريا لإسرائيل من تلك المنطقة أن تقوم بعملية تهديد مباشر وقريب لعدة دول إسلامية، فتستطيع بكل يسر الاستيلاء على ميناء مثل بورسودان كما يمكنها تهديد العمق الاستراتيجى لمصر فى السد العالى من الجنوب دون الحاجة للمرور فوق الأراضى المصرية والتعرض لأنظمة الحماية الصاروخية.
وأكد يحيى أنه لن تنجو أيضا اليمن والسودان كاملة والمملكة السعودية، حيث إن تلك الجزر تقع مباشرة مقابلة لجزر فرسان السعودية وجزر الجمهورية اليمنية، وحققت إسرائيل هذا فعليا فالطائرة الإسرائيلية التى أغارت على عدد من السيارات فى بورسودان فى إبريل  2011 لاغتيال أحد قادة حماس التى أدت لمقتل شخصين وكذلك ضرب مصنع اليرموك، لم تنطلق الهجمة من أرض فلسطين المحتلة بل كانت منطلقة من إحدى من القواعد الإسرائيلية فى دهلك.
وأضاف يحيى أن ذلك غير ما تقدمه الجزر من مساعدات لوجستية لحركة ناقلات النفط كما تعتبر محطة لتشغيل الغواصات المزودة بالصواريخ النووية التى تحتفظ إسرائيل بها فيها.