السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حيوانات لا تحب الثورة (1)

حيوانات لا تحب الثورة (1)
حيوانات لا تحب الثورة (1)




كتب : سراج وصفى

أصبحت لا أقاوم رغبتى فى تأمل ملامح الناس. المقربين منهم أو حتى من لا أعرفهم. وكثيرا مايصل بى الأمر إلى التحديق فى الوجوه للحظات طويلة. إلى أن يضبطنى أحدهم متلبسا بالنظر إليه. فأضطر للالتفات سريعا او الابتسام فى وجهه ببلاهة.
صارت تتملكنى تماما فكرة أن كلا منا يحمل داخله حيوانه الخاص. صحيح أن للبشر جميعا نفس الهيئة. لكن لكل منا صفات وملامح وأفعال تجعله أقرب مايكون لحيوان بعينه.
هى فكرة غريبة لكننى تلقفتها سريعا - قبل سنوات - من صديقى المبدع والناقد السينمائى عصام زكريا . ولم اتعامل معها على انها مجرد دعابة ، بل اصبحت تسيطر على بدرجة كبيرة ، وتحكم نظرتى للناس.
على كثرة الحيوانات التى اقابلها طوال أيامى. الا اننى صرت قادرا على تمييز انواع وفصائل بعينها. وتطور بى اﻷمر من مجرد التأمل الى القدرة على ترتيب وتصنيف تلك الأنواع حسب أماكن ظهورها وطبيعة عملها وطريقة أدائها.
فهذا خرتيت يجلس امامى فى المترو. وتلك سلعوة تصرخ على الشاشة.. وهؤلاء حمير مطيعون يكتظون فى طابور العيش.
استهوتنى المسألة ووجدتها نظرية فلسفية معتبرة يمكن الاعتماد عليها فى الحكم على الناس.
خلال الأيام الأولى لثورة يناير وفى طريقى للميدان. كنت اتفحص وجوه العشرات من الضباع الشرسة وهى تحوم وتزمجر حول المداخل. فى انتظار الفرصة لتنقض على ميدان الثورة. أو على الأقل لتنهش أى من الثوار المرابطين على الاطراف.. كنت اقف لدقائق أستمع لخطاب عاطفى من ذئب عجوز.. يحرك ذيله بعصبية وهو يقف خارج الميدان ويصرخ فى المحيطين بضرورة أن نعطى فرصة للرجل. قائد الضربة الجوية الذى انقذنا من الدخول فى أى حرب طوال 30 عاما. كنت اركز على نظراته الجائعة وهى تراقب الجموع وتتحين الفرصة لقنص أحدهم إذا بدت عليه علامات الاستسلام . كانت تزكم انفى روائح عفن الحيوانات المحيطة بنا من كل اتجاه.
اذكر وقتها اننى ابتسمت رغم ما يتملكنى من رعب. عندما ادركت ان البشر هم من يقفون الآن بداخل قفص كبير. والحيوانات المفترسة والقوارض القذرة هى التى تتجول بحرية فى كل الشوارع . كنت اهرب متلهفا إلى قفص الحرية لأحتمى ببنى جنسى من البشر.
سرقتنا شهور الزهو بانتصارنا الرائع وانشغلت عن رؤية الحيوانات ومتابعتها، أو على الاقل لم أكن اركز فى الملامح، ربما لانه نادرا ما كنت اصادف حيوانا من كارهى الثورة. وإذا حدث فهو يعلن عن وجوده بانكسار واضح، الجميع وقتها ارتدوا ملابس واقنعة تليق باحتفال ثورى دائم، الجميع تكلموا عن الليالى التى قضوها فى الميدان، وفى صد هجمات حيوانات النظام عليه، وفى المعارك الصاخبة، الجميع اصيبوا والجميع استشهدوا أيضا، اعترف اننى وقتها كنت من المخبولين الذين صدقوا ان الثورة تحققت والنظام تهاوى، وانه يمكننا العودة الى بيوتنا بسلام.
جرت الأمور بأسرع مما نتخيل او نحتمل طوال 4 سنوات. عادت فصائل الضباع والذئاب والجرذان لتحتل اماكنها بأشرس مما كانت، انتظمت فى صفوف ودوريات تهاجم قطعان التيوس والابقار الواهنة، تحركها وتتلاعب بها وتجمعها وتفرقها وتفترسها كيفما تشاء، لكنى استعدت قدرتى على تفحص وجوهها وقراءة ملامحها وتمييز اصواتها، أصبحت أكثر دراية بغرائز الحيوانات التى تكره الثورة وبتوقع سلوكها وفهم دوافعها.
لدى يقين بضعف تلك الحيوانات وغبائها وسوء ادراكها، وبأن الثورة يمكنها الانتصار فى النهاية وبلوغ اهدافها كما حلمنا بها، لكن ظنى أن اى محاولة لاستعادة الثورة لن تفلح إلا بفهم تلك الحيوانات وقراءة سلوكها والتأنى فى الحكم عليها. والأهم التخلص من وهم التفوق النوعى الذى أصابنا فى مواجهتها، وجعلنا نتخيل سهولة القضاء عليها ودحرها الى جحورها بمجرد الهتاف فى الشوارع والميادين.
وإذا كان لديكم متسع من الوقت يمكننا التعرض بالدراسة والتحليل لأنواع تلك الحيوانات الكارهة للثورة وأقصر الطرق لمواجهتها والقضاء عليها فى كتابات قادمة..