الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أزمة نووية تهدد العالم.. و«داعش» ذريعة لشن حروب جديدة

أزمة نووية تهدد العالم.. و«داعش» ذريعة لشن حروب جديدة
أزمة نووية تهدد العالم.. و«داعش» ذريعة لشن حروب جديدة




ترجمة - أميرة يونس
 

أعد معهد بليموث لأبحاث السلام تقريرًا مهمًا حول بعض التطورات العالمية المهمة، بما فيها التهديد بنشوب حرب نووية، والتصعيد الجديد للعنف فى غزة، وتنامى قوة التنظيم الإرهابى «داعش» فى الشام والعراق، موضحًا أن هذه الأحداث الخطيرة تأتى تزامنًا مع ذكرى مرور مائة عام على الحرب العالمية الأولى.

وطلب المعهد من المفكر الأمريكى صاحب الأصول اليهودية «ناعوم تشومسكى» ردًا على ما يجرى فى الوقت الراهن وكم تعلمت الجماهير والحكومات فى قرن من الحروب، حيث انتقد سياسات واشنطن بتسليح دول أخرى، بما فى ذلك حليفها الرئيسى «إسرائيل» قائلاً: إن هذا النهج يخالف كلاً من نظامها والقانون الدولى أيضًا.
وأعرب تشومسكى عن انطباعه بمناسبة مرور الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى وأنه لايزال هناك الكثير من الجدل حول تحديد موضع المسئولية أو اللوم عن اندلاع ذلك الصراع الرهيب، والذى يرافقه توافق عام على نقطة واحدة، وهى أن هناك صدفة، كما أن المواقف الطارئة فى ذلك الوقت كان يمكن أن تصاحبها قرارات مختلفة من شأنها أن تتجنب الكارثة، مؤكدًا أن هناك أوجه تشابه مشئومة بين ذلك وبين احتمالات وقوع كارثة نووية.
وكشف تشومسكى أنه فى تاريخ المواجهات التى كانت وشيكة بالأسلحة النووية أصبح العالم قريبًا من التدمير الفعلى للذات عدة مرات، إلى درجة كان معها الهروب شأنًا يشبه المعزة، هروب من غير المرجح أن يدوم طويلاً، واستدل على قوله بالتحذيرات التى أطلقها العالمان «برتراند راسل» و«ألبرت أينشتاين» فى العام 1955 من أننا نواجه خيارًا هو صعب ومروع وأنه لا مفر من متنبئين بحرب نووية من شأنها أن تضع نهاية للجنس البشرى وأن نسبة اتجاه الجنس البشرى لينبذ الحرب ضعيفة جدًا.
وكان بيان راسل ــ أينشتاين الذى نشر فى لندن عام 1955 من قبل برتراند راسل فى خضم الحرب الباردة، يشير إلى مخاطر الأسلحة النووية ويدعو قادة العالم لبحث حلول سلمية للنزاعات الدولية، وقع على البيان أحد عشر عالمًا ومفكرًا أهمهم ألبرت أينشتاين الذى وصلته مسودة البيان قبل أيام من وفاته من قبل برتراند راسل الذى يدعوه إلى التوقيع على البيان.
ووضع تشومسكى سيناريو للحرب النووية المتوقعة تعتمد على مستوى همة الاندفاع إلى الحرب لدى كل الأطراف فى هذا الصدد، مع هامش صغير من الاستثناءات التى تمكن ملاحظتها، والذين عوقب أصحابها جميعًا تقريبًا على عقلانيتهم، ونزاهتهم ــ فى صورة مصغرة لتاريخ القطاعات المتعلمة والواعية فى المجتمع، والهستيريا الجماعية التى غالبًا ما يكشفونها.
ويقول الباحث اليهودى حول تزامن ذكرى الحرب العالمية الأولى مع الوقت الذى شنت فيه عملية «الجرف الصامد» الإسرائيلية، إنه من المفارقات المأساوية أن غزة هى المكان الذى يضم القبور التذكارية للحرب العالمية الأولى.
