الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ثقافة الجماعة الشعبية المصرية... الحضور والغياب

ثقافة الجماعة الشعبية المصرية... الحضور والغياب
ثقافة الجماعة الشعبية المصرية... الحضور والغياب





د.حسام عطا


يظل السؤال الغامض يطاردنى لماذا اختفت الطاقة الإبداعية للفنون الشعبية المصرية؟ وهل تكاد الجماعة الشعبية المصرية أن تتوقف عن إنتاج الإبداعات الأصيلة الخاصة بها؟ مثل إنتاج الأغنيات الشهيرة فى أعراس الزواج ووداع الأحباب فى أغنيات الموت (العديد) والحج ومواسم الحصاد وغيرها.
بل هل توقف الوجدان الجماعى فى مصر عن إبداع التكوينات الخاصة فى تزيين واجهات المنازل وصنع العرائس الصغيرة؟
هل تلاشت مساحات الوهج الإنسانى والحيوية المبدعة فى الرقص الجماعى المبهج فى الصعيد والدلتا وسيناء؟ هل انفض تماماً السامر الشعبى المصرى ولعب الحواة وما شابه ذلك من فنون شكلت الوجدان المصرى لسنوات طويلة؟
لاشك أن أبرز تلك الفنون الحية إلى الآن هى فنون الإنشاد الدينى المصاحبة لموالد الأولياء، والأكثر إدهاشاً أن تلك القصائد فى العشق الإلهى والمديح للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ذات لغة فصحى بليغة وجمهورها من الأميين فى معظمهم خارج نطاق المدن الكبرى.
وربما يكون الشيخ ياسين التهامى هو العلامة الواضحة فى السنوات الأخيرة، وهو ظاهرة إذا ما أخضعتها لمفهوم التلقى الفنى بمعناه النقدى تعبر عن مرجعية رفيعة المستوى فى التذوق الفنى لأن جمهوره العريض فى غير حواضر وعواصم المدن، فى مصر يذهب مشتاقاً لسماع منشده المحبوب وهو يغنى أشعار ابن الفارض سلطان العاشقين وهى من أجمل ما كتب بالفصحى الرقيقة فى باب العشق الالهي.
والسؤال الغامض الذى أهرب منه ولكنه يظل يطاردنى هل ستتوقف تلك الإبداعات بعد تراجعها التدريجي؟
الملاحظة العابرة الواضحة البسيطة أن هذا التراجع فى إنتاج الجماعة الشعبية قد صاحبه ازدهار وازدياد ملحوظ فى عدد الباحثين الأكاديميين العاملين فى مجال دراسة الفنون الشعبية، بل إن أكاديمية الفنون المصرية استحدثت معهداً متخصصاً لهذا الفرع من المعرفة الإنسانية منذ سنوات قريبة هو المعهد العالى للفنون الشعبية.
كما أن وزارة الثقافة تملك قطاعاً كبيراً تشكو منه منذ سنوات طويلة، لأن العاملين به أصحاب تمرد دائم ويصعب السيطرة عليهم ـ من وجهة نظر عدد من القيادات الثقافية ـ فهم من العاملين بفنون العرض والخطر مثل فنون السيرك والرقص والموسيقى الشعبية.
بينما هؤلاء هم بيت القصيد فى الحفاظ على الهوية الثقافية المصرية عبر عمق إنتاج التراث الشعبى المصري، وهم الأكثر استحقاقاً للرعاية والاهتمام.
المدهش أيضا أن بعض الفنانين الذين استلهموا التراث الشعبى خاصة فى مجال الغناء، كان تطويرهم غير المنطقى للأغانى الشعبية سبباً فى اغترابها عن الوجدان المصرى الشعبي، وقد اختفت تلك الأغنيات حتى من الأفراح الشعبية المصرية بل ساهمت فى خلق مسافة بينها وبين المبدعين الأصلاء لها وهم الجماعة الشعبية.
هذا كما أن رحيل شعراء الربابة الرواة المبدعون من كبار السن والتجربة من غير توثيق وحفظ ما لديهم من حكمة وشعر شعبى هو أمر حزن متكرر.
أما الجدير بالتذكرة أن المركز الثقافى التعليمى القومى (دار الأوبرا المصرية) عندما فكرت مصر فى إقامتها لاستعادة دار الأوبرا القديم المحترق لم تكن وزارة الثقافة آنذاك تراها فقط داراً للعرض تتبنى الفنون الغربية الرفيعة، ولا مانع من ذلك بالتأكيد، ولكن التفكير المشارك فى الإنشاء وهو التفكير اليابانى صاحب منحة دار الأوبرا المصرية كان يراها بيتا لتعليم الفنون القومية لأن ما يساوى الراوى الشعبى المصرى وربابته مثل فنون اليابان التقليدية (الكابوكى) مثلا، وهى مدرسة مسرحية تراثية تتبع فرقتها القصر الإمبراطورى مباشرة فى إطار جعل التراث القومى حياً متواصلاً وهو تعبير عن حرص شديد على الخصوصية الثقافية، وهو ما تراه فى الأزياء التقليدية وتخطيط المدن الجديدة بمعمار شعبى تقليدى والحفاظ على المدن والأحياء الشعبية القديمة فى طوكيو أمر مقدس، وهو ما حاولنا فى مصر استعادته عبر مشروع القاهرة التاريخية وغيرها، فهل يعود الاهتمام بالفن الشعبى المصرى بتطويره والحفاظ عليه وبعثه حياً متواصلاً.
وهو القادر بحق على التصدى للعشوائية والقبح والجهل والإرهاب وإحياء روح الجماعة الشعبية المصرية.