وأضاف تشومسكى حول الأسباب الحقيقية وراء عدوان إسرائيل الأخير على غزة أنه من المهم تمامًا إدراك أن هناك نمطًا تم تأسيسه قبل نحو عقد من الآن، وتم اتباعه بانتظام منذ ذلك الحين وهو أن يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار، ثم تقوم وسائل الإعلام بإظهار أن إسرائيل لا تحترم القرار وتستمر فى الاعتداء على غزة (وفى الاستيلاء غير القانونى على ما تريده فى الأماكن الأخرى من المناطق المحتلة)، بينما تلتزم حماس بوقف إطلاق النار، وتعترف إسرائيل بذلك، الأمر الذى يثير غضب حماس ودفعها إلى مناوشات تساعد إسرائيل فى استخدامها ذريعة لبدء فصل آخر من «جز العشب» حسب ثقافة إسرائيل العدوانية التى تحاول وضعها فى قالب أنيق للقضاء على الشعب الفلسطينى.
وتابع أنه فى إبريل 2014 شكلت حماسة فى غزة والسلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية حكومة وحدة وطنية، والتى تبنت على الفور كل مطالب اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبى، الأمم المتحدة، وروسيا) ولم تضم أيًا من أعضاء حماس، وقد أثار ذلك حفيظة إسرائيل، فشنت عملية وحشية فى الضفة الغربية، التى امتدت إلى غزة، واستهدفت حماس بشكل خاص، وكما هو الحال دائمًا كانت هناك ذريعة، لكنها ذريعة تتحلل سريعًا ولا تصمد لدى الفحص، وفى النهاية أثارت عمليات القتل فى غزة رد فعل من حماس، والذى أعقبته عملية «الجرف الصامد».
وأضاف أن إسرائيل سعت إلى فصل غزة عن الضفة الغربية، بدعم كامل من الولايات المتحدة، وفى انتهاك صريح لاتفاقات أوسلو التى وقعتاها كلتاهما، التى أعلنت أن المنطقتين سوف تصبحان كيانًا إقليميًا واحدًا غير قابل للتجزئة، وتفسر نظرة على الخريطة الأسباب إن غزة تشكل «المنفذ الوحيد» لفلسطين إلى العالم الخارجى.
ورد تشومسكى أهم المفكرين السياسيين النشيطين فى العالم حول شعور حكومات إسرائيل، بريطانيا، والولايات المتحدة بسعادة غامرة من ظهور «داعش» إنها «تهديد» جديد يزود هذه الحكومات بالذريعة لشن الحرب وزيادة القمع الداخلى، وما أفكاره حول «داعش» والقصف الأخير للعراق، بقوله إن ما نستطيع استنتاجه بالضرورة مبنى من الأدلة المتناثرة، حولنا على النحو التالى وهى أن «داعش» مسخ حقيقى.
وأوضح أن «داعش» واحدة من التداعيات المروعة الكثيرة للمطرقة الأمريكية التى عملت ــ من بين جرائم أخرى ــ على تحريض النزاعات الطائفية التى ربما تكون الآن قد دمرت العراق أخيرًا التى تمزق المنطقة كلها إلى أشلاء، وكانت الهزيمة شبه الفورية للجيش العراقى فى الآونة الأخيرة حدثًا مثيرًا للدهشة، إذ إنه كان جيشًا مكونًا من 350.000 رجل، مدججين بالسلاح، ومدربين على يد الولايات المتحدة لأكثر من عقد، كما كان الجيش العراقى قد خاض حربًا طويلة ومريرة ضد إيران خلال الثمانينيات، وبمجرد أن وجهوا ببضعة آلاف من مقاتلى الميليشيات قليلى التسليح، فر ضباط القيادة، والقوات المحبطة، قائلاً: إنها إما هربت معهم، أو هجرت الخدمة، أو تعرضت للذبح.
تسيطر «داعش» الآن على محافظة الأنبار كلها تقريبًا، وهى ليست بعيدة عن بغداد، ومع ذهاب الجيش العراقى تقريبًا، أصبح القتال فى العراق فى أيدى الميليشيات الشيعية التى نظمتها الحكومة الطائفية، التى تقوم بارتكاب جرائم ضد السنة تماثل الجرائم التى ترتكبها «داعش» وبمساعدة حاسمة من الجناح العسكرى للأكراد الأتراك، وحزب العمال ــ الكردستانى، تمكنت قوات البشمركة العراقية الكردية من إيقاف «داعش» على ما يبدو، ويبدو أن مقاتلى حزب العمال الكردستانى يشكلون أهم قوة أنقذت الأيزيديين من الإبادة، وهم يوقفون «داعش» فى سوريا، بما فى ذلك الدفاع الحاسم عن كوبانى.
فى هذه الأثناء صعدت تركيا من هجماتها ضد حزب العمال الكردستانى مع تسامح واضح من الولايات المتحدة، إذا لم يكن الدعم، ويبدو أن تركيا راضية بمشاهدة أعدائها «داعش» والأكراد وهم يقتلون بعضهم البعض على مرمى البصر بالقرب من حدودها، مع احتمال حدوث عواقب وخيمة فى حال لم يستطع الأكراد الصمود أمام هجوم «داعش» على كوبانى وخارجها.
وأكد تشومسكى أن «داعش» تواجه خصمًا رئيسيًا لها وهى «إيران» التى استثنتها الولايات المتحدة من «التحالف» لأسباب متعلقة بالسياسة والأيديولوجيا، كما هو حال حليفها، الأسد، بطبيعة الحال، ويضم التحالف الذى تقوده الولايات المتحدة عددًا قليلاً من ديكتاتوريات النفط العربية التى كانت لوقت طويل المصدر الرئيسى لتمويل «داعش»، بالإضافة إلى تزويد المجموعة بجذورها الأيديولوجية وهو شىء ليس بالقليل.
يقول الباحث صاحب الأصول اليهودية إن «داعش» هى فرع متطرف من المذهب الوهابى / السلفى الذى يشكل هو نفسه نسخة متطرفة من الإسلام، وهو نسخة تبشيرية تستخدم عوائد النفط الهائلة لتنشر تعاليمها عبر الكثير من أنحاء العالم المسلم.
وكانت الولايات المتحدة، مثلها مثل بريطانيا من قبل، قد مالت إلى دعم الإسلام الأصولى المتطرف فى وجه القومية العلمانية، وكانت الدولة التى تعتنقه حليفًا أساسيًا للولايات المتحدة منذ تماسكت ديكتاتورية العائلات ومنذ اكتشفت الموارد النفطية الهائلة هناك.
واستدل تشومسكى فى حديثه يقول: «باتريك كوبيرن»، أكثر الصحفيين والمحللين معرفة بأحوال المنطقة فى هذه الآونة، حين وصف استراتيجية الولايات المتحدة، تمامًا كما هو حالها، كبناء يشبه «أليس فى بلاد العجائب» حيث تعارض «داعش» وأعداءها الرئيسيين فى الوقت نفسه وعلى حد سواء، وتقوم بضم حلفاء عرب مشكوك فيهم بشكل فضفاض وبدعم أوروبى محدود، ويمكن أن يكون أحد البدائل هو الانصياع للقانون المحلى والدولى عن طريق مناشدة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ثم السير فى ركابه، والسعى إلى تفعيل السبل السياسية والدبلوماسية للهروب من المستنقع أو تقليل أهواله على الأقل، لكن هذا الخيار غير وارد ولا قابل للتأمل تقريبًا فى الثقافة السياسية الأمريكية.
وفيما يتعلق بتوسع العملية العسكرية فى العراق وقيام حلف الناتو بالمزيد من نزع الاستقرار فى أوكرانيا، وأنه فى تطور خطير  للغاية بما يتعلق بالصراع الأمريكى ــ الروسى واحتمالات أن ينطوى على نشوب حرب نووية، أنه لا يزال يختمر منذ تنكرت واشنطن لوعودها الكلامية لجورباتشوف وشرعت فى توسيع حلف الناتو فى اتجاه الشرق مباشرة إلى الحدود الروسية، وأصبحت تهدد بضم أوكرانيا التى تنطوى على أهمية استراتيجية بالغة بالنسبة لروسيا، التى لها بالطبع صلات تاريخية وثقافية وثيقة بها.
واختتم تشومسكى بقوله: إنه فى تحليل منطقى للوضع هناك يقول «جون ميرشايمر» الاختصاصى فى العلاقات الدولية فى مجلة «فورين أفيرز» تحت عنوان: «لماذا الأزمة الأوكرانية هى خطأ الغرب؟» إن الأزمة الروسية بعيدة تمامًا عن أن تكون ناجية من اللوم، لكننا نعود الآن إلى تصريحات سابقة تؤكد أننا كنا قريبين إلى حد بالغ الخطورة من الكارثة من قبل، وها نحن نعبث باحتمال حدوث لكارثة مرة أخرى، وليس الأمر فى أن الحلول السلمية غير ممكنة على الإطلاق.
وأضاف أن هناك غيمة داكنة مهددة تلوح فى الأفق وتظلل كل شىء نناقشه، كما أننا نسير بعزم نحو أزمة بيئية التى يمكن كثيرًا أن تحل محل كل المخاوف الأخرى فى مستقبل ليس ببعيد